(?)
Quotes are added by the Goodreads community and are not verified by Goodreads. (Learn more)
طه حسين

“ولا بد قبل كل شيء من أن نشير إلى المذهب الأفلاطوني في كتابه الفلسفة ودرسها . وهذا المذهب في نفسه هو مذهب سقراط ، أي أنه يعتمد قبل كل شيء على الحوار ، وإذن فهو في نفسه غير جديد . ولكن لا تنس أن سقراط كان يحاور محاورة لسانية ، أي إنه كان يناقش أصحابه وتلاميذه بالفعل . أما أفلاطون فلم يكن يحاور حوارًا لسانيًّا ، وإنما كان يكتب . والفرق عظيم بين رجل يلقاك فيحاورك ، وبين رجل لا يلقاك ولا يحاورك بالفعل ، وإنما يستوحي قلمه حوارًا بديعًا : تخيل أشخاصه ، واخترع موضوعه اختراعًا . كان سقراط متحدثًا ، أما أفلاطون فمؤلف منشئ . ومن هنا كان من الحق الاعتراف لأفلاطون بفضيلة هذا الفن الفلسفي الأدبي ، الذي لم يسبق إليه ولم يلحق فيه ، وهو فن الحوار . نعم ! إن أفلاطون لم يخترع الحوار اختراعًا ، وإنما تأثر بمؤثرين مختلفين ، نذكرهما لنلفتك إلى الصلة بين الفلسفة والأدب .

الأول : فن التمثيل الذي بلغ أقصى ما كان ينتظر له من الرقي في القرن الخامس ، وأثر في حياة الأثينيين خاصةً واليونان عامةً ، تأثيرًا لا حد له . هذا الفن يعتمد على الحوار ، سواء في ذلك قصصه المحزنة والمضحكة . وهو بهذا الأسلوب ، أسلوب الحوار ، قد استطاع أن يؤثر في الجمهور ويبلغ من نفسه ما كان يريد . فليس عجيبًا أن يفتن الناس بالحوار ويتخذوه أسلوبًا من أساليبهم الأدبية . ونستطيع أن نقول : إن كتب أفلاطون كلها أو أكثرها قصص تمثيلية فلسفية . فكتب أفلاطون كلها أو أكثرها عبارة عن مجلس من المجالس ، يجتمع فيه الناس حول سقراط فيتحدثون ، وينتهي بهم الحديث إلى موضوع من الموضوعات ذات الخطر ، فيتحاورون فيه ، ويشرف سقراط على هذا الحوار وما يزال بأصحابه وتلاميذه ينقلهم من موضوع إلى موضوع ومن مسألة إلى مسألة ، ومن صعوبة إلى صعوبة ، حتى ينتهي بهم إلى النتيجة الفلسفية التي كان يريد إثباتها . وكل هذه الكتب أو أكثرها لا تتخذ أسماءها من الموضوعات التي تدرس فيها ، وإنما تسمى بأسماء الأشخاص الذين لهم في الحوار منزلة خاصة ، فهناك « فيدون » (Phédon) ، و « برتاجوراس » (Protagoras) ، و « جرجياس » (Gorgias) ، و « ألسبياد » (Alcibiade) ، وغيرها من الكتب التي تسمى بأسماء الأشخاص ؛ وقليلة جدًّا تلك الكتب التي تسمى بأسماء الموضوعات ، كالجمهورية والقوانين وغيرهما.

المؤثر الثاني : الشعر ، وأريد الشعر الغنائي الذي تعمق في البحث عن العواطف الإنسانية ، حتى اهتدى إلى دقائقها ، وارتقى في تشخيص هذه العواطف وتمثيلها ، حتى بلغ من العظمة حدًّا ربما لم يبلغه الشعر الحديث . وقد يكون من الحق ألا ننسى الشعر القصصي ، الذي اعتمد عليه أفلاطون في هذه الأساطير المنبثة في كتبه ، والتي يستعين بها على تفسير النظريات الفلسفية وتقريبها . فأنت ترى أن أفلاطون لم يخترع فنه الأدبي اختراعًا ، وإنما تأثر فيه بألوان الشعر الثلاثة ، كما أنه لم يخترع فلسفته اختراعًا وإنما تأثر فيها بالمذاهب الفلسفية المختلفة التي سبقته وعاصرته . ولكن تأثره بالشعر والفلسفة لم يضطره إلى التقاليد ولم يضعف من شخصيته ، وإنما قوَّى هذه الشخصية تقوية عظيمة . وأين هو هذا النابغة الذي يخترع شيئًا من لا شيء ويحدث أحداثًا لا تتصل بما قبلها ، ولا تتأثر بما حولها ؟ وسنرى أن أفلاطون نفسه لم يستطع أن يتصور إلهًا يوجد شيئًا من لا شيء.”

طه حسين, قادة الفكر
Read more quotes from طه حسين


Share this quote:
Share on Twitter

Friends Who Liked This Quote

To see what your friends thought of this quote, please sign up!

0 likes
All Members Who Liked This Quote

None yet!


This Quote Is From

قادة الفكر قادة الفكر by Taha Hussein
262 ratings, average rating, 41 reviews

Browse By Tag