كل رجال الباشا: محمد علي وجيشه وبناء مصر الحديثة
Rate it:
Kindle Notes & Highlights
77%
Flag icon
فأيا كانت عواطف محمد علي الحقيقية بشأن الطبائع الشخصية للـ «عرب» بالمقارنة بـ «الأتراك» تحت حكمه، فإنه كان يعرف أن تعيين ضباط متحدثين بالتركية يمثل الطريقة الوحيدة التي يستطيع بها أن يمنع المجندين الفلاحين من الانقلاب عليه وعلى أسرته الحاكمة. كان الباشا يعرف تماما أنه إذا سمح للـ «عرب» بأن يتولوا المناصب القيادية، سواء في الجيش أو في الإدارة المدنية، فسوف يتحدُّون أساس سلطته ذاتها، أي التحالف التركي - المملوكي الذي كوَّنه بجهد عظيم(912).
77%
Flag icon
ولا يقل عن ذلك أهمية حقيقة أن كلا من الأب والابن كانا يعتبران المناصب العليا في الجيش مكافآت تُمنح بصفة شخصية لأفراد بعينهم ممن يأتون أفواجا للالتحاق بخدمتهما من مختلف أركان الدولة العثمانية. فإلى جانب أسرى الحرب اتصل عدد من كبار الضباط في الجيش العثماني بمحمد علي طالبين العمل في جيشه(913). كان هؤلاء يُستقبلون باحترام فائق ويُمنحون الميداليات وكساوى التشريفة(914). ولكن بقدر ما كان محمد علي وابنه يمنحون فرص عمل سخية للهاربين من الجيش العثماني، كانا يواجهان خطر فقدهم مرة ثانية وعودتهم لخدمة السلطان إذا لم يعتنيا بطريقة معاملتهم. ويتضح لنا ذلك من خطاب أرسله إبراهيم إلى أبيه يجيب فيه على خطاب سابق ...more
77%
Flag icon
وباختصار، كان تركيب هيئة الضباط في جيش الباشا، إشكاليا، على أقل تقدير، وكان كل من الأب والابن منتبهين تماما لطبيعته القلقة. فالضباط بدلا من أن يعتبروا أنفسهم يخدمون في جيش قومي، كانوا يتصرفون كضباط مرتزقة، يتنقلون من رب عمل إلى آخر وفقا لمن يدفع أكثر. لقد كان الالتحاق بالجيش «المصري» يعني بالنسبة لهم الالتحاق بقوات باشا عثماني يمتلك جيشا أكثر تنظيما وأعلى في العطايا من جيش السلطان. صحيح أن هذا الجيش كان يحارب السلطان العثماني، ولكن هذا القتال لم يكن نموذجا لنضال قومي لشعب ضد قاهر أجنبي، بل ويمكن القول بأن «الآخر»، في حدود رؤية هؤلاء الضباط، كان يتمثل في الجنود الفلاحين الذين يتولون قيادتهم، ...more
This highlight has been truncated due to consecutive passage length restrictions.
77%
Flag icon
رؤية الجنود للجيش عموما ولدورهم فيه خصوصا؟ إن أية معركة من المعارك التي خاضها هؤلاء الرجال لم تصوَّر لهم قبل خوضها كمعركة قومية، أي معركة يشار فيها لكلمة «مصر» بمعنى الدولة ـ القومية. بالعكس، كان حثهم على القتال أو تشجيعهم على التفوق في التدريبات يجري بالرجوع إما إلى الدين أو إلى تدريبهم الأرقى وتنظيمهم الأفضل.
77%
Flag icon
والأكثر من ذلك أن الاسم الرسمي الذي كان يُعرف به الجيش الجديد في مصر كان «جهادية مصرية»، وهو اسم له إيحاءات دينية أكثر منها وطنية(919).
77%
Flag icon
ففي خلال الحملة السورية لم يكن العدو سوى سلطان المسلمين، حامي الحرمين الشريفين ذاته.
77%
Flag icon
فالنسبة بين أجر الجندي إلى أجر الميرالاي في جيش السلطان كان ١: ٦٠، أما في الجيش المصري فكان أكثر من ١:٥٠٠ (923). وقد رأينا أيضا في الفصل الرابع مدى سوء تجهيز الجنود من حيث الكساوى.
