More on this book
Kindle Notes & Highlights
Read between
December 27 - December 28, 2021
وجل الأدب بالمنطق، وجل المنطق بالتعلم، ليس منه حرف من حروف معجمه، ولا اسم من أنواع أسمائه، إلا وهو مروي، متعلم، مأخوذ عن إمام سابق، من كلام أو كتاب.
Esraa Adel liked this
فمن جرى على لسانه كلام يستحسنه، أويستحسن منه، فلا يعجبن إعجاب المخترع المبتدع، فإنه إنما إجتباه كما وصفنا.
فإنما إحياء العقل الذي يتم به، ويستحكم: خصال سبع: الإيثار بالمحبة، والمبالغة في الطلب، والتثبت في الاختيار، والاعتياد للخير، وحسن الرعي، والتعهد لما اختير واعتقد، ووضع ذلك موضعه قولًا وعملًا.
فإنا لم نوضع في الدنيا موضع غنى وخفض[18]، ولكن بموضع فاقة وكد، ولسنا إلى ما يمسك أرماقنا[19] من المأكل والمشرب بأحوج منا إلى ما يثبت عقولنا من الأدب الذي به تقاوت العقول، وليس غذاء الطعام بأسرع في نبات الجسد من غذاء الأدب في نبات العقل، ولسنا بالكدِّ في طلب المتاع الذي يلتمس به دفع الضرر، والغلبة، بأحق منا بالكد في طلب العلم الذي يلتمس به صلاح الدين والدنيا.
وعلى العاقل، ما لم يكن مغلوبًا على نفسه، أن لا يشغله شغل عن أربع ساعات: ساعة: يرفع فيها حاجته إلى ربه، وساعة: يحاسب فيها نفسه، وساعة: يفضي فيها إلى إخوانه، وثقاته الذين يصدقونه عن عيوبه، وينصحونه في أمره، وساعة: يخلي فيها بين نفسه، وبين لذتها مما يحل ويجمل، فإن هذه الساعة عون على الساعات الأُخَر، وإن استجمام[36] القلوب، وتوديعها[37] زيادة قوة لها، وفضل بلغة
وعلى العاقل أن يعرف أن الرأي والهوى متعاديان، وأن من شأن الناس تسويف الرأي، وإسعاف الهوى، فيخالف ذلك، ويلتمس أن لا يزال هواه مُسَوَفًّا ورأيه مسعفًا.
ومن نصب نفسه للناس إمامًا في الدين، فعليه أن يبدأ بتعليم نفسه وتقويمها في السيرة والطعمة والرأي واللفظ والأخدان؛ فيكون تعليمه بسيرته أبلغ من تعليمه بلسانه، فإنه كما أن كلام الحكمة يونق[42] الأسماع، فكذلك عمل الحكمة يروق العيون والقلوب، ومعلم نفسه ومؤدبها أحق بالإجلال والتفضيل من معلم الناس ومؤدبهم.
كان يقال: إن الله تعالى قد يأمر بالشيء ويبتلي بثقله وينهى عن الشيء، ويبتلي بشهوته. فإذا كنت لا تعمل من الخير إلا ما اشتهيته، ولا تترك من الشر إلا ما كرهته، فقد أطلعت الشيطان على عورتك، وأمكنته من رمتك[65]، فأوشك أن يقتحم عليك فيما تحب من الخير، فيكرهه إليك، وفيما تكره من الشر، فيحببه إليك.
فصل ما بين الدين والرأي، أن الدين يسلم بالإيمان، وأن الرأي يثبت بالخصومة[72]، فمن جعل الدين خصومة، فقد جعل الدين رأيًا، ومن جعل الرأي دينًا فقد صار شارعًا[73]، ومن كان هو يشرع لنفسه الدين، فلا دين له.
لا يمنعنَّك صغر شأن امرئ من اجتناء ما رأيت من رأيه صوابًا، والاصطفاء ما رأيت من أخلاقه كريمًا، فإن اللؤلؤة القائمة لا تهان لهوان غائصها الذي استخرجها.
مما يدل على علم العالم معرفته ما يدرك من الأمور، وإمساكه عما لا يدرك، وتزيينه نفسه بالمكارم، وظهور علمه للناس من غير أن يظهر منه فخر ولا عجب، ومعرفته زمانه الذي هو فيه، وبصره بالناس، وأخذه بالقسط، وإرشاده المسترشد، وحسن مخالفته خلطاءه، وتسويته بين قلبه ولسانه، وتحريه العدل في كل أمر، ورحب ذرعه فيما نابه، واحتجاجه بالحجج فيما عمل، وحسن تبصيره.
