More on this book
Community
Kindle Notes & Highlights
ولقد عقد الود بين قلبي وقلبها عقدًا لا يحله إلا رَيْبُ المنون، كنت لا أرى لذة العيش إلا بجوارها، ولا أرَى نُورَ السعادة إلا في فجر ابتساماتها، ولا أؤثرُ على ساعة أقضيها بجانبها جميع لذات العيش ومَسَرَّات الحياة، وما كنت أشاء أن أرى خَصْلة من خصال الخير في فتاة من: أدب، أو ذكاءٍ، أو حلمٍ، أو رحمةٍ، أو عفَّةٍ، أو شرفٍ، أو وفاءٍ إلَّا وجدتها فيها.
حتى رأيت وجوهًا غير الوجوه، ونظراتٍ غير النظرات، وحالًا غريبة لا عهد لي بمثلها من قبل، فتَداخَلَني الهمُّ واليأس، ووقع في نفسي للمرة الأولى في حياتي أنني قد أصبحت في هذا المنزل غريبًا، وفي هذا العالم طريدًا.
حتى شعرت في آخر الأمر بسكونٍ في نفسي يشبه سكون الدمع المعلق في محجر العين، لا يفيض ولا يغيض.
والمهارة لا تدل على صاحبها وحدها، بل هو الذي يدل عليها بحيلته ورفقه،
فما أنا بشقيَّةٍ ما رأيتك بجانبي، وما أنت بشقيٍّ ما قنعت بما قسم الله لك،
فما أسعد الدهر بالإنسان! وما أشقى الإنسان به!
فرفع رأسه إليها ولبث شاخصًا إلى وجهها نَظَرَ المصوِّر الماهر إلى تمثاله البديع، حتى شعر بدمعة حارة قد سقطت من جفنها على وجهه، فجرت في مجرى الدموع من خده، فانحدرت من جفنه دمعةٌ مثلها فالتقت بدمعتها فامتزجتا معًا.
«إني ذاهبة معك وليقضِ الله فِيَّ وفيك قضاءه.»
«ومتى كانت هذه الحياة موطنًا للسعادة أو مستقرًّا لها؟ ومتى سعد أبناؤها بها فنسعد مثلهم كما سعدوا؟ وإن كان لا بد من سعادة في هذه الحياة فسعادتها أن يعيش المرء فيها معتقدًا أن لا سعادة له فيها، ليستطيع أن يقضي أيامه المقدرة له على ظهرها هادئ القلب، ساكن النفس، لا يكدر عليه عيشه أملٌ كاذب، ولا رجاء خائب!»
إن كنتم تريدون أن نعيش على وجه الأرض بلا حبٍّ، فانتزعوا من بين جنوبنا هذه القلوب الخفافة ثم اطلبوا منا بعد ذلك ما تشاءون؛ فإننا لا نستطيع أن نعيش بلا حبٍّ ما دامت لنا أفئدة خافقة. أتظنون أيها القوم أننا ما خُلقنا في هذه الدنيا إلا لننتقل فيها من ظلمة الرحم إلى ظلمة الدير، ومن ظلمة الدير إلى ظلمة القبر؟ بئست الحياة حياتنا إذن، وبئس الخلق خلقنا، إننا لا نملك في هذه الدنيا سعادةً نحيا بها غير سعادة الحب، ولا نعرف لنا ملجأ نلجأ إليه من هموم العيش وأرزائه سواها، ففتشوا لنا عن سعادة غيرها قبل أن تطلبوا منا أن نتنازل لكم عنها.
هذه الطيور التي تغرد في أفنائها إنما تغرد بنغمات الحب، وهذا النسيم الذي يتردد في أجوائه إنما يحمل في أعطافه رسائل الحب، وهذه الكواكب في سمائها، والشموس في أفلاكها، والأزهار في رياضها، والأعشاب في مروجها، والسوائم في مراتعها، والسوارب في أحجارها … إنما تعيش جميعًا بنعمة الحب، فمتى كان الحيوان الأعجم والجماد الصامت — أيها القساة المستبدون — أرفع شأنًا من الإنسان الناطق وأحق منه بنعمة الحب والحياة؟!
هذِّبوا رجالكم قبل أن تهذِّبوا نساءكم، فإن عجزتم عن الرجال فأنتم عن النساء أعجز!
فالسرور نهار الحياة والحزن ليلها، ولا يلبث النهار الساطع أن يعقبه الليل القاتم.
كما أن السماء في ظلمة الليل تختلف إليها النجوم فتضيء صفحتها، وتمر بها الشهب فتلمع في أرجائها، حتى إذا طلعت الشمس من مشرقها محا ضوؤها ضوء جميع تلك النيرات؛ كذلك القلب الإنساني لا تزال تمر به مختلف العواطف وأشتات الأهواء مجتمعةً ومفترقة، حتى إذا بلغ وأشرقت عليه شمس الحب غربت بجانبها جميع تلك العواطف والأهواء.
«إنني أستطيع أن أحتمل كل شيء في الحياة إلا أن أفارقك فراقًا لا لقاء من بعده!»
قالت: «وهل تستطيع أن تحب بلا أمل؟» قال: «ولِمَ لا يكون الحب نفسه غايةً من الغايات التي نجد فيها السعادة إن ظفرنا بها؟ ومتى كان للسعادة في هذه الحياة نهاية محدودة، فلا نجد الراحة إلا إذا وصلنا إلى نهايتها؟»
من أي عالم من عوالم الأرض أو السماء أتيتم بهذه العقول التي تصوِّر لكم أن الشعوب تُساق إلى الإيمان سوقًا، وأن العقائد تُسقى للناس كما يُسقى الماء والخمر؟
حسبنا يا صديقي من الشقاء في هذه الحياة ما يأتينا به القدر، فلا نضم إليه شقاء جديدًا نجلبه بأنفسنا لأنفسنا!
كما أن النار لا تطفئ النار، وشارب السم لا يُعالَج بشربه مرة أخرى، وكما أن مقطوع اليد اليمني لا يُعالج بقطع اليد اليسرى، كذلك لا يعالج الشر بالشر، ولا يُمحى الشقاء في هذه الدنيا بالشقاء.»
لقد أحبَّته من حيث لا تدري؛ فإن الخوف من الحب هو الحب نفسه،