78%
Flag icon
لقد شعر بعض مقدمي الالتماسات بأن الجيش قد خانهم بعد أن قضــوا حياتهم بأكملها يخدمون فيه، كما تبين حالة جندي يسمى عبد الله.. فقد قال في التماسه أنه قد حارب الوهابيين في شبه الجزيرة العربية، وحارب مع إسماعيل باشا في السودان، وبعد ذلك حارب في كل من كريت والمورة، وحينئذ أصيــب بجـراح وسُرِّح مـن الخــدمة. غيـر أنه قـال إنه لم يعد قادرا على العمل ولديه أطفــال كثيــرون، ولـذا يطلـب من الـباشا أن يمنحه معاشا منتظما(935). وهنــاك جنــدي آخـر اعتُبـر سقطـا ومُنح تصــريحا بالتســريح مــن الخــدمة بعـــد أن فقد إحدى عينيه. غير أنه برغم حصوله على شهادة بتسريحه طُلب منه أن يلتحق بالجيش مرة أخرى، فقدم ...more
79%
Flag icon
أحدها وشم أذرعهم بالصلبان كمحاولة لإقناع ضباط التجنيد بأنهم من الأقباط ويجب بالتالي أن يُعفوا من «الترتيب»(969).
79%
Flag icon
في البداية كانت طريقة التشويه الذاتي الأكثر شيوعا هي إزالة الأسنان الأمامية بهدف اعتبارهم غير قادرين على تعمير البنادق. ولكن حين علم محمد علي أن عددا كبيرا من الرجال في الصعيد قد لجئوا إلى هذه الحيلة قال إنه نظرا لأن كتيبات التدريب لم تحدد الأسنان التي يجب أن تُستخدم في تعمير خراطيش البنادق فإن هؤلاء الرجال يمكن أن يستخدموا أسنانا أخرى وبالتالي يجب أن يجنَّدوا(971).
79%
Flag icon
أما وسائل التشويه الذاتي الأخرى فكانت أكثر خطورة، وكانت تسفر أحيانا عن أذى بدني خطير. وأحد هذه الوسائل التي لجأ إليها الفلاحون هو إصابة أنفسهم بالعمى بوضع سم الفئران في أعينهم.
79%
Flag icon
ينطوي هذا التشويه على رسالة واضحة أرسلت للباشا وأجهزته العسكرية: أن الفلاحين يكرهون جيشه وسيذهبون إلى أبعد الحدود في مقاومة الخدمة فيه. ورد الباشا بإرسال رسالة لا تقل وضوحا لكل من يفكر في تشويه نفسه لتجنب التجنيد: أنه سيؤخذ مع ذلك للخدمة ـ إن لم يكن في الجيش ففي أي مشروع آخر من مشروعات الباشا. وباختصار تبين أن تجنب الجيش في غاية الصعوبة لأنه تبين أن الباشا مصمم بعناد على ألا يفلت المشوهون من التجنيد.
79%
Flag icon
وصف سان جون مشهدا رآه حين كان يزور أسيوط عام ١٨٣٤: «كان يوجد آلاي بأكمله يتكون من مجندين مشوهين، كل منهم فقد عينا أو إصبعا أو الأسنان الأمامية»(977).
79%
Flag icon
وفي نهاية المطاف قرر المصريون، وقد وجدوا أن الحياة أصبحت لا تحتمل تحت حكم نظام محمد علي «المستنير»، بسبب السخرة والضرائب والاحتكارات والسجن، وبسبب التجنيد قبل ذلك كله، قرروا أنهم حتى إذا استطاعوا هم أن يتحملوا هذه السياسات الوحشية فما من سبب يجعلهم يسعون لرؤية أطفالهم وقد استعبدهم نفس المصير. وبناء على ذلك تشكلت طريقة جديدة للمقاومة تعكس اليأس المطلق الذي بلغه المصريون: لقد رفضوا ببساطة أن يتزوجوا وينجبوا. ففي ١٨٢٨ كتب محمد علي إلى محمد بك ناظر جهاديته بأن الكثير من الفلاحين يمتنعون عن الزواج لكي يتجنبوا رؤية أبنائهم يخضعون لهذه المطالب الحكومية المتنوعة، مثل الضرائب والسجن. وأمره بالتالي بأن ...more
79%
Flag icon
كان أحد الأسباب الأساسية لكراهية الفلاحين للتجنيد هو عدم تحديده بأية مدة ثابتة، برغم أن أول أمر تجنيد أصدره الباشا حددها بثلاث سنوات(979). وحين أدرك إبراهيم باشا ذلك ـ بعد أكثر من ست سنوات من التجنيد النشط تم خلالها تجريد الريف من سكانه الذكور تقريبا ـ كتب إلى أبيه مقترحا أن تحدَّد الخدمة بمدة معينة. وفسر ذلك قائلا: من الطبيعي أن يقاوم أي رجل عاقل التجنيد، لأن التجنيد والعبودية [من الناحية العملية] متساويان. فما من مجند عنده أي أمل في أن يقول [لنفسه] «سوف أجند لمدة محددة ثم يتم تسريحي وأعيش ما بقي لي من حياة [خارج الجيش]». إن من حق الرجال أن يفكروا بهذه الطريقة لأننا لا نسرح الرجال إلا إذا ...more
This highlight has been truncated due to consecutive passage length restrictions.