ليكن المرء سؤولًا[83]، وليكن فصولًا بين الحق والباطل، وليكن صدوقًا؛ ليؤمن على ما قال، وليكن ذا عهد؛ ليوفى له بعهده، وليكن شكورًا؛ ليستوجب الزيادة، وليكن جوادًا؛ ليكون للخير أهلًا، وليكن رحيمًا بالمضرورين؛ لئلا يبتلى بالضر، وليكن ودودًا؛ لئلا يكون معدنًا لأخلاق الشيطان، وليكن حافظًا للسانه، مقبلًا على شأنه؛ لئلا يؤخذ بما لم يجترم، وليكن متواضعًا؛ ليفرح له بالخير، ولا يحسد عليه، وليكن قنعًا؛ لتقر عينه بما أوتي، وليسر للناس بالخير؛ لئلا يؤذيه الحسد؛ وليكن حذرًا؛ لئلا تطول مخافته، ولا يكونن حقودًا؛ لئلا يضر بنفسه إضرارًا باقيًا، وليكن ذا حياء؛ لئلا يستذم إلى العلماء، فإن مخافة العالم مذمة العلماء
...more
وقال: لا ينبغي للمرء أن يعتدَّ بعلمه ورأيه ما لم يذاكره ذوو الألباب، ولم يجامعوه عليه[84]؛ فإنه لا يستكمل علم الأشياء بالعقل الفرد.
لا تؤدي التوبة أحدًا إلى النار، ولا الإصرار على الذنوب أحدًا إلى الجنة.
من أفضل البر[85] ثلاث خصال: الصدق في الغضب، والجود في العسرة، والعفو عند القدرة.
رأس الذنوب الكذب: هو يؤسسها، وهو يتفقدها، ويثبتها، ويتلوَّن ثلاثة ألوان: بالأمنية، والجحود، والجدل، يبدو لصاحبه بالأمنية الكاذبة فيما يزين له من الشهوات، فيشجعه عليها بأن ذلك سيخفى، فإذا ظهر عليه قابله بالجحود والمكابرة، فإن أعياه ذلك ختم بالجدل، فخاصم عن الباطل، ووضع له الحجج، والتمس به التثبت، وكابر به الحق حتى يكون مسارعًا للضلالة، ومكابرًا بالفواحش.
وكان يقال: الرجال أربعة: اثنان تختبر ما عندهما بالتجربة، واثنان قد كفيت تجربتهما. فأما اللذان تحتاج إلى تجربتهما؛ فإن أحدهما بر كان مع أبرار، والآخر فاجر كان مع فجار، فإنك لا تدري لعل البر منهما، إذا خالط الفجار أن يتبدل، فيصير فاجرا، ولعل الفاجر منهما، إذا خالط الأبرار أن يتبدل برًّا، فيتبدل البر فاجرًا، والفاجر برًّا. وأما اللذان قد كفيت تجربتهما، وتبين لك ضوء أمرهما، فإن أحدهما فاجرٌ كان في أبرار، والآخر برٌّ كان في فجار.
حق على العاقل أن يتخذ مرآتين؛ فينظر من إحداهما في مساوئ نفسه، فيتصاغر بها، ويصلح ما استطاع منها، وينظر في الأخرى في محاسن الناس، فيحليهم بها[89]، ويأخذ ما استطاع منها.
Ashwaq Alduraibi liked this
الوَرِعُ لا يَخْدَعُ، والأريب[90] لا يُخْدَعُ. ومن ورع الرجل أن لا يقول ما لا يعلم، ومن الإرب[91] أن يتثبت فيما يعلم.
عمل الرجل فيما يعلم أنه خطأ هوى، والهوى آفة العفاف، وتركه العمل بما يعلم أنه صواب تهاون، والتهاون آفة الدين، وإقدامه على ما لا يدري، أصواب هو أم خطأ جماح[92]، والجماح آفة العقل.
أزواج: من حاول الأمور احتاج فيها إلى ست: العلم، والتوفيق، والفرصة، والأعوان، والأدب، والاجتهاد. وهن أزواج: فالرأي والأدب زوج: لا يكمل الرأي بغير الأدب، ولا يكمل الأدب إلا بالرأي. والأعوان والفرصة زوج: لا ينفع الأعوان إلا عند الفرصة، ولا تتم الفرصة إلا بحضور الأعوان. والتوفيق والاجتهاد زوج: فالاجتهاد سبب التوفيق، وبالتوفيق ينجح الاجتهاد.
