More on this book
Community
Kindle Notes & Highlights
وكنت أرى أن هذه الصورة الغريبة التي يتراءى فيها هؤلاء الضعفاء من الفتيان العائدين من تلك الديار إلى أوطانهم إنما هي أصباغٌ مفرغةٌ على أجسامهم إفراغًا، لا تلبث أن تطلع عليها شمس المشرق حتى تتصل وتتطاير ذراتها في أجواء السماء، وأن مكان المدنية الغربية من نفوسهم مكان الوجه من المرآة، إذا انحرف عنها زال خياله منها.
لقد كنا وكانت العفة في سِقاءٍ من الحجاب موكوء، فما زلتم به تثقبون في جوانبه كل يوم ثقبًا والعفة تتسلل منه قطرةً قطرةً حتى تَقَبَّضَ وتَكَرَّشَ، ثم لم يكفكم ذلك منه حتى جئتم اليوم تريدون أن تحلوا وكاءه حتى لا تبقى فيه قطرة واحدة!
وكانت تفهم معنى الحب وتجهل معنى الغرام، فتحب زوجها لأنه زوجها، كما تحب ولدها لأنه ولدها، فإن رأى غيرها من النساء أن الحب أساس الزواج رأت هي أن الزواج أساس الحب.
لي فوق هذه الصخرة يا بني الأحمر سبعة أعوامٍ أنتظر فيها هذا المصير الذي صرتم إليه، وأترقَّب الساعة التي أرى فيها آخر ملكٍ منكم يرحل عن هذه الديار رحلةً لا رجعة من بعدها؛ لأني أعلم أن المُلك الذي يتولى أمره الجاهلون الأغبياء لا دوام له ولا بقاء.
حتى إذا نال منه اليأس انكفأ راجعًا إلى مقبرة آبائه في ظاهر المدينة فجلس بين القبور يذرف دموعًا غزارًا، لا يعلم هل هي دموع الذكرى القديمة أو دموع الذكرى الجديدة!
الخليلة التي تخلص لخليلها أشرف من الزوجة التي تخون زوجها،
قال: «وهل ترى أن وظيفة الرجل الشريف في هذه الحياة إصلاح النساء الفاسدات؟» قال: «ذلك خير له من أن تكون وظيفة إفسادهن؛ فإن الأشراف في هذا العصر يفخرون بإفساد النساء الصالحات، واستدراجهن إلى مواطن الفسق والفجور، وإصلاح المرأة الفاسدة أدنى إلى الشرف من إفساد المرأة الصالحة.»
فاستُطِيرَ «أرمان» فرحًا وسرورًا، وأهوى على يد أبيه يقبِّلها ويبللها بدموعه، ويقول: «أعدك بذلك يا أبتاه وعدًا لا أُخالفه، ولا أَخِيسُ به، ولك حكمك ما تشاء إن رأيتني بعد اليوم كاذبًا أو حانثًا.»
«رحماك يا مولاي، إنني امرأةٌ بائسة مسكينة قد قضت عليَّ بعض ضرورات العيش في فاتحة حياتي أن أقف على حافة تلك الهوة التي يقف على رأسها النساء الجائعات، فسقطت فيها كارهةً مرغمةً، ثم أردتُ نفسي على الرضا بتلك الحياة التي قدرها الله لي فلم أستطع، فأصبحت في منزلة بين المنزلتين، لا أنا شريفة أنعم بعيش النساء الشريفات، ولا ميتة القلب أسعد سعادة الفتيات الساقطات، وقد وجدتُ في ولدك الرجل الوحيد الذي أحبَّني لنفسي، ومنحني من وده وإخلاصه ما ضنَّ به عليَّ الناس جميعًا، فأنست به أنسًا أنساني سقوطي وعاري، وحَبَّبَ إليَّ الحياة بعدما أبغضتها وبرمت بها، وكدتُ أقضي على نفسي بالخلاص منها، فلا تحرمني جواره، ولا
...more
إن للحب فنونًا من الجنون، وأقبح فنونه أن يعتقد المتحابان أن حبهما دائم لا تغيره حوادث الأيام، ولا تنال منه الصروف والغِيَر، ولو عقلا لعلما أن الحب لون من ألوان النفس، وعَرَضٌ من أعراضها الطائرة، تأتي به شهوة وتذهب به أخرى، ولا يذهب به المثل، مثل الفاقة إذا اشتدت واستحكمت حلقاتها، فإن النفس تطلب حياتها وبقاءها، قبل أن تطلب لذائذها وشهواتها!
لقد كنت أستطيع أن أقنع بالمضغة والجرعة، ولا أمد عيني إلى ما تقصر عنه يدي فلم أفعل، فهأنذا لا أسيغ المضغة ولا الجرعة، ولا أجد السبيل إلى العيش على أية صورة كانت.