79%
Flag icon
في ظل هذه العقلية كان من الطبيعي أن يكره سكان مصر الذكور الجيش الذي جرتهم إليه آلة محمد علي العسكرية، وأن ينتهزوا كل فرصة وقتما وأينما أتيحت لهم ليتجنبوه. ليس ثمة ما هو أبعد عن الحقيقة من ادعاء الرافعي أن الفلاحين في نهاية المطاف «رأوا الحياة العسكرية أرفه حالا وأحسن من معيشتهم في ا...
This highlight has been truncated due to consecutive passage length restrictions.
79%
Flag icon
ومع ذلك، هل يعقل أن نقول إن الانتصارات المشهودة التي حققها الجيش قد حققها فلاحون تم جرهم إليه ضد رغباتهم تماما؟ كيف يستطيع المرء أن يفسر الانتصارات المتتالية التي استطاع هؤلاء الجنود تحقيقها، إذا كانوا يفتقرون إلى الحافز الإيجابي للدفاع عن أرض الوطن، ومُنعوا في ذات الوقت من نهب وسلب الأراضي التي فتحوها؟ سيقوم القسم التالي، محاولا الإجابة على هذا السؤال المهم، بمقارنة جيش الباشا بجيش نابليون، ذلك الجيش الذي بُني جيش الباشا جزئيا على غراره، والذي يبين إمكانية أن يحقق فلاحون ناقمون دُفعوا إلى الخدمة العسكرية دفعا انتصارات متتالية لحساب قادتهم. ويلي ذلك إجراء مقارنة مع جيش السلطان ـ أخطر أعداء ...more
79%
Flag icon
جهادية الباشا وجيش الإمبراطور العظيم
80%
Flag icon
في عشية الثورة الفرنسية كان الشعور بالمواطنة المشتركة القائم بالفعل يكسب المزيد من الأرض، وكانت السيكولوجيا المشتركة تتغلغل بين كل الفرنسيين. «كانت فرنسا تصير إلى أمة nation أو وطن patrie ولم تعد مجرد مملكة royaume»(986). أما بالنسبة للجيش فقد أصبح عدد متزايد من الناس يسمحون لأنفسهم تدريجيا «بالاعتماد على شيء...
This highlight has been truncated due to consecutive passage length restrictions.
80%
Flag icon
يحارب بشكل أفضل من أجل لوائه أو ملكه أو بلده غير رجل وطني قادر على أن يشعر بالولاء والتعلق [بالوطن] وقادر على أن يحارب بدافع من الحب والإيمان لا بدافع الروتين والفظاظة والخوف؟»(987). إن هذه الرواية الرومانتيكية عن الجيش الفرنسي في زمن الثورة تتجاهل الواقعة المهمة القائلة بأن الهرب ووسائل مقاومة التجنيد الأخرى كانت من خصائص هذا الجيش ولا تقل أهميتها المركزية فيه عما كانت عليه في جيش محمد علي. فإذا استبعدنا الاستجابة المشهودة الوحيدة لنداء الجمعية التشريعية لحمل السلاح دفاعا عن ال...
This highlight has been truncated due to consecutive passage length restrictions.
80%
Flag icon
أيضا أثناء حملة نابليون المشئومة على روسيا «سرعان ما أصبح النهب وعدم الانضباط والهرب متفشين على نطاق غير مسبوق»(990). وبعد عامين، أي في عام ١٨١٤، أصبحت مقاومة التجنيد بالغة الشدة بحيث لم يلتحق بالخدمة العسكرية فعليا سوى...
This highlight has been truncated due to consecutive passage length restrictions.