لا عقل لمن أغفله عن آخرته ما يجد من لذة دنياه، وليس من العقل أن يحرمه حظه من الدنيا بصره بزوالها.
قال رجل لحكيم: ما خير ما يؤتى المرء؟ قال: غريزة عقل، قال: فإن لم يكن؟ قال: فتعلم علم، قال: فإن حرمه؟، قال: صدق اللسان، قال: فإن حرمه؟ قال: سكوت طويل، قال: فإن حرمه؟ قال: ميتة عاجلة.
إن المستشير، وإن كان أفضل من المستشار رأيًا، فهو يزداد برأيه رأيًا، كما تزداد النار بالودك[108] ضوءًا. على المستشار موافقة المستشير على صواب ما يَرَى، والرفق به في تبصير خطأٍ إن أتى به، وتقليب الرأي فيما شكَّا فيه، حتى تستقيم لهما مشاورتهما.
إن أهل العقل والكرم يبتغون إلى كل معروف وصلة وسبيلًا. والمودة بين الأخيار سريع اتصالها، بطيء انقطاعها، ومثل ذلك مثل كوب الذهب الذي هو بطيء الانكسار، هين الإصلاح. والمودة بين الأشرار سريع انقطاعها، بطيء اتصالها، كالكوز من الفخار يكسره أدنى عبث، ثم لا وصل له أبدًا.
لايتم حسن الكلام إلا بجسن العمل، كالمريض الذي قد علم دواء نفسه، فإذا هو لم يتداوَ به لم يغنه علمه.
لا تتركن مباشرة جسيم أمرك، فيعود شأنك صغيرًا، ولا تلزمن نفسك مباشرة الصغير، فيصير الكبير ضائعًا.
لا تكونن نزر[167] الكلام والسلام، ولا تبلغن بهما إفراط الهشاشة والبشاشة[168]؛ فإن إحداهما من الكبْر، والأخرى من السخف
فإنما يحمل الرجل على الحلف إحدى هذه الخصال: إما مهانة[172] يجدها في نفسه، وضرع[173]، وحاجة إلى تصديق الناس إياه. وإما عيٌّ[174] بالكلام، فيجعل الأيمان له حشوًا ووصلًا. وإما تهمة قد عرفها من الناس لحديثه، فهو ينزل نفسه منزلة من لا يقبل قوله إلا بعد جهد اليمين. وإما عبث[175] بالقول، وإرسال للسان على غير روية، ولا حسن تقدير، ولا تعويد له قول السداد، والتثبت[176].
لا عيب على الملك في تعيشه، وتنعمه، ولعبه، ولهوه، إذا تعهد[177] الجسيم من أمره بنفسه، وأحكم المهم، وفوَّض ما دون ذلك إلى الكفاة.
لا يضيعن الوالي التثبت عندما يقول، وعندما يعطي، وعندما يعمل. فإن الرجوع عن الصمت أحسن من الرجوع عن الكلام، وإن العطية بعد المنع أجمل من المنع بعد الإعطاء، وإن الإقدام على العمل بعد التأني فيه أحسن من الإمساك عنه بعد الإقدام عليه. وكل الناس محتاج إلى التثبُّت. وأحوجهم إليه ملوكهم الذي ليس لقولهم وفعلهم دافع، وليس عليهم مستحث
إذا سأل الوالي غيرك فلا تكونن أنت المجيب عنه، فإن استلابك الكلام خفة بك، واستخفاف منك بالمسؤول وبالسائل.
وإذا لم يقصد السائل في المسألة لرجل واحد، وعم بها جماعة من عنده فلا تبادرَنَّ بالجواب، ولا تسابق الجلساء، ولا تواثب بالكلام مواثبة، فإن ذلك يجمع مع شين[230] التكلف، والخفة، أنك إذا سبقت القوم إلى الكلام صاروا لكلامك خصماء، فتعقبوه بالعيب والطعن، وإذا أنت لم تعجل بالجواب، وخليته للقوم، اعترضت[231] أقاويلهم على عينك، ثم تدبرتها، وفكرت في ما عندك، ثم هيَّأت من تفكيرك، ومحاسن ما سمعت جوابًا رضيًا، ثم استدبرت به أقاويلهم حين تصيخ[232] إليك الأسماع، ويهدأ عنك الخصوم.
