“فإذا استشعر المؤمن الذي شرفه الله باليقين بهذا القرآن، الذي يتعامل مع أخبار القرآن كأنما يشاهدها
رأي العين، إذا استشعر هذا المشهد، وأخذ يجيل
عينه في الكون من حوله، فيقلب وجهه في السماء
وينظر في فجاج الأرض، ويمسك الأشجار بيديه،
ويتأمل الطير فوقه وهن صافات ويقبضن، ويستحضر
تلك الكائنات المدهشة التي تعيش في قيعان المحيطات، ثم يستعيد كلام الله عن أن هذه الكائنات كلها تسبح الله، كل قد علم صلاته وتسبيحه، ولكــن
لا نفقه تسبيحهم، فإنه لا يكاد يطيق المهابة والإحساس
بالعظمة الإلهية التي تتوارد على قلبه، وتكاد
تعتقل لسانه . فإذا جمع المؤمن في قلبه هذا المشهد السابق في تسبيح الكائنات الله، ثم أضاف إليه أن الله اختار أن يبدأ كثيراً من سور القرآن بالتسبيح، كما استفتح الله بالتسبيح سبع سور من القرآن، وهي: سورة الإسراء، وسورة الحديد، وسورة الحشر، وسورة الصف، وسورة الجمعة، وسورة التغابن وسورة الأعلى.
وإذا أضاف المؤمن إلى ذلك أن الصلاة التي هي أعظم
شعائر الإسلام، جعل الله في ركوعها التسبيح: (سبحان ربي العظيم)، وجعل في سجودها التسبيح : (سبحان ربي الأعلى).
وإذا أضاف المؤمن إلى ذلك تسابيح الأنبياء، كقول
موسى في بيان وظيفة نبوته : وَاجْعَل لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي هَرُونَ أَخِي أَشْدُدْ بِهِ أَزْرِي وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي
كي تُسْعَكَ كَثِيرًا وتذكركَ كَثِيرًا ، فطلب موسى مساعداً له في رسالته، وجعل وظيفة هذه الرسالة أن يسبحا الله كثيراً ويذكراه كثيراً! ويونس فزع إلى التسبيح في اللحظة الحالكة: ((وذا النُّونِ إِذ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ))، وبين الله سبحانه أن تسبيح يونس هو الذي كان سبباً في نجاته من بطن الحوت: ﴿فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (٣) لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ )).
وأن الملائكة لا تفتر عن التسبيح كما قال
الله سبحانه عنهم : يُسَبِّحُونَ الَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا
يفترون ، وقول الله تعالى: ((وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ
حَافِينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ ، وقول الله عز وجل : الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ))
بل أخبرنا الله عن لهج السنة أهل الجنة، السعداء،
بالتسبيح، كما قال الله تعالى: ((إنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا
وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُم بِإِيمَتِهِمْ تَجْرِى مِن تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (3) دَعْوَنَهُمْ فِيهَا سُبْحَنَكَ اللَّهُمَّ ))
فإذا ضم المتدبر هذه الشواهد، ورأى كيف أن الرعد
والجبال والسماوات والأرض والكائنات كلها تسبح
الله، وأن الله استفتح سبع سور بالتسبيح، وأن الله جعل الركوع والسجود وهما من أهم أركان الصلاة تسبيحاً،
ومنزلة التسبيح في أخبار الأنبياء، واتصال الملائكة
بالتسبيح، وتسبيح أهل الجنة، إذا ضم هذه الشواهد كلها بعضها إلى بعض؛ تغيرت نظرته جذرياً لمفهوم التسبيح،
وأدرك أن للتسبيح منزلة عند الله تفوق المنزلة التي
نتصورها عادة.
ولا يتأمل المؤمن مثل هذه المنزلة للتسبيح إلا ويدركه
شيء من الألم على فوات كثير من لحظات العمر عبثاً
دون استثمارها بالتسبيح .
وأي شيء أجمل من قضاء دقائق الانتظار، والطريق،
ولحظات الصمت، في تسبيح الله ؟!”
―
رقائق القرآن
Share this quote:
Friends Who Liked This Quote
To see what your friends thought of this quote, please sign up!
0 likes
All Members Who Liked This Quote
None yet!
This Quote Is From
Browse By Tag
- love (101785)
- life (79792)
- inspirational (76200)
- humor (44484)
- philosophy (31149)
- inspirational-quotes (29018)
- god (26979)
- truth (24820)
- wisdom (24766)
- romance (24454)
- poetry (23415)
- life-lessons (22740)
- quotes (21216)
- death (20618)
- happiness (19110)
- hope (18643)
- faith (18509)
- travel (18058)
- inspiration (17465)
- spirituality (15802)
- relationships (15735)
- life-quotes (15658)
- motivational (15447)
- religion (15434)
- love-quotes (15430)
- writing (14978)
- success (14221)
- motivation (13346)
- time (12905)
- motivational-quotes (12657)

