أفكار حول المسيرة الخضراء
أمران أود التحدث فيهما. كلاهما يتعلقان بالمسيرة الخضراء. أولهما هل يحق للناس في عمان الخوف من المسيرات والتظاهرات؟ وثانيهما بماذا تحديداً يجب علينا أن نُطالب في المسيرة الخضراء؟ والأمران مرتبطان. ثمة مؤخرا مقالات في الساحة الثقافية تتكلم عن أهمية الاستقرار التي تنعم به عمان، وتدعو الشباب العماني ألا يستجيبوا للدواعي المُغرضَة والخارجية لإحداث أية بلبلة في النظام المُستَتب، والذي يقف على رأسه سلطان عادل محب لوطنه ولشعبه. ويبدو لي أن هذه المقالات والدعوات صادقة في دوافعها. وأنها تنظر للصالح العام. ولا ترغب في أن تكون المطالبة بإصلاحات بسيطة سببا في دخول البلاد في معمعة عنف أو دوامات تفسد ما تحقق من مسيرة البناء الحديثة. ويبدو لي أيضا أن هذه المقالات والدعوات نابعة من دوافع معينة، فبداية فإن البلد فعلا في وضع مستقر إلى حد كبير، والوضع الاقتصادي لفئات عديدة من الناس ليس سيئا كما هو الحال مثلا في دول أخرى كتونس ومصر. ودافع آخر هو أن الناس إلى حد كبير مُسلِّمون أمورَهم إلى الحكومة ولسان حالهم يقول أنّ الحكومة أخبر منهم في تصريف الأمور. ولا ننسى أيضا أن جزءا كبيرا من الشأن السياسي الداخلي في عمان متعلقٌ بالسلطان نفسه، بحيث تتماهى كل من الحكومة والدولة به. وهذا يعني أن قولا ضد الحكومة أو في سبيل إصلاحها معناه قلة الوفاء للسلطان الذي كان وما يزال رمز الوحدة العمانية وباني نهضتها الحديثة. بالتالي فأي كلام حول الإصلاح الجذري هو كلام يُعقِّب الإحساس بالذنب. ولأقل بداية أن أية مسيرة أو حتى مظاهرة سلمية هي من حقوق الشعوب، وحق التظاهر وتوجيه النداء السلمي من مكتسبات الإنسان في تعامله مع سلطات مختلفة عبر العصور. والمسيرة الخضراء من اسمها إنما تتبع هذا المنهاج. فلأنه لا توجد قنوات قصيرة للتكلم مع السلطة فإن المظاهرات والمسيرات قناة لها شرعيتها وأهميتها. إذا ليست المسيرة دعوة للإفساد والتخريب بل دعوة للمضي قدما باتجاه أمور أفضل للبلاد. أما كون السلطان هو الحكومة والحكومة هي عمان فهذه فكرة خاطئة ساعدت الحكومة القائمة على زرعها وإخصابها في عقول الناس. بحيث غدا التكلم عن الإصلاح يؤخذ من باب التصادم مع السلطان ويورث عقدة ذنب أبوية. ولا يجب علينا مهما بلغ احترامنا للسلطان أن نعفو عن حكومته أو أن نُغلِّب مصلحة رجل واحد على مصلحة شعب بأكمله. ليست الحكومة هي السلطان وليس السلطان هو الأب للشعب. الحكومة أداة تسيير للنظام السياسي والاقتصادي في البلاد. لقد قام السلطان بدوره منذ فترة في تسيير النظام نحو الأفضل، وآن له أن يقوم بدور آخر تتطلبه المرحلة الحالية. فكما أنه قاد التقدم في مرحلة ما بطريقة ما فإنه أيضا، إنْ كان ليقوم بنفس الدور، يجب عليه أن يفعل ما تتطلبه المرحلة الحالية. أنا مثلا أرى أن السلطان لو كان احد المرشحين لحكم البلاد في ظل نظام ديموقراطي أو برلماني أو أيا كان لقمتُ باختياره. لكن هذا رأيي أنا فقط. وربما يكون نابعا من خطأ في الحكم كوني تربيت في البلد تحت ظل إعلام موجه. وماذا يجب علينا أن نفعل بعد مضي السلطان ( بعد عمر طويل) هل سيكون الحاكم الجديد عادلا ومتفهما؟ هل ستكون الظروف ملائمة له لأن يكون عادلا ومتفهما ومحبا لشعبه؟ أشك في ذلك وخصوصا لأن الناس أصبحت ذات توجهات مختلفة جدا، ولا يمكن بالتالي لأي نظام مفرد، أي يحكمه فرد واحد، أن يكون مناسبا. وأمر الاستقرار نسبي. فما هو مستقر الآن قد يدخلنا في معمعات قادمة لا سبيل إلى حلها إلا بوجود نظام ديموقراطي إلى حد كبيرفيه يتشاور الناس فيما سيفعلون ويُغلِّبون المصلحة العامة على الخاصة. ولنقل مثلا أن الاستقرار مستتب في عمان اليوم فماذا عن الغد؟ ماذا بعد أن يبدا الاقتصاد في التدهور؟ كيف سيكون مستقرا؟ لا بد لنا أن نعرف أن الوضع اليوم مستقر بسبب عدة عوامل أهمها الاقتصاد النفطي للبلاد، وما لم نتجاوز هذا الأمر، أو نحاول أن نتجاوزه فلن يكون مستقبلنا جيدا. كل الأحوال في عمان الآن تدل دلالة واضحة أننا متجهون إلى كارثة. فالتعليم يتعثر ويزداد تعثرا مع مرور الوقت، والفساد يزداد ولا تتخذ اجراءت حاسمة ضده، والإعلام مكمم وليس له إلا نغمة واحدة، نغمة الاستقرار والتقدم وغض الطرف عن المشاكل الحالية والمشاكل المتوقعة في السنوات القليلة القادمة. أما وجهة نظر الناس في السلطان فلكي تظل جميلة في أذهان الجميع فإنه ينبغي التحرك في مثل هذه المسيرات. فهذه المسيرات تخبر القائمين على النظام أهمية التغيير وما هي الأمور التي يجب أن تغير من خلال إيصال وجهة نظر الناس ، ما دام الإعلام يرفض نقل الحوار الهامس بين الناس وفي المنتديات النتية إلى حوار علني ممنهج. وإذاً هناك حقوق للناس يجب أن تشبع. منها حق التظاهر والتعبيير عن الذات. ومنها توزيع الثروات والسعي نحو تكافل الفرص. ومنها أن الناس تحب أن تحكم نفسها بنفسها إلى حد كبير. ومنها أننا نحب ألا يعتبر البشر مجرد أفراد وجماهير قابلة للقود. ومنها أنها تحب أن تعرف كم هي ثروتها وأين تذهب وماذا يحصل لأمنها وما هو مستقبلها وهل هو في أيد أمينة. ورغم أن المظاهرات والمسيرات هي أمر جديد نسبيا في عمان فليس هذا معناه أنه ليس بالأمر الحميد ما دام كل المشاركين سيكون لديهم التوجه لمسيرة سلمية تحترم الآخرين كما تطالب باحترام الآخرين. أما الوقت فهو الوقت المناسب. ذلك أن العالم العربي يشهد تحولا الآن. وهناك من يحاول من داخل الأنظمة العربية الالتفات على ما حققته ثورتا مصر وتونس. وليس ما تحقق فيهما ببعيد عنا. إن ما تحقق هناك هو مكسب لنا. وهذا هو الوقت المناسب في رأيي ، ليس من قبيل التأجيج والتثوير بل من قبيل أن الأنظمة جميعها عليها أن تلتفت لشعوبها وتهتم بهم ، ومن قبيل أن شرعية أي نظام يجب أن يكون مستمد من الشعب ومن الناس. ما هي المطالب التي يجب أن تكون في المسيرة الخضراء؟ الشعب يريد إصلاح النظام. لكن الإصلاح هنا كلمة مخففة لما هو حقا مطلوب. لكن كلمة الإصلاح هي الأنسب مع هذا. فنحن نريد أن يأتي الإصلاح من داخل النظام لا من خارجه. وهذا ليس لأن النظام جيد جدا ولكن لأننا نحترم السلطان ونقدره. ويجب علينا أن نعض بالنواجذ على ما تحقق من مكتسبات وطنية. لكن لا يعني هذا ان النظام يجب أن يبقى بالطريقة نفسها. لا بد أن يعطى الناس والشعب والمواطنون الضمانات الكافية لتحول النظام مستقبلا إلى أيدي الشعب. أظن هذا المطلب مهم جدا لأن أية مطالب أخرى لن تكون كافية وسوف تحقق تقدما بسيطا. فنحن نعرف أن الحكومة وعلى رأسها السلطان تحاول أن تقيد الفساد مع أننا نرى أن ذلك ليس كافيا ولم يأت بثماره بعد. يجب أن يكون هناك جدول زمني منظم لتحول السلطة من السلطان إلى نظام ديموقراطي أو ملكي دستوري بانتهاء حكم السلطان (بعد عمر طويل) . قد أتفق ويتفق معي الكثيرون من شعب هذا الوطن أن السلطان رجل عادل ومحب لشعبه لكننا لن نتفق هكذا اتفاق مع القادم أيا كان. وسوف نسأل كل الأسئلة ويكون لنا كل الحق في أن نقول أن القادم ربما يكون سيئا . وسنقول لماذا هو بالذات وكل الأمور الأخرى التي ستأتي على بالنا. وإذا لنتفق مع الحكومة من خلال المسيرة أن تكون هناك خطة مجدولة ومقننة للعمل على انتقال سلمي للسلطلة من يد حاكم واحد نحبه إلى أيدي الناس. هل معنى هذا أن الناس أو الوضع الديموقراطي أو الوضع الدستوري الملكي سيكون افضل وