More on this book
Community
Kindle Notes & Highlights
لقد عشت أنا والروميّ في رفقتنا جَمالًا استثنائيًّا، وتعلّمنا معنى مواجهة اللانهاية من خلال مرآتين تعكس إحداهما الأخرى إلى ما لا نهاية. لكنْ، لا تزال البديهيّة القديمة نافعة: حيثما يوجد الحبّ، لا بدّ من مرض القلب.
قال عزيز إنّ أشياء غريبة حدثت للناس تفوق أشدّ الاحلام عنفًا عندما كانوا مهيَّئين لما هو غير مألوف وغير متوقَّع.
الفراغ الأشياء الموجودة من خلال غيابها
«شاهدت الملك ذا الوجه العظيم الذي هو عين السماء وشمسها»
«يومًا ما ستكون صوتَ الحبّ». لا أعرف شيئًا عن ذلك، ولكنّني أجد الصمت عذابًا حقًّا في هذه الأيّام. تمنحني الكلمات ثغراتٍ لاقتحام الظلمة الكامنة في قلبي. هذا ما كان يبغيه شمس على الدوام. صحيح؟ أن يجعل منّي شاعرًا(*)!
الحياة هي عن الكمال. وكلّ حادثة تحدث، مهما تكن صغيرة الشأن أو عظيمة الأثر، وكلّ مشقّة تواجهنا فنحتملها، إنّما هي مظهر من مظاهر خطّة ربّانيّة هدفها الوصول إلى تلك الغاية. والكفاح أمر جوهريّ لأن يصبح الإنسان إنسانًا. ولهذا يقول القرآن: {والذين جاهدوا فينا لنهديهم سبلنا}. ولا وجود للمصادفة في نظام الله. وليست مصادفة أنّ شمس التبريزيّ التقاني في طريقي في ذلك اليوم من شهر تشرين الأوّل قبل نحو عامين اثنين. وكان شمس قد قال: أنا لم أحضر إليك بسبب الريح.
فتح أبوابنا أمام بغيّ وجعلنا نقتسم الطعام وإيّاها، وأرسلني إلى الخمّارة وشجّعني على أن أكلّم السكارى. وفي إحدى المرّات، جعلني أتسوّل وأشحذ في الجهة المقابلة من المسجد الذي كنت أخطب فيه، مرغمًا إيّاي بذلك على أن أضع نفسي موضعَ الشحّاذ المجذوم. حجبني أوّل الأمر عن المعجبين بي، ثم عن الطبقة الحاكمة، ووصلني بعامّة الناس، وبفضله عرفت أُناسًا ما كان من شأني أن ألتقيهم في يوم من الأيّام.
وبسبب إيمانه العميق بوجوب تحطيم كلّ الأصنام التي تقف بين العبد والله، وبينها الشهرةُ والثروة والمنزلة، وحتى الدينُ نفسه، قطع كلّ الحبال التي كانت تربطني بالحياة التي كنت أحياها وأعرفها. وحيثما رأى حدًّا من الحدود العقليّة أو انحيازًا وتعصّبًا أو محرَّمًا من المحرّمات، كان يواجهه مواجهةَ المصارع قرنَ ثور أمامه. بحسب رأيه، مررت شخصيًّا بتجربة، واختبرت حالات ومراحل، جعلتني كلّ واحدة منها أبدو أكثر جنونًا حتى في عيون أخلص أتباعي. كان لي فيما مضى من الزمان عددٌ كبير من المعجبين. أمّا اليوم، فقد تخلّصت من حاجتي إلى جمهور. وتمكّن شمس من تحطيم سمعتي بضربات، الواحدة تلو الأخرى.
وتعلّمت بسببه قيمةَ الجنون، وأصبحت أعرف طعم الوحدة واليأس والافتراء والعزلة، وأخيرًا انفطار القلب: «كلّ ما تراه مربحًا، ابتعدْ عنه! اشربِ السمّ واسكبْ بعيدًا ماءَ الحياة! اهجرِ الأمان وعِشْ ...
This highlight has been truncated due to consecutive passage length restrictions.
كنت ألعب الشطرنج تحت سماء زرقاء صافية مع ناسك نصرانيّ، اسمه فرنسيس. وكان هذا رجلًا تصعب إمالة توازنه الداخليّ؛ رجلًا عرف معنى التسليم. ولَمَّا كان الإسلام يعني السلام الداخليّ الذي يأتي من التسليم، فإنّ فرنسيس كان في نظري أكثر إسلامًا من عدد كبير ممّن يزعمون أنّهم مسلمون.
«التسليم لا يعني أن تكون ضعيفًا ولا سلبيًّا، ولا تؤدّي إلى القَدَريّة ولا إلى الاستسلام، بل على العكس من ذلك. إنّ القوى الحقيقيّة تكمن في التسليم؛ القوّة تأتي من الداخل. فالذين يستسلمون لجوهر الحياة الربّانيّ سيعيشون في سلام وطمأنينة لا تشوبهما شائبة حتى عندما يمرّ العالم الواسع كلّه في فوضًى، الواحدة تلو الأخرى».
النصارى واليهود والمسلمون يشبهون هؤلاء المسافرين. ففي حين يتخاصمون بشأن المظهر الخارجي، فإنّ الصوفيّ يسعى إلى الجوهر. إنّ ما أحاول قوله لك هو أنّه ليس من سبب لك يدفعك إلى الاشتياق إلى أمّك مريم، لأنّك لست مضطرة إلى التخلّي عنها وإهمالها في المقام الأوّل. فبصفتك امرأة مسلمة، يمكنك أن تشعري دومًا بأنّك متّصلة بها.
شعرت بالدم يغلي في عروقي لأنّ المجتمع فرض مثل هذه القواعد السخيفة على الأفراد. إنّ قوانين الشرف لا تتّصل بالتناغم الذي أبدعه الله قدر ما تتّصل بالنظام الذي يريد البشر الحفاظَ عليه.
القاعدة الخامسة والثلاثون: «في هذا العالم، ليست الاختلافات أو العادات هي التي تأخذنا خطوة إلى الأمام، بل التناقضاتُ الحادّة. وكلّ تناقضات هذا الكون كامنة في نَفْس كلّ واحد منّا. لهذا السبب، يحتاج المؤمن إلى لقاء غير المؤمن الموجود في أعماقه. وعلى مَنْ هو غير مؤمن أن يتعرّف إلى المؤمن الصامت في باطنه. وإلى أن يصل المرء يومًا ما إلى مرحلة النسيان الكامل، فإنّ الإيمان عمليّة تدريجيّة وتتطلّب ما يبدو نقيضها، وهو اللاإيمان».
تعلّمك الصوفيّة كيف تموتين قبل الموت.
أنّ كلّ ما يمكنني أن أهبه لك هو اللحظة الراهنة. هذا كلّ ما أملكه. لكنّ الحقيقة هي أنّ ما من أحد يملك أكثر من ذلك. كلّ ما هنالك أنّنا يروقنا أن نتظاهر بأنّنا نملك ما هو أكثر.
ولكن، في وسعك أن تكوني أنت الروميّ، إن سمحت للحبّ بأن يهيمن عليك وأن يغيّرك، في البدء من خلال وجوده، وبالتالي من خلال غيابه.
«هذا العالم قائم على مبدأ التبادليّة. فما من ذرّة من الحنان أو ذرّة من الشرّ بلا تبادل للأدوار أو تردّد في المواقع. فلا تَهَبِ المؤامرات ولا الخديعةَ ولا حِيَلَ الآخرين. فإذا كاد أحدهم لغيره، فتذكّر أنّ الله خير الكائدين. ما من ورقة بذاتها تتحرّك إلّا بمعرفة الله. آمنْ بهذا إيمانًا تامًّا وبسيطًا. فكلّ ما يفعله الله، إنّما يفعله على نحو جميل».
«إنّ الله صانع ساعات ذو مهارة كبيرة. وفي نظامه من الدقّة ما يجعل كلَّ شيء على الكرة الأرضيّة يحدث في وقته المحدَّد، لا دقيقة متأخّرًا، ولا دقيقة مبكّرًا. والساعة تعمل عملًا دقيقًا مع كلّ شخص من دون استثناء، ولكلّ امرئ وقت للحبّ ووقت للموت».
«لم يفت الأوان البتّة على طرح السؤال على النفس: أَأَنا مستعدّة لتغيير نمط الحياة الذي أحياه؟ أَأَنا على استعداد للتغيير داخليًّا؟ حتى لو كان يوم واحد من حياتك يشبه سابقه من الأيّام، فالمؤكّد أنّ الأمر يبعث على الشفقة والرثاء. فعلى المرء أن يتجدّد ثانية وثالثة في كلّ لحظة وفي كلّ نَفَس يتنفّسه. ثمّة وسيلة واحدة للولادة في حياة جديدة: الموت قبل الموت».
ـــ هذا ما يفعله بك فقدانُك محبوبَك، إذ يحلّل ذاتك العظيمة إلى ذرّات تراب ويُظهر لك ذاتَك الأخرى التي هي ذات درويش. والآن، بعد أن رحل شمس رحيلًا لا رجعة فيه، فإنّني راحل بدوري، ولم أعد بعد اليوم عالِمًا ولا خطيبًا. إنّني رمز العدم، وهنا فنائي، ومن هنا بقائي.
أتظنّ أنّ القفطان ثمن غال دفعته للكذبة؟ لكنْ، تخيّل يا بنيّ، لو كان صادقًا في كلامه، وأنّ شمسًا في قيد الحياة حقًّا، لكنت دفعت حياتي ثمنًا لذلك!
يتحوّل الألم إلى نازلة، على وجه العموم، وبمرور الزمن، تتحوّل النازلة إلى صمت، ويتحوّل الصمت إلى توحّد هائل بلا قرار، مثل المحيطات المظلمة.