80%
Flag icon
ربما صح الادعاء بأن الثورة الفرنسية «قد غيرت روح الجيش الفرنسي وحجمه، ووضعته روحيا وماديا في قلب الأمة».وربما صح أيضا القول بأن الجيش، مع اندلاع الحروب الثورية، «اضطلع في ذات الوقت بالدفاع عن كل من فرنسا والنظام الجديد، وأنه ترتب على ذلك اتحاد الثلاثة ـ الجيش والأمة والثورة ـ معا»(996). غير أن هذا لا يعني أن الفلاحين قد قبلوا الخدمة في الجيش بغير تردد. فلا شك أن «الخدمة [العسكرية] التي طلبتها الحكومة كانت في نظر العديد من الفرنسيين شكلا جديدا مكروها من السخرة، وضريبة دم تؤدي لعاهلٍ متعالٍ، مفروضة باسم قضية وطنية لا يكادون يفهمونها سوى بأكثر المصطلحات غموضا»(997). «إن القومية، حلم «الأمة ...more
80%
Flag icon
كلاهما كان يتعامل مع مستبد له مشاعر مزدوجة تجاه الرجال الذين يقودهم. لقد كان نابليون يدرك تماما، مثل محمد علي، أن مجده لم يُبن إلا على تضحيات رجاله، ولذلك كان ممتنا لهم. ولكنه أيضا، مثل محمد علي، كان يشعر بأهميته الذاتية واحتقار الحياة الإنسانية (أي حياة الفلاح الفقير).. ذلك الشعور المميز «للرجال العظماء» في ميدان المعركة، والذي سمح له أن يقول في خطاب لمترنيخ عام ١٨١٣ (999): «إن رجلا مثلي لا يعنيه مطلقا مليونا من القتلى» [بالفرنسية] (1000). أما الرجال من جانبهم، فلم تكن مشاعرهم مزدوجة نحو قائديهم المستبدين، ولم يعتبروا الخدمة في جيش أيهما واجبا مشرفا يدينون به لجماعة أكبر، وإنما إتاوة ثقيلة ...more
80%
Flag icon
لقد نجح نابليون في الجمع بين أعضاء من النبالة القديمة والبرجوازية الصاعدة الجديدة وتكوين هيئة متجانسة إلى حد ما من الضباط الذين يدينون له شخصيا بالولاء. «كان على هيئة الضباط أن تكون بوتقة انصهار توفق بين أناس ينتمون [كلُّ لأحد] «الفرنستين»، بمعنى ما. فبالجلوس معا في المدرسة العسكرية، بل والقتال معا على الجبهة ضد العدو، سوف يتعلمون أن يحترموا بعضهم بعضا»(1001). والأهم من ذلك أنهم سيحاولون أن يبيعوا فكرة الوطنية، بدرجة ما، لجنودهم، وإقناعهم بأنهم بالتضحية بحياتهم دفاعا عن الإمبراطور إنما يدافعون في الواقع عن الأمة الممثَّلة فيه. وسوف يتعلمون في هذه المدارس أن «الجندي الشجاع هو ذاك الذي يقدس ...more
80%
Flag icon
كان جيش محمد علي مختلفا في هذه النقطة. فهناك سمتان حاسمتان وسمتا ضباطه. لقد كانوا مثل ضباط نابليون موالين لسيدهم، يمحضونه الإخلاص والتفاني ويجتهدون في إرضائه وإرضاء أسرته. غير أنهم على خلاف ضباط الإمبراطور لم يكونوا من أبناء البلد الذي يدافعون عنه، ولم تكن لهم جذور في البلاد التي يُفترض أنهم كانوا يحاربون من أجلها لأنهم كانوا قد وفدوا حديثًا عليها. كذلك فإن الاختلافات الإثنية واللغوية التي كانت تفصلهم عن جنودهم جعلت من المستحيل تقريبا القيام بأية محاولة لإقناع الجنود بأية حجة قوموية. لم يكن هؤلاء الضباط ليحاولوا «بيع فكرة القومية» لجنودهم، ليس فقط لأنهم يتحدثون بلغتين مختلفتين، الأمر الذي جعل ...more
80%
Flag icon
في زمن مبكر يرجع إلى منتصف الثلاثينيات، حين كان جون باورنج يزور مصر، كان سخط المصريين، بالمعنى الكامل للكلمة، على حكامهم المتحدثين بالتركية قد بدأ في الظهور بشكل واضح، في الجيش أساسا. «كان أي جندي عربي من الجيل السابق واقعا بالكامل تحت رحمة ضابطه التركي؛ الآن لم يعد الأمر كذلك... فشخصية السكان بمجملها تمر بتحول صامت ولكنه واضح. فالعنصر المصري يحل تدريجيا محل التركي...» (1004). وبحلول أواخر سبعينيات القرن التاسع عشر كان ذلك «العنصر المصري» قد اكتسب قدرا كافيا من الوعي الذاتي لكي «يجرؤ على الاعتراف بوجوده الخاص» (1005)، والتعبير عن نفسه بتمرد علني. فالثورة العرابية في عامي ١٨٨١ و١٨٨٢ كانت، ...more
80%
Flag icon
من هذه الناحية يكمن الفارق الأساسي بين جيش الباشا وجيش نابليون في أن الأول قد نشأ قبل الثورة البرجوازية، بينما تشكل الآخر بعدها. إن هذا الفارق هو الذي يفسر واقع أن الجنود حين كانوا يحاربون من أجل «مصر» في جيش محمد علي كانوا يسيرون تحت رايات نُقش عليها اسم الباشا، بينما كان الجنود الفرنسيون حين كانوا يحاربون ما كان أساسا حروب نابليون، لا حروب الثورة، كانوا يقاتلون تحت رايات الثورة المثلثة الألوان. «ربما سعى الآلاف من الشباب الفرنسيين لتجنب الخدمة تحت أعلام [الجيش]. ولكن طالما كانت الرايات مثلثة الألوان، وطالما ظلت تعلن الحرية والمساواة والإخاء، كان أولئك الذين ظلوا مهتمين يستطيعون أن يلتمسوا ...more
This highlight has been truncated due to consecutive passage length restrictions.
