More on this book
Community
Kindle Notes & Highlights
الرجال قوّامون على النساء بما فضّل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله واللاتي تخافون نشوزهنّ فعظوهنَّ واهجروهنَّ في المضاجع واضربوهنَّ فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهنَّ سبيلًا إنّ الله كان عليًّا كبيرًا. أغمض شمس عينيه عندما فرغ من تلاوته، وتلا الآية نفسها، ولكن بتفسير مغاير هذه المرّة، ثم سأل: ـــ هل لاحظت الفرق الآن؟ قلت: ـــ نعم. التفسير مختلف. يبدو الأمر في البدء كأنّ ثمّة موافقة على قيام المتزوّجين من الرجال بضرب زوجاتهم، في حين أن تفسيرك ينصحهم بهجرهنّ. أعتقد أنّ ثمّة اختلافًا كبيرًا. لماذا؟ ردّ شمس أكثر من مرّة كأنّ السؤال أعجبه. ـــ لماذا؟
...more
This highlight has been truncated due to consecutive passage length restrictions.
ـــ الذين يهوون السباحة على مقربة من سطح الماء يكتفون بمعنى القرآن الظاهريّ. والكثيرون يحذون هذا الحذو، ويأخذون الآيات بمعناها الحرفيّ أكثر ممّا ينبغي لهم. لهذا، ليس من عجب في أنَّهم عندما يقرأون سورة كـ «سُورة النساء»، يصلون إلى استنتاج مفاده أنّ الرجال أعلى شأنًا من النساء، لأنّ هذا ما يريدون رؤيته.
ـــ ثمّة ثلاثة تيّارات أخرى. التيّار الثاني أعمق من التيّار الأوّل، ولكنّه قريب أيضًا من السطح. ويزداد فهمك للقرآن، بازدياد وعيك، ولكن يتطلّب ذلك منك المغامرة. شعرت بالخواء والامتلاء وأنا مصغية إليه، ثم قلت في حذر: ـــ ما الذي يحدث عندما تغامر؟ ـــ التيّار الثالث هو القراءة المقتصرة على فئة معيّنة من الناس؛ القراءةُ الباطنيّة. فإذا قرأت «سورة النساء» وعيناك الداخليّتان مفتوحتان، فسوف ترين أنّها ليست سورة النساء والرجال بل عن الأنوثة والرجولة. إنّ كلّ واحد منّا، ومن ضمنهم أنا وأنت، يشتمل على خاصّتَيِ الأنوثة والرجولة بدرجات وظلال متباينة. ولا يمكننا الوصول إلى مرحلة التوحّد المتناغمة إلّا بعد
...more
«الكون كينونة واحدة، كلّ شيء وكل شخص فيه مترابطان ترابطًا داخليًّا بشبكة غير مرئيّة من الحكايات. وسواء أكنّا مدركين ذلك أم غير مدركين، فنحن نتحدّث حديثًا صامتًا أجمعين. لا تُلحق الضرّ بأحد، وارحمْ، وتجنّبِ «القيل والقال» من خلف ظهور الناس، حتى لو كان ذلك على سبيل الملاحظة غير المؤذية على ما يظهر! الكلمات التي تخرج من أفواهنا لا تتبخّر، بل تُخزَّن باستمرار في فضاء لانهائيّ، وستعود إلينا في الوقت المناسب. إنّ عذاب إنسان واحد يؤذينا كلّنا، وفرحة إنسان واحد تجعلنا نبتسم كلّنا».
على قدر ما أحبّ أن أنضمّ إليك، أعتقد أنّ الواجب يقتضي منك أن تفعل الأشياء وحدك.
«إنّ هذا العالم أشبه ما يكون بجبل من الثلج يردّد صدى صوتك. وكلّ ما تتفوّه به، خيرًا أو شرًّا، سيرجع إليك على نحو ما. لهذا السبب، إذا كان ثمّة من يضمر لك أفكارًا سيّئة، فإنّ التفوّه بالسوء عنه سيزيد الأمور تعقيدًا. وستجد نفسك داخل حلقة مفرغة قوتها الخبث. وبدلًا من ذلك، قل وفكّر في أشياء جميلة عنه على مدى أربعين يومًا. وسيكون كلّ شيء مختلفًا في نهاية الأيّام الأربعين، لأنّك ستكون إنسانًا مختلفًا في باطنك».
«كان ثمّة مسافران في طريقهما من بلدة إلى بلدة، فوصلا إلى جدول ماء ارتفع منسوبه بسبب هطول أمطار غزيرة. لاحظا، وهما يوشكان أن يعبرا، امرأةً شابّة على قسط من الجمال، تقف وحيدة، وفي حاجة إلى مساعدة. فما كان من أحد الرجلين إلّا أن أسرع من فوره وصار إلى جانبها، ثم رفعها عن الأرض وحملها بين ذراعيه وعبر جدول الماء. وحيّاها مودِّعًا، بعد أن أوصلها إلى الضفّة الأخرى، ومضى الرجلان في طريقهما. لبث المسافر الثاني صامتًا، على امتداد ما تبقّى من الرحلة، وواجمًا على غير عادته، لا يردّ حتى على أسئلة صديقه. وبعد مضيّ بضع ساعات على وجومه وعدمِ قدرته على البقاء صامتًا أكثر ممّا بقي، قال: لماذا لمستَ تلك المرأة؟
...more
«الماضي تفسير والمستقبل وهم، والعالم لا يسير في الزمان سيرًا مستقيمًا وينتقل من الماضي إلى المستقبل، بل يتحرّك عوضًا عن ذلك، فنِّيًّا ومن داخلنا، بحركات لولبيّة لا نهاية لها. الأبديّة لا تعني زمنًا لامتناهيًا، بل تعني خلودًا بكلّ بساطة. وإذا أردت أن تجرّبي الإشراق الذي لا نهاية له، فلا بدّ لك من وضع الماضي والمستقبل خارج ذهنك والبقاء داخل اللحظة الراهنة».
وكان شمس يكرّر عليّ دائمًا قوله: اللحظة الراهنة هي كلّ ما هنالك وكلّ ما سيكون. وعندما تدركين هذه الحقيقة، لن يعود أمامك ما تخشين منه.
إنّ الصمت الذي يعقب مصيبة كبرى هو الصوتُ الأكثر سلامًا، الذي يمكنك سماعه على سطح الكون.
ـــ المستوى الرابع لا يمكن الحديث عنه. فثمّة مرحلة تخذلنا اللغة بعدها. فعندما تتقدّمين إلى منطقة الحبّ، لن تكوني في حاجة إلى اللغة.
«القَدَر لا يعني أنّ حياتك مقدَّرة سلفًا تقديرًا تامًّا. ولهذا، فإن ترك كلّ شيء في يد القَدَر وعدمَ الإسهام إسهامًا فاعلًا في موسيقى الكون، علامةٌ من علامات الجهل المطبق. إنّ موسيقى الكون منتشرة وعامّة ومؤلَّفة من أربعين مستوًى، وهي غاية في الاختلاف. وقَدَرك هو المستوى الذي تعرفين فيه لحنك. ربّما لن تغيّري أداتك الموسيقيّة، لكن مدى الإتقان في العزف يعتمد عليك اعتمادًا كاملًا».
ـــ لا يهمّني الحلال أو الحرام، بل يهمّني أن أطفئ النار في الجحيم، وأشعل السماء كي يبدأ الناس بعشق الله لا لسبب إلّا الحبّ وحده.
«الصوفيّ الصادق هو الذي يتحمّل بصبر ولا ينبس بكلمة سيّئة واحدة ضدّ منتقديه حتى لو اتّهمه الناس جميعًا اتّهامًا ظالمًا وانتقدوه وأدانوه. إنّ الصوفيّ لا يوزّع الاتّهامات أبدًا. كيف يمكن أن يكون ثمّة معارضون أو منافسون أو حتى «آخرون»، بينما لا توجد ثمّة «نَفْس» في المقام الأوّل؟ كيف يمكن أن يكون هناك من يوجِّه إليه اللوم، في حين لا يوجد سوى الواحد الأحد؟»
فالمرء يكتشف أوّلًا، وهو في درب الصوفيّة، فنَّ الانفراد وسط الحشد، ثمّ يكتشف ثانية الحشدَ داخل عزلته؛ الأصوات في الداخل.
فإذا كنّا مرتبطين أشدَّ الارتباط بأُسرنا وبمراكزنا الاجتماعيّة، وحتى بمدرستنا ومسجدنا في الحيّ الذي نسكنه، إلى الحدّ الذي تقف فيه هذه الأشياء في طريق الاتّحاد بالله، فإنّنا نضطر عندئذ إلى إزالة هذه الروابط.
«إذا كان شارب الخمرة رقيقًا في باطنه، فسوف تظهر رقّته عندما يشرب. ولكن، إذا كان يخفي غضبًا وغطرسة، فسوف يظهران أيضًا. ولَمّا كانت تظهر عند معظم الناس، فقد حُرِّمت الخمرة على الناس أجمعين».
أيّها الأصدقاء، الخمرة ليست مشروبًا بريئًا لأنّها تُخرج كلّ السيّئات من باطننا. أعتقد أنّه يُستحسن بنا أن نمتنع من الشراب. فلا يمكننا، بعد أن قلت هذا الكلام، أن نوجّه اللوم إلى المشروبات الكحوليّة بسبب ما نحن مسؤولون عنه. إنّ غطرستنا وغضبنا هما اللذان ينبغي لنا معالجتهما. وهذا أمر عاجل جدًّا.
«إذا أردت أن تقوّي إيمانك، فإنّ عليك أن تكون رقيقًا في باطنك. فإذا أردت أن يكون إيمانك قويًّا كالصخر، تعيّن على قلبك أن يكون رقيقًا مثل ريشة. ففي المرض والحوادث المؤسفة والخسارة والخوف، تُرانا نواجه كلّنا، على نحو ما، أحداثًا تعلّمنا كيف نكون أقلّ أنانيّة وتعصّبًا في أحكامنا، وأن نكون أكثر رحمة وكرمًا. بعضنا يتلقّى الدرس ويصبح أشدّ قسوة عن ذي قبل. إنّ الأسلوب الوحيد الذي يساعد على الاقتراب من الحقيقة، هو أن توسّع مدى قلبك كي يضمّ البشريّة جمعاء، وتظلَّ فيه على الرّغم من ذلك فسحةُ الحبّ أكبرَ».
ـــ التعاليم الدينيّة والمحرَّمات مهمّة، ولكن لا ينبغي لها أن تتحوّل إلى قضايا لا تجوز المناقشة فيها. إنّني أحتسي، بمثل هذا الوعي، الخمرةَ التي تقدّمها إليّ في هذا اليوم، مؤمنًا، من صميم فؤادي، بأنّ ثمّة صحوًا وراء الثمالة في العشق.
«لا شيء ينبغي له أن يقف بينك وبين الله، لا أئمّة ولا كهنة ولا حاخامات ولا أيّ وصيّ آخر يتمتّع بسلطة أخلاقيّة أو دينيّة، ولا أيّ زعيم روحيّ، ولا حتى مذهبك. عليك أن تؤمن بقيمك وتعالميك، ولكن إيّاك أن تفرضها على الآخرين. وإذا واصلت كسر قلوب الآخرين، فلا فائدة من الفروض الدينيّة التي تؤدّيها. ابقَ بعيدًا عن كلّ شكل من أشكال الوثنيّة وعبادة الأصنام، لأنّها ستُضفي غشاوة على بصرك. اجعلِ الله، الله وحده، مرشدَك ودليلك. اعرف الحقيقة، يا صديقي، ولكن حذارِ أن تبالغ في تقديرك لحقائقك».
ـــ ويريد الله أن يكون معلومًا. يريد منّا أن نعرفه بكلّ نسيج من أنسجة كينونتنا. هذا هو السبب الذي يُستحسن به أن نكون، لأجله، حذرين وصاحين، لا سكارى دائخين.
أنا لم أخرج للبحث عن الحبّ. فالروميّ يقول إنّنا غير مضطرّين إلى مطاردة الحبّ خارج نفوسنا. كلّ ما ينبغي لنا عمله هو إزالة الحواجز الداخليّة التي تُبعدنا عن الحبّ.
المواجهات التي لا تُحمَد عقباها ليست حتميّة فحسب، بل مطلوبة وضروريّة.
لا بدّ من أنّ الاعتقاد بوجود الشيطان خارجًا عنّا مدعاةٌ إلى ارتياح كبير، وهو مخرج سهل.
حسنًا. لو كان الشيطان شرّيرًا، لا يعرف معنى الخضوع أو الاستسلام كما تقول، فعندئذ لا ينبغي لنا نحن أبناء الجنس البشريّ أن نوجّه اللوم إلى أنفسنا بسبب أفعالنا السيّئة. إنّنا نعزو كلّ خير إلى الله، ونعزو كلّ الأشياء السيّئة في الحياة إلى الشيطان. وفي كلتا الحالتين سنكون خارج نطاق النقد والتمحّص الذاتيّين. ما أسهل ذلك!
ـــ آه، إذًا، لديك أسئلة أخيرًا. الرسالة هي أنّ العذاب الذي يمكن للفرد أن يُلحقه بنفسه لا نهاية له. فالجحيمُ في باطننا وكذلك السماءُ. يقول القرآن إنّ البشر أكرم الخلق، ونحن أعلى من الأعلى، ولكنّنا أيضًا أدنى من الأدنى. ولو استطعنا أن نفهم مغزى هذا كلِّه، فسوف نتوقّف عن البحث عن الشيطان خارجنا، ونركّز بدلًا من ذلك في نفوسنا. إنّنا في حاجة إلى الاستبطان؛ إلى فحص أفكارنا ودواخلنا، وليس إلى مراقبة أخطاء الآخرين.
«كان ثمّة أربعة تجّار يصلّون في أحد المساجد عندما شاهدوا المؤذّن يدخل. فتوقّف التاجر الأوّل عن صلاته، وسأل: ـــ أيّها المؤذّن! هل نودي على الصلاة، أم لا يزال لدينا متّسع من الوقت؟ توقّف التاجر الثاني عن الصلاة، وهتف لصاحبه: ـــ أنت تتكلّم وأنت في الصلاة، صلاتك باطلة، وعليك أن تبدأها من جديد! عندما سمع التاجر الثالث ذلك، تدخّل قائلًا: لماذا توجّه إليه اللوم أيّها الأحمق؟ كان عليك أن تهتمّ بصلاتك. والآن، صلاتك أيضًا باطلة. وتدخّل هنا التاجر الرابع، وقال بصوت عالٍ وهو يبتسم: ـــ انظروا إلى هؤلاء! لقد أفسدوا كلّ شيء. الحمد لله أنّني لست واحدًا من الضالّين».
ـــ إن كان هؤلاء التجّار قد ارتكبوا غلطة، فإنّ السبب لا يرجع إلى أنّهم تكلّموا في أثناء الصلاة، بل لأنّهم بدلًا من أن يهتمّوا بشؤونهم وبصلتهم بالله. فإنّهم كانوا أكثر اهتمامًا بما كان يدور من حولهم. في أيّ حال، إذا أردنا أن نصدر حكمًا عليهم، فإنّني أعتقد أننا سنقع في الخطأ الفادح نفسه.
ـــ جوابي هو أنّ التجّار الأربعة أخطأوا جميعًا للسبب نفسه. ومع هذا، لا يمكن القول إنّ أيًّا منهم كان مخطئًا، لأنّنا لسنا نحن الذين نحكم عليهم في نهاية المطاف.
ـــ يقول الصوفيّ: «ينبغي لي أن أهتمّ بمواجهتي الداخليّة مع الله بدلًا من الحكم على الآخرين».
لا تتمسّكوا تمسّكًا شديدًا بالفروق الاسميّة. فالعقل الإلهيّ كامل، فلا تبحثوا عن التفاصيل على حساب الكلّ.
حاولْ ألّا تلقي الخُطَب على أولئك الذين حصلوا على الاستنارة لأنّهم يستمدّون متعة مغايرة في آيات القرآن. ولهذا ليسوا في حاجة إلى إرشاد شيخ من الشيوخ.
ـــ ليست الشريعة إلّا قاربًا يُبحر في محيط الحقيقة. إنّ الباحث الحقيقي عن الله سيتخلّى عاجلًا أم آجلًا عن المركب ويغوص في البحر.
ـــ إنّ ما شهدتموه اليوم في هذا المكان إنّما هو جدال قديم يمتدّ إلى زمن النبيّ (ص). بيد أنّ هذا الجدال ليس له صلة وثيقة بتاريخ الإسلام فحسب، بل هو يكمن في قلب كلّ ديانة تفرّعت عن إبراهيم. إنّه صراع بين العالِم والصوفيّ، بين العقل والقلب. وعليكم الاختيار!
أنّ نور الشمس لا يمكن أن يتجاوزه عمى العين التي تنكره؛ عين الفرد الذي يرفض أن يرى.
«إنَّك تتَّجهين نحو مرحلة سامية من الهدم، في الوقت الذي يحاول فيه كلّ فرد في هذا العالم الوصول إلى مكان ما، وأن يصبح ذا شأن ليترك كلّ شيء وراءه بعد مماته. عيشي هذه الحياة عيشة خفيفة وخالية مثل الصفر. إنّنا لا نختلف عن القَدَر. وما يعمل على ثبات اعتدالنا ليس المظهر الخارجيّ الجميل، بل الفراغ الموجود في باطننا. كذلك، فإنّ ما يدفعنا إلى المضيِّ قُدُمًا هو الوعي بالعدم، لا أمنياتنا في تحقيق شيء ما».
ـــ الناي كما يقولون، وصوته ليس سوى تنهيدة عاشق يتحسّر على محبوبه.
هذه الرقصة يا أصدقائي هي السمة، وهي رقصة الدراويش الدائريّة. من اليوم فصاعدًا، سوف يرقص الدراويش، من كلّ الأعمار، هذه الرقصةَ. يد واحدة مرفوعة إلى السماء واليد الأخرى مشيرة إلى الأرض، وكلّ ذرّة حُبّ نحصل عليها من الله، نتعهّد توزيعها على الناس.
ـــ نحن لا نرقص طمعًا بالنقود. رقصتنا رقصة روحيّة نؤدّيها من أجل الحبّ، والحبّ وحده. فخذ نقودك الذهبيّة أيّها الحاكم! نقودك لا نفع لها في هذا المكان!
ـــ مَن ليس له وقت لسماع الحكايات، فلا وقت له يكرّسه لله. ألا تعلم بأنّ الله أعظم القصَّاصين؟
على العموم، يقول أصحاب العقول الضيِّقة، إنّ الرقص انتهاك للحُرُمات، ويعتقدون أنّ الله أعطانا الموسيقى؛ ليست الموسيقى التي نصنعها بأصواتنا وأدواتنا الموسيقيّة فحسب، بل الموسيقى التي تنطوي عليها أشكال الحياة، وهكذا منعنا من الاستماع إليها.
ألا يرون أنّ الطبيعة كلّها تنشد بالغناء؟ كلّ شيء في هذا الكون يتحرّك وفق إيقاع معيّن: نبضُ القلب، وخفقانُ جناحي الطائر، والريحُ في ليل عاصف، والحدّادُ الذي يشتغل بالحديد، أو الأصواتُ التي تحيط بالطفل داخل الرحم من قبل أن يولد... إنّ كلّ شيء يشترك اشتراكًا عفويًّا ووجدانيًّا في لحن واحد غاية في الروعة. وما رقصة الدراويش إلّا حلقة في تلك السلسلة الدائمة. إنّ رقصنا، شأنُه شأنُ قطرة من ماء البحر تحمل في داخلها المحيط برمّته، وتعكس أسرار الكون وتغطّيها.
«يهرب الغنوسطيّ من الحواسّ الخمس والاتّجاهات الستّة ويجعلك واعيًا بما وراءها».
ورتّل الحافظ آيتين من القرآن: {وفي الأرض آيات للموقنين. وفي أنفسكم أفلا تبصرون}(*).
«اِصغِ إلى القصب والحكاية التي يرويها وكيف يغنّي للفراق منذ أن قطعوني عن منبت القصب ونُواحي يدفع الرجال والنساء إلى البكاء».
بدأ الدرويش الأوّل يدور ويدور بعد أن سلّم أمره بين يدي الله، وكانت حافّات تنّورته تهسهس بحياة خاصّة بها. وشاركنا كلّنا، وبدأنا ندور وندور ونرقص حتى لم يعد ثمّة شيء من حولنا سوى الواحد. نتلقّى ما في السماء لنوزّعه على الأرض: من الله إلى البشر. وأصبح كلّ واحد منّا حلقة وصل تربط العاشق بالمعشوق. ولمّا توقّفت الموسيقى، انحنينا أمام قوى الكون الأساسيّة: النار والريح والأرض والماء، فضلًا عن العنصر الخامس وهو الفراغ.
إنّ كلّ صداقة حقيقيّة وكلّ حبّ حقيقي قصَّةُ تحوّل لا يمكن توقّعها. ولو كنّا أنفسنا لا نتغيّر قبل الحبّ وبعده، لَعنى ذلك أنّنا لم نحبّ بما يكفي.
بالشعر والموسيقى والرقص، يكون جزء كبير من تحوّل الروميّ قد اكتمل. فبعد أن كان الروميّ عالِمًا متزمّتًا يكره الشعر، وخطيبًا يستمتع بصوته شخصيًّا عندما يُلقي خطبه أمام الآخرين ويعظهم، فقد تحوّل الآن إلى شاعر بذاته، وأضحى صوت الفراغ الخالص على الرّغم من أنّه قد لا يكون مدركًا هذا الأمر إدراكًا شاملًا. أمّا أنا، فقد تغيّرت وما زلت أتغيّر. إنّني أتحرّك من الوجود والكينونة إلى العدم؛ من فصل إلى آخر؛ من مرحلة إلى أخرى؛ من الحياة إلى الموت.
كانت صداقتنا بركة؛ هبةً من الله. فقد انتعشنا وابتهجنا وتفتّحنا في صداقة أحدنا الآخر، ...
This highlight has been truncated due to consecutive passage length restrictions.