تعتقد أنّك لا تستطيع العيش بعد الآن، وتظنّ أنّ ضياء روحك قد انطفأ، وأنّك ستلبث في الظلمة الظلماء إلى ما لا نهاية. ولكن، عندما يغمرك مثل هذا الظلام الثقيل، حين تغمض عينيك في وجه العالم، تنفتح عين ثالثة في قلبك، وساعتئذ لا غير، تدرك أنّ البصر ينازع المعرفة الباطنيّة. فما من عين تشاهد في حدّة ووضوح مثل عين الحبّ. وبعد النازلة، يأتي فصل آخر، وادٍ آخر، شخصُك الآخر، وتبدأ برؤية الحبيب الذي لا يمكن العثور عليه في أيّ مكان، تبدأ برؤيته في كلّ مكان.
أنت تشاهده في قطرة ماء تسقط في محيط؛ في المدّ العالي الذي يعقب نموّ الهلال، أو في ريح الصباح التي تنشر عبيرها المنعش. تراه في الرموز الخاصّة بالضرب بالرمل؛ في الذرّات الصغيرة لصخرة تتألّق تحت الشمس؛ في ابتسامة طفل وليد، أو في نبض عرق من عروقك. كيف يمكنك أن تقول إنّ شمسًا قد رحل في حين أنّه في كلّ مكان، وأنّه كلّ شيء؟
كانت الكلمات، نثرًا أو شعرًا، تأتيني بهيئة مجاميع لتغادرني بعد ذلك، على حين بغتة، مثلَ طيور مهاجرة. أنا لست سوى ماء تتوقّف عنده وتستريح، وهي في طريقها إلى مياه أكثر دفئًا.
ورويدًا رويدًا، يصبح الفرد في سنّ الأربعين، والخمسين، والستّين. وعند كلّ عقد جديد، يشعر بأنّه أكثر اكتمالًا. ينبغي لك أن تظلّ سائرًا، وإن لم يكن ثمّة مكان كي تصل إليه. فالكون يدور دَوَرانًا مستمرًّا وعلى نحو ثابت، وكذلك الأرض والقمر، غير أنّ ما يدفع كلّ هذه الأشياء إلى الدوران ليس سوى سرّ من الأسرار يكمن فينا نحن البشر. وعلى أساس هذه المعرفة، سنشقّ نحن الدراويش طريقنا راقصين من خلال الحبّ وتحطّم القلب حتى وإن لم يفهم أحد ما نفعل. إنّنا نرقص جميعًا في وسط هدير أو حرب شاملة، لا يهمّ. وسنرقص في أحزاننا وآلامنا، في أفراحنا وابتهاجنا، وحيدين أو في جماعات، في بطء وفي سرعة كسريان الماء. سنرقص في
...more
«في حين تتغيّر الأجزاء، يظلّ الكلّ على حاله دومًا. ومع رحيل كلّ لصّ عن هذا العالم، يولد لصٌّ جديد. ويحلّ محلَّ كلّ رجل شريف يوافيه أَجَلُه شريفٌ آخر. وعلى هذا الأساس، ما من شيء يظلّ على حاله فحسب، بل ما من شيء يتغيّر أصلًا. وبوفاة كلّ صوفي، يولد صوفيّ آخر في مكان آخر».
ديننا دين الحبّ. وكلّنا تربطنا سلسلة من القلوب. وإذا انفصمت عُرى إحدى الحلقات، فإنّ حلقة أخرى تُضاف في مكان آخر. وإذا قضى نحبَه من هو على درب شمس التبريزيّ، فإنّ شمسًا آخر سيظهر إلى الوجود، جديدًا وفي عصر مختلف وتحت اسم مخت...
This highlight has been truncated due to consecutive passage length restrictions.
يوم جديد يوشك أن يبدأ، لكن شعورًا ساورها بأنّه سيكون أيضًا نهاية شيء ما. اطرحِ السؤال على أيّ شخص سمع أذان الفجر أوّل مرّة في حياته وسيخبرك بالشيء نفسه. إنّه جميل وفخم وعميق ومحفوف بالأسرار، ولكنْ، في الوقت عينه، ثمّة شيء خارق ينطوي عليه؛ شيء يكاد يكون غريبًا، شأنه شأن الحبّ تمامًا.
إنّها القاعدة الأربعون: «الحياة بلا حبّ تافهةٌ، لا يؤبَه بها. لا تسألي نفسك عن الحبّ الذي ينبغي لك البحثُ عنه، روحيًّا أو مادِّيًّا، دنيويًّا أو ربّانيًّا، شرقيًّا أو غربيًّا... التقسيمات لا تؤدّي إلّا إلى تقسيمات أخرى. ليس للحبّ أسماء ولا تعريفات. هو ما هو، شفّاف وبسيط. الحبّ هو ماء الحياة، والعاشق روح النار! والكون يصبح كونًا مغايرًا عندما تحبّ النارُ الماء».