81%
Flag icon
ومع ذلك، ربما يقال إن جيش محمد علي كان وسيلة للترويج لفكرة الوطنية المصرية، ولو عن غير قصد. وقد حدث ذلك بالفعل، ولكن ليس لأن الباشا أو ابنه أو أيا من كبار قادته العسكريين اعتبروا الحروب المختلفة التي شنوها «وطنية»؛ فكما بينا من قبل، كان الجانب الأسري لهذه المواجهات العسكرية المتتابعة واضحا لكل ذي عينين، ولم يكن إبراهيم، برغم كثرة الاستشهاد بعواطفه «المصرية»، يشك في ذلك بأي درجة. وفي ذات الوقت كان الجنود ـ الفلاحون يعلمون تماما أنهم إنما يقاتلون من أجل الباشا وأسرته. فإذا احتكمنا إلى الدفاتر لم تجر أية محاولات لـ «بيع» المعارك مع السلطان إلى الرجال باعتبارها ضرورية للدفاع عن «الوطن»، أو مهمة ...more
This highlight has been truncated due to consecutive passage length restrictions.
81%
Flag icon
للوهلة الأولى تبدو الإصلاحات العسكرية التي قام بها كل من محمد علي والسلطان محمود الثاني متشابهة بشكل ملفت للنظر. فكلاهما وقع تحت تأثير «النظام الجديد» الذي أقامه السلطان سليم الثالث قبل خلعه عام ١٨٠٧. وكلاهما أدرك أيضا أن البدء بإدخال التكتيكات والتدريبات الجديدة، كل في مجال سلطته، يتطلب التخلص من الطائفة العسكرية التقليدية التي رأت في إدخال مثل هذه التقنيات الجديدة تهديدا مباشرا لمواقعها الممتازة. وعلى ذلك تخلص محمد علي من المماليك في مذبحة القلعة سيئة السمعة عام ١٨١١، بينما تخلص محمود الثاني من الإنكشارية عام ١٨٢٦، ليعبِّد الطريق لإدخال التدريبات الجديدة. وفوق ذلك يبدو أنهما أدركا أن الدول ...more
81%
Flag icon
وقبل كل شيء كان الجيش الذي أقامه الباشا في مصر محظوظا للغاية بتولي إبراهيم قيادته. فلا شك أن إبراهيم كان واحدا من أفضل القادة العسكريين في تاريخ الدولة العثمانية وأن معظم الانتصارات التي حققها جيشه كانت نتيجة مباشرة لقيادته الحساسة البصيرة. لقد تبدت مهارته في العديد من الأعمال، ليس فقط في براعة نشره لقواته قبل المعركة(1010)، ولكن أيضا في مهارته في اختيار ميدان المعركة، وقدرته على الاشتباك مع العدو في اللحظة المناسبة(1011)، والتمسك بنقاط تفوقه على عدوه وإجباره على خوض المعركة في اللحظة التي تناسبه هو وفي الموقع الذي يختاره (1012). وقد ذكر مراقب عسكري فرنسي معاصر، تعليقا على معارك ١٨٣٢ التي شنها ...more
81%
Flag icon
لذلك لم يكن التخلص منهم عملية «نظيفة» على غرار ذبح المماليك. وفوق ذلك كانت الإنكشارية تتولى مهاما أخرى بخلاف المهام العسكرية الصرفة، أهمها الحفاظ على السلام والأمن في العاصمة إسطنبول. لذلك أدى إلغاء هذه الطائفة العسكرية الأعلى مقاما في الدولة العثمانية إلى ترك العاصمة بلا دفاع في مواجهة أية أعمال شغب محتملة. فعلى خلاف وضع محمد علي الذي ساعدته مذبحة المماليك على استعادة الأمن والنظام في القاهرة وفي مصر بمجملها، تقلص شعور السلطان بالأمان في قلب عاصمته بعدما تخلص من الإنكشارية. وأدى شعوره بعدم الأمان إلى الحد من قدرته على الحركة في محاولة نشر إصلاحاته في أقسام أوسع من جيشه(1016).
