“جلجاميش وعاء أثري وفنى يحتوى على مزيج مأسوى مدهش من مغامرة الإنسان بحثا عن نفسه، وصراعه الأخلاقى مع الشر، ورؤاه ومواقفه الوجودية التى تتذبذب بين الاستغراق فى نبع اللحظة الراهنة واغتراف كل ممكناتها، والتصميم على تحقيق أمل "يوتوبى" يبدو فى حكم المستحيل. أضف إلى هذا أهم ما اشتهر به جلجاميش وضمن له الشمول والحضور وراء حدود المكان والزمان وهو سعيه الدائب إلى الخلود الذى يمكنه من الافلات من "حظ البشر"، ويعينه على تخطى أسوار الفناء الذى يحاصر حياته فى كل لحظة، ويلتهم كل أعماله وأتعابه وما بنت يداه. ثم إنها تخاطبنا اليوم أيضا - كغيرها من أمهات النصوص فى تراثنا الأدبى والحضارى - فى سعينا الائب لمعرفة هويتنا وتحقيقها، وفى تطلعنا لإرساء الأساس الأول المفتقد لوجودنا وتقدمنا على درب التحصر والتطور، ألا وهو الحرية. وهل ثمة سبيل يقربنا من هويتنا مثل تفهم نصوص تراثنا، وتجديد حضورها فى وعينا، وجعلها معاصرة لنفسها ولنا فى وقت واحد.”