More on this book
Community
Kindle Notes & Highlights
ـ لا ينبغي أن تدللها يا بني حتي لا تفسد حياتك،
لتهن الهموم جميعًا ما دمت حسن الختام..
«لماذا كان غضبك كالنار تحرق بلا رحمة؟ لماذا كانت كبرياؤك أحب إليك من لحمك ودمك؟ وكيف تنعم بالحياة الرغيدة وأنت تعلم أننا نداس بالأقدام كالحشرات؟ والعفو واللين والتسامح ما شأنها في بيتك الكبير أيها الجبار؟!».
النفس تتعلق بالمكان الذي تطرد منه، أليس كذلك؟
سحقًا لدموعك! إن هي إلا عَرق الخبث الذي يمتلئ به جسدك.
مجلس لا يخلو من الراحة. لا نبت فيه ولا ماء، ولا عصافير تزقزق فوق الغصون، لكن أرض الخلاء الجرداء المشاكسة تكتسي في الليل حلة غامضة يخالها الحالم ما يشاء. وفوقه قبة السماء المرصعة بالنجوم والمرأة داخل الكوخ، والوحدة ناطقة، والحزن كالجمر المدفون تحت الرماد. وسور البيت العالي يعاند المشتاق، وهذا الأب الجبار كيف السبيل إلي إسماعه أنيني. ومن الحكمة نسيان الماضي، لكن ليس لنا من زمن غيره، لذلك كرهت ضعفي ولعنت نذالتي ورضيت الشقاء رفيقًا وسألد له أبناء. والعصفورة التي لا تصدها قوة عن الحديقة أسعد من أحلامي، وعيناي احترقتا شوقًا إلي المياه الجارية بين شجيرات الورد، وأين عبير الحناء والياسمين؟ أين؟ أين
...more
ـ في وحدتي أرتد سيدًا أو شبه سيد، أتأمل السماء وأتذكر الأيام الخالية.
لم أعد إنسانًا، فالحيوان وحده هو الذي لا يهمه إلا الغذاء.
ـ إن الغضب يجعل منك شيئًا حقيرًا تعافه النفس.
«قتلته مرة وهو يقتلني مرة كل ثانية، لست حيّا، من قال إني حي؟!».
امتلأت عينا أدهم بالدموع. هذا الشر الذي لا يصد عن اللهو. يقاتل ويقتل ويحظي بكل احترام. يقسو ويستبد هازئًا بالعواقب وله ضحكة تجلجل فتملأ الآفاق. له لذة في العبث بالضعفاء ويسمر في المآتم ويغني فوق شواهد القبور. الموت يدنو مني وهو ما زال يضحك ساخرًا. القتيل في التراب والقاتل ضائع وفي كوخي بكاء علي الاثنين. ضحكة الطفولة في الحديقة استحالت مع الأيام عبوسة غارقة في الدمع. وفي الداخل بقية جسدي يتوجع. لماذا هذا العناء كله؟ وأين صفو الأحلام؟ أين؟
الفتوة وحده يعيش في بحبوحة ورفاهية، وفوق هذا الفتوة الأكبر، والناظر فوق الجميع، أما الأهالي فتحت الأقدام. وإذا عجز مسكين عن أداء الإتاوة انتقم منه فتوة حيه شر الانتقام، وإذا شكا أمره إلي الفتوة الأكبر ضربه الفتوة الأكبر وأسلمه إلي فتوة حيه ليعيد تأديبه، فإذا سولت له نفسه أن يشكو إلي الناظر ضربه الناظر والفتوة الأكبر وفتوات الأحياء جميعًا. وهذه الحال الكئيبة شهدتها بنفسي في أيامنا الأخيرة، صورة صادقة مما يروي الرواة عن الأزمان الماضية.
إنكار الحقائق لا يغيرها.
ومن عجب أن أهل حارتنا يضحكون! علام يضحكون؟ إنهم يهتفون للمنتصر أيا كان المنتصر، ويهللون للقوي أيا كان القوي، ويسجدون أمام النبابيت، يداوون بذلك كله الرعب الكامن في أعماقهم. غموس اللقمة في حارتنا الهوان. لا يدري أحد متي يجيء دوره ليهوي النبوت علي هامته.