81%
Flag icon
وفوق ذلك فإنه حين قرر أن يستعين بالأوربيين في إقامة جيشه المنصور عينهم كمجرد مستشارين ومدربين ولم يسمح لأي منهم بتولي مناصب تصل ولو إلى نصف أهمية منصب سليمان باشا في مصر. فسواء كان ذلك يرجع إلى أسباب دينية أو لشعور العثمانيين بالفخر بماضيهم العسكري وغيرتهم عليه، فإنهم حين عينوا الأوربيين في جيش السلطان محمود الجديد لم يدخروا وسعا ـ على نحو ما جاء في توجيهات رسمية ـ لضمان أن «الضباط الأجانب لن يكون لهم نفوذ أو وضع مستقل. وعلى ذلك ستكون سلطتهم محصورة في شئون التدريب. أما في كل ما يتعلق بالقيادة والانضباط وما أشبه فسوف يعملون فقط من خلال... الضباط العثمانيين»(1017).
82%
Flag icon
وتكشف معركة نصيبين (٢٤ يونيه ١٨٣٩) بوضوح عن قدرة هذه الاختلافات بين الجيشين على تفسير هزائم العثمانيين المختلفة على يد جيش محمد علي. فعلى مدى النصف الأول من عام ١٨٣٨ وبدايات عام ١٨٣٩ كان السلطان محمود أكثر تصميما من أي وقت مضى على رد الصاع لتابعه المتمرد واستعادة الأرض التي حازها ضد إرادته. ومن ثم أرسل مصطفى رشيد باشا، وزيره للشئون الخارجية، لأوربا ليضمن له مساندتها في أية مواجهة مع محمد علي. غير أن مهمته لم تنجح لأن بريطانيا، أكثر اللاعبين أهمية بين القوى الأوربية، لم توافق على مساندة السلطان في أي عمل عسكري إلا إذا أعلن محمد علي استقلاله(1023).
82%
Flag icon
وبناء على ذلك قامت سياسة السلطان على مبدأ تجنب المواجهة المباشرة مع جيش إبراهيم والسعي بدلا من ذلك إلى تهديد سوريا برا وبحرا بحيث يسفر ذلك عن تفجير انتفاضة بين سكانها ضد الحكم المصري. كانت هذه السياسة مبنية على معلومات خاطئة ومضللة أرسلها حافظ باشا، القائد العام للقوات في الأناضول، حيث أشار إلى أن ثمة انتفاضة ضد حكم محمد علي على وشك الاندلاع في سوريا (1024). فجمع السلطان قوة ضخمة مكونة من رجال القبائل التركية والكردية المحلية من جنوب الأناضول، آملا أن يؤدي مجرد وجودها إلى إطلاق شرارة هذه الانتفاضة. على أن قوات الاحتلال المصرية كانت في ذلك الوقت قد بلغت في إرهاب السوريين درجة تحول دون انتفاضهم ...more
82%
Flag icon
يبين الأداء الفعلي للجيش العثماني مدى سوء إعداده وقيادته، وكيف أن ثلاثة عشر عاما من الإصلاحات العسكرية التي دشنها محمود لم تستطع أن تواجه أول اختبار جدي يفرض عليها. فعلى عكس تجهيزات إبراهيم باشا اللوجستية الرائعة(1027)، والتقسيم الجيد للعمل بينه وبين سليمان باشا، أفضل قواده(1028)، الذي أتاح لإبراهيم باشا أن يتخذ تشكيلا قتاليا مثيرا للإعجاب عند بداية المعركة(1029)، كانت قيادة الجيش العثماني منقسمة، وفقدت زمام المبادرة الذي كان في يدها، وكان الجيش بالفعل مرهقا، حتى قبل بداية المعركة.
82%
Flag icon
فإذا كان القول، على غرار معظم المراقبين المعاصرين، بأن «هزيمة الأتراك في الصراع مع محمد علي [ترجع] بالدرجة الأولى إلى عيوب القيادة العسكرية العثمانية»(1035)، ربما كان يحمِّل هذه الفكرة أكثر مما تحتمل، يظل صحيحا أن عدم كفاءة العثمانيين وإصلاحهم العسكري الرعديد قد شاركا بشكل مهم في انتصارات إبراهيم، وأنه لو كان العثمانيون أكثر نجاحا في إدارة جيشهم الخاص لكان تاريخ إبراهيم باشا، وتاريخ أبيه بالتأكيد، سيبدوان أقل إبهارا بكثير.
83%
Flag icon
كيف نستطيع إذن أن نفهم جيش الباشا وطبيعة الحروب المختلفة التي شنها على مدى تاريخه الطويل النابض بالحياة؟ إذا لم يكن الرجال الذين حاربوا في الجيش يعتبرونه جيشـ «هم»، وإذا لم يكن الضباط الذين قادوهم إلى حتوفهم يعتقدون أنهم يقومون بذلك من أجل إنقاذ «مصر» من القهر الأجنبي، ففي أي ضوء نستطيع أن نرى هذا الجيش؟ سوف يتناول الفصل التالي هذه القضية.