واعلم أنه يكاد يكون لكل رجل غالبة حديث لا يزال يحدث به: إما عن بلد من البلدان، أو ضرب من ضروب العلم، أو صنف من صنوف الناس، أو وجه من وجوه الرأي، وعندما يغرم به الرجل من ذلك يبدو منه السخف[249]، ويعرف منه الهوى، فاجتنب ذلك في كل موطن، ثم عند السلطان خاصة.
وإن وجدت عنهم، وعن صحبتهم غنى، فأغنِ عن ذلك نفسك، واعتزله جهدك، فإنه من يأخذ عملهم بحقه، يُحَلْ بينه وبين لذة الدنيا وعمل الآخرة، ومن لا يأخذ بحقه، يحتمل الفضيحة في الدنيا، والوزر في الآخرة.
ولا تخلطن بالجد هزلًا، ولا بالهزل جدًا، فإنك إن خلطت بالجد هزلًا هجنته[265]، وإن خلطت بالهزل جدًا كدرته. غير أني قد علمت موطنًا واحدًا إن قدرت أن تستقبل فيه الجد بالهزل أصبت الرأي، وظهرت على الأقران[266]: وذلك أن يتوردك[267] متورد بالسفه، والغضب، وسوء اللفظ، فتجبيه إجابة الهازل المداعب، برحب[268] من الذرع، وطلاقة من الوجه، وثبات من المنطق.
وإن آنست من نفسك فضلًا فتحرَّج[274] أن تذكره، أو تبديه، واعلم أن ظهوره منك بذلك الوجه يقرر لك في قلوب الناس من العيب أكثر مما يقرر لك من الفضل. واعلم أنك إن صبرت، ولم تعجل ظهر ذلك منك بالوجه الجميل المعروف عند الناس.
وإن أردت أن تلبس ثوب الوقار، والجمال، وتتحلى بحلية المودة عند العامة، وتسلك الجدد[275] الذي لا خبار[276] فيه، ولا عثار، فكن عالمًا كجاهل، وناطقا كعييٍّ. فأما العلم، فيزنك، ويرشدك. وأما قلة ادعائه، فتنفي عنك الحسد، وأما المنطق إذا احتجت إليه، فيبلغك حاجتك، وأما الصمت، فيكسبك المحبة والوقار. وإذا رأيت رجلًا يحدث حديثًا، قد علمته، أو يخبر خبرا قد سمعته، فلا تشاركه فيه، ولا تتعقبه عليه؛ حرصًا على أن يعلم الناس أنك قد علمته، فإن في ذلك خفة[277] وشحًا وسوء أدب، وسخفًا.
البس للناس لباسين ليس للعاقل بد منهما، ولا عيش، ولا مروءة، إلا بهما: لباس انقباض، واحتجاز من الناس، تلبسه للعامة، فلا يلقونك إلا متحفظًا متشددًا متحرزًا مستعدًا. ولباس انبساط واستئناس، تلبسه للخاصة الثقات من أصدقائك، فتلقاهم بذات صدرك، وتفضي إليهم بمصون حديثك، وتضع عنك مؤونة الحذر والتحفظ في ما بينك وبينهم.
صن لسانك: اعلم أن لسانك أداة مصلتة[290]، يتغالب عليه عقلك، وعضبك، وهواك، وجهلك، فكل غالب عليه مستمتع به، وصارفه في محبته، فإذا غلب عليه عقلك، فهو لك، وإن غلب عليه شيء من أشباه ما سميت لك، فهو لعدوك. فإن استطعت أن تحتفظ به وتصونه، فلا يكون إلا لك، ولا يستولي عليه، أو يشاركك فيه عدوك، فافعل.
ذلِّل نفسه على الصبر: ذلل نفسك بالصبر على جار السوء، وعشير السوء، وجليس السوء؛ فإن ذلك مما لا يكاد يخطئك. واعلم أن الصبر صبران: صبر المرء على ما يكره، وصبره عما يحب. والصبر على المكروه أكبرهما، وأشبههما[306] أن يكون صاحبه مضطرًا. واعلم أن اللئام أصبر أجسادًا، وأن الكرام هم أصبر نفوسًا، وليس الصبر الممدوح بأن يكون جلد الرجل وقاحًا[307] على الضرب، أو رجله قوية على المشي، أو يده قوية على العمل، فإنما هذا من صفات الحمير. ولكن الصبر الممدوح أن يكون للنفس غلوبًا، وللأمور محتملًا، وفي الضراء متجملًا[308]، ولنفسه عند الرأي والحفاظ[309] مرتبطًا[310]، وللحزم مؤْثِرًا، وللهوى تاركًا، وللمشقة التي يرجو
...more
واعلم أن العلم علمان: علم للمنافع، وعلم لتذكية العقول[312]. وأفشى العلمين، وأحراهما أن ينشط له صاحبه من غير أن يحض عليه علم المنافع، وللعلم الذي هو ذكاء العقول، وصقالها، وجلاؤها، فضيلة منزلة عند أهل الفضيلة والألباب.
حاذر الغرام بالنساء: اعلم أن من أوقع الأمور في الدين، وأنهكها للجسد، وأتلفها للمال، وأقتلها للعقل، وأزراها للمروءة، وأسرعها في ذهاب الجلالة والوقار، الغرام بالنساء. ومن البلاء على المغرم بهن، أنه لا ينفك يأجم[329] ما عنده، وتطمح عيناه إلى ما ليس عنده منهن.
ومن العجب أن الرجل الذي لا بأس بلبه ورأيه يرى المرأة من بعيد متلففة في ثيابها، فيصوَّر لها في قلبه الحسن والجمال، حتى تعلق بها نفسه من غير رؤية، ولا خبر مخبر، ثم لعله يهجم منها على أقبح القبح، وأدم الدمامة[331]، فلا يعظه ذلك، ولا يقطعه عن أمثالها، ولا يزال مشغوفًا بما لم يذق، حتى لو لم يبق في الأرض غير امرأة واحدة، لظن لها شأنًا غير شأن ما ذاق، وهذا هو الحمق، والشقاء، والسفه.
الصبر على الأعمال يخففها: إذا تراكمت عليك الأعمال، فلا تلتمس الروح[336] في مدافعتها[337]، بالروغان منها[338]، فإنه لا راحة لك إلا في إصدارها[339]، وإن الصبر عليها هو الذي يخففها عنك، والضجر هو الذي يراكمها عليك.
فتعهد من ذلك في نفسك خصلة قد رأيتها تعتري بعض أصحاب الأعمال، وذلك أن الرجل يكون في أمر من أمره، فيرِدُ عليه شغل آخر، أو يأتيه شاغل من الناس يكره إتيانه، فيكدر ذلك بنفسه تكديرًا يفسد ما كان فيه، وما ورد عليه، حتى لا يحكم واحدًا منهما، فإذا ورد عليك مثل ذلك، فليكن معك رأيك، وعقلك اللذان بهما تختار الأمور، ثم اختر أولى الأمرين بشغلك، فاشتغل به حتى تفرغ منه، ولا يعظمن عليك فوت ما فات، وتأخير ما تأخر إذا أعملت الرأي معمله، وجعلت شُغلك في حقه، واجعل لنفسك في كل شغل غاية ترجو القوة، والتمام عليها.
ثم انظر الأخبار الرائعة فتحفظ منها، فإن الإنسان من شأنه الحرص على الأخبار، ولا سيما ما راع منها، فأكثر الناس من يحدث بما سمع، ولا يبالي ممن سمع، وذلك مفسدة للصدق، ومزراة بالمروءة، فإن استطعت ألا تخبر بشيء إلا وأنت به مصدق، ولا يكون تصديقك إلا ببرهان، فافعل، ولا تقل كما يقول السفهاء: أخبر بما سمعت، فإن الكذب أكثر ما أنت سامع، وإن السفهاء أكثر من هو قائل، وإنك إن صرت للأحاديث واعيًا وحاملًا، كان ما تعي وتحمل عن العامة أكثر مما يخترع المخترع بأضعاف.
أي إكرام يعجب؟: لا يعجبنك إكرام من يكرمك؛ لمنزلة أو لسلطان، فإن السلطان أوشك[351] أمور الدنيا زوالًا، ولا يعجبنك أكرام من يكرمك؛ للمال، فإنه هو الذي يتلو السلطان في سرعة الزوال، ولا يعجبنك إكرامهم إياك؛ للنسب، فإن الأنساب أقل مناقب الخير غناء عن أهلها في الدين والدنيا. ولكن إذا أُكرمت على دين أو مروءة، فذلك فليعجبك، فإن المروءة لا تزايلك[352] في الدنيا، وإن الدين لا يزايلك في الآخرة.