فقال جبل بضجر: ـ احترم الميت فجميعنا أموات. فقال دعبس بحدة: ـ عندما يحترموننا أحياء نحترمهم أمواتًا.
وإنك لا تكره الظلم إلا إن وقع عليك؟!
والله ما كرهتم الفتونة إلا لأنها كانت عليكم، وما إن يأنس أحدكم في نفسه قوة حتي يبادر إلي الظلم والعدوان، وماللشياطين المستترة في أعماقكم إلا الضرب بلا رحمة ولا هوادة، فإما النظام وإما الهلاك.
ولولا أن آفة حارتنا النسيان ما انتكس بها مثال طيب. لكن آفة حارتنا النسيان.
في هذا الزمان الفتي يخشي عليه أكثر من الفتاة.
ـ ما أكثر الذين يُؤذَوْن في حارتنا دون أن يؤذُوا أحدا!
إنه فتي ذكي حكيم صافي السريرة، ولكنه في حارة لا تقيم لغير البلطجة والنبابيت وزنا.
أنا فأفتح أبواب السعادة بلا وقف ولا قوة ولا جاه.
فتساءل رفاعة متنهدًا: ـ لماذا يكرهني أناس وأنا ما كرهت أحدًا قط؟!
كانت حياتك حلمًا قصيرًا، لكنها ملأت قلوبنا بالحب والنقاء. وما كنا نتصور أن تغادرنا بهذه السرعة فضلاً عن أن تقتل بيد أحد من الناس، أحد من أبناء حارتنا الجاحدة التي داويتها وأحببتها، حارتنا التي أبت إلا أن تقتل الحب والرحمة والشفاء ممثلة في شخصك فقضت علي نفسها باللعنة حتي آخر الزمن.
ـ اعذره يا معلم يحيي فأنت تعلم أنه في حارتنا إما أن يكون الرجل فتوة وإما أن يُعدّ قفاه للصفع.
الناس يعبدون القوة حتي ضحاياها!
ـ المبالغة خير من التهاون وإلا أخذنا من حيث لا نتوقع!
وهو يعد بالقضاء علي الفتونة فيطرب لذلك الجبناء وما أكثرهم! حارتنا حارة الجبناء، وستجدون أهلها دائما مع الغالب، ففي القعود هلاكنا.
وبيدكم أنتم ألا يعود الحال كما كان. راقبوا ناظركم، فإذا خان اعزلوه، وإذا نزع أحدكم إلي القوة اضربوه، وإذا ادعي فرد أو حي سيادة أدبوه. بهذا وحده تضمنون ألا ينقلب الحال إلي ما كان، وربنا معكم.
وإن حب النسوان في حارتنا مقدرة يتيه بها الرجال ويزدهون، ومنزلة تعدل في درجاتها الفتونة في زمانها أو تزيد.
كل واحد منهم يفاخر برجله بغباء وعمي، يفاخرون برجال لم يبق منهم إلا أسماؤهم، ولا يحاولون قط أن يجاوزوا الفخر الكاذب بخطوة واحدة! أولاد كلب جبناء.
ـ التسليم هو أكبر الذنوب جميعا.
وقد أجد القوة التي أنشدها وقد لا أجد شيئا علي الإطلاق، ولكني سأبلغ برا هو علي أي حال خير من الحيرة التي أكابدها.
كانت جريمة أدهم العصيان. أما جريمته هو فالقتل. قَـتْلُ رجل لا يعرفه ولا يعرف لمصرعه علي يده سببًا. وهـو قـد جـاء سعيًا وراء قوة يناضل بها المجرمين فانقلب وهو لا يـدري مجرما.
في حارتنا الإشاعة حقيقة، والحقيقة حكم، والحكم هو الإعدام،
وبدا لعواطف أن ذلك الجو المحيط بها يغري بزلة بعد أخري. وأخذت تؤول كل حركة تصدر عن زوجها تأويلا سيئا يتناسب مع ارتيابها حتي انقلبت الحياة جحيما.
لابد للظلم من آخر، ولليل من نهار، ولنرين في حارتنا مصرع الطغيان ومشرق النور والعجائب.