84%
Flag icon
كانت هذه حالة إسماعيل بك، الصاغ في جيش «إسطنبول» وسليم بك، الميرلوا في آلايات الغارديا في الجيش «المصري». فحين تبين إسماعيل بك أن أخاه يخدم في جيش «الأعداء» غيَّر انتماءه والتحق بقوات الباشا: الشام ٩/١٨٩، في ٢٩ صفر ١٢٤٨/٢٨ يوليو ١٨٣٢. ولا يقل عن ذلك إثارة أن معظم تقارير التجسس والاستطلاع في شمالي سوريا كان يقوم بها ضباط يألفون المنطقة وسبق لهم أن كانوا في خدمة السلطان. انظر مثلا التقرير الذي كتبه كبير محاسبي آلاي الفرسان التاسع عشر المنحدر أصلا من ديار بكر. وقد ألحق التقرير بتقرير أحمد الملنكلي المرفوع إلى إبراهيم: الشام ٣٠/٥١٧، في ٢٧ ذو الحجة ١٢٥٠/٢٧ إبريل ١٨٣٥.
85%
Flag icon
مترنيخ Metternich (١٧٧٣ ـ ١٨٥٩) سياسي نمسوي، ووزير خارجية النمسا من ١٨٠٩ إلى ١٨٤٨، اشتهر بالنزعة الرجعية المحافظة، ويعتبر مهندس التسوية الأوربية التي أعقبت الحروب النابليونية، والتي جرت في مؤتمر فيينا (١٨١٤ ـ ١٨١٥)، بهدف إعادة الأوضاع الأوربية إلى ما كانت عليه قبل الثورة الفرنسية، أجبر على الاستقالة مع اندلاع ثورات ١٨٤٨ في أوربا (المترجم).
86%
Flag icon
رُوي عن محمد علي أنه في عام ١٨٣٦، وهو في قمة مجده، تلقى خطابا من أحد موظفيه يخبره بأن عددا من الفلاحين قد سُجنوا في الفاوريقة التي يعملون فيها، فأجاب الباشا على الموظف بحزم وشدة وأمره بألا يعامل الفلاحين بهذه الطريقة المتوحشة، وقال له موبخا: ألم أقل لك مرارا إن أولياء نعمتي اثنان: أحدهما السلطان محمود والآخر الفلاح، وإن قصدي من هذه الحكاية عدم النظر إلى الفلاح بعين العداوة وإزالة ذلك من الوجود؛ لأن أخذنا وعطاءنا ونيلنا هذا الشرف هو من وجوههم، أي بسببهم؛ فعليه ولكون الفلاح ولي نعمة الجميع ألم يجب النظر لما فيه أصول رفاهيته(1037) .
86%
Flag icon
يبرز أمين سامي هذا الخطاب بطباعته بحروف سوداء ثقيلة ليؤكد على التيمة التي يحاول كتابه بأكمله أن يدلل عليها، وهي أن الباشا كان بالفعل ذلك المصلح الإنساني المستنير الذي لا يفكر سوى في رفاهية شعبه. ويمكن أن نعتبر هذا الخطاب مثالا واضحًا لطريقة مألوفة في كتابة تاريخ مصر في أثناء حكم محمد علي. فأمين سامي قد انتقى من بين آلاف الخطابات التي أملاها الباشا في حياته تلك فقط التي تصوره إلى حد كبير كأحد أولياء الله الصالحين وليس كوال لولاية عثمانية مهمة في مطلع القرن التاسع عشر. وبالتالي فمن الممكن أن نشكك في أهمية هذا الخطاب وأن نقارن بينه وبين الكثير من الخطابات الأخرى المحفوظة في دار الوثائق القومية ...more
86%
Flag icon
غير أن الخطاب يجب أن يؤخذ بجدية، لأنه يبين كيف يلعب الباشا بالكلمات بطريقة تميزه وتكشف عن مشاعره الخاصة المزدوجة تجاه كلٍّ من رعاياه المصريين وأعدائه العثمانيين. فالباشا حين يقول عن السلطان والفلاح إنهما وليا نعمته فإنه يردد لقبه هو: فقد كان يُعرف في مصر بلقب ولي النعم. فكان بمقدور أي من معاصريه إذن أن يدرك التورية المستخدمة هنا كمحاولة للسخرية من كل من الفلاح والسلطان، لا تحجبها سوى غلالة رقيقة، لأن هذين «الشخصين» بالتحديد هما اللذان كان الباشا يهزأ بهما، كلٌّ بطريقة مختلفة. ولكن دعنــا نصدق كلمات الباشا، ونقول إنه كان يعني بالفعل ما يقوله. في هذه الحالة، وبما أن الباشا استعبد في الواقع ...more
This highlight has been truncated due to consecutive passage length restrictions.
86%
Flag icon
إن هذا الفصل يحاول أن ينظر للتطورات من منظور الباشا وأن يفهم طبيعة هذا الازدواج الذي كان يشعر به تجاه «وليا نعمته»؛ الفلاح ...
This highlight has been truncated due to consecutive passage length restrictions.
86%
Flag icon
بالإضافة إلى ذلك يهتم هذا الفصل بتحليل طبيعة وأسباب الحروب التي شنها الباشا على السلطان العثماني. وعادة ما يتم إبراز هذه الحروب بالذات للقول بأن أوربا عموما، وبريطانيا العظمى خصوصا، بمساندتها للسلطان في صراعه مع والي مصر، مزقت «إمبراطوري...
This highlight has been truncated due to consecutive passage length restrictions.
86%
Flag icon
ولكن من جهة أخرى كان الباشا يزدري الطريقة التي كانت تدار بها الدولة ويشمئز منها، وتوصل، خاصة حين كان يُستدعى بشكل متكرر ليساعد في حل مشكلات السلطان، إلى إدراك أن الدولة لا تدار بأكفأ الطرق الممكنة.
86%
Flag icon
ومنذ أن تولى كل من السلطان والوالي السلطة، في ذات الوقت تقريبا، ولقرابة عقدين، اتخذ كلاهما «سياسات متوافقة، وربما متكاملة، بشأن إقامة سيطرة إدارية دقيقة ناجحة على دخل الدولة [العثمانية]»(1039). وبالفعل استفاد السلطان من خدمات الباشا في مواجهة الاضطرابات الوهابية، وفي محاولة إخضاع الانتفاضة اليونانية، وقبل ذلك كله في التنظيم الأفضل لمصر ذاتها.
87%
Flag icon
من هذه الزاوية يمكن القول بأن محمد علي كان مخلصا (في حدود قدرته على الإخلاص) في قوله بأنه كان مهتما بإصلاح وتجديد شباب الدولة العثمانية. لقد فعل ذلك في مصر، فلماذا لا تُقتبس إصلاحاته في أراضي الدولة العثمانية المركزية؟ ومع ذلك فإن الطريقة التي اختارها ليبين للموظفين العثمانيين عدم صلاحية الطرق التي يتبعونها، وهي تحديدا خوض الحرب ضدهم، تبرز مشكلاته في إضفاء الشرعية على أفعاله في ظل بقائه داخل الإطار العثماني.
87%
Flag icon
من جهة أخرى كان الباشا يخفي رأيا في غاية السلبية في سكان مصر، إذ كان يحتقر الفلاحين ولم يكن يحترمهم إلا من حيث هم مصدر لقوة العمل الشاق الرخيصة. فذات يوم أمر بترجمة قانون معين من لغة أوربية بحيث يمكن أن يطبق في مصر، غير أنه أمر المترجم بألا ينسخ القانون الأوربي بلا تبصر، لأن القانون يناسب «الأوربيين، [وهم] شعب متنور متحضر. أما شعبنا فمثل بهائم البراري، فلن يكون هذا القانون بالبداهة مناسبا لهم»(1045). وفي مناسبة أخرى قال «إن سكان ولايتنا، مصر، من ثلاثة أنواع. أولها أناس لا يعنيهم سوى أنفسهم، وثانيها أناس وإن كان من الممكن أن يكونوا مخلصين وطيبين، فإنهم يفتقرون لأي قدرة على التحفظ. أما أفراد ...more
87%
Flag icon
ومع ذلك، فإنه كان يعرف، طبعا، أن هؤلاء «الحيوانات» كانوا مصدر ثروته وحسن طالعه، وكانوا فوق ذلك قليلي التكلفة وطيعين في الأغلب الأعم. فحين استورد سفينتين بخاريتين من بريطانيا أثار الميكانيكيون والعمال البريطانيون العاملون عليهما العديد من المشاكل، أساسا لأن تكلفتهم باهظة «وعنيدين ولا يُعتمد عليهم». ففكر الباشا في تعيين اثنين من الرجال المصريين كمساعدين للعمال البريطانيين، حتى يتعلما منهم العمل بحيث يتخلص منهم فيما بعد (1047)
87%
Flag icon
وبالمثل كان الباشا يعتبر مصر إقطاعيته الخاصة. فقد جاء في تقرير نُشر في الوقائع المصرية أن «سعادة أفندينا ولي النعم... منصرف في حبك إجرا مصالح البلاد والعباد... النتيجة أن تكون الأقاليم المصرية كافة معتبرة ومشمولة بعواطف نظره الشريف كدائرته الخاصة وأن يتربى في فضله كأولاد له قاطنوها كبيرا كان أو صغيرا، رفيعا أو وضيعا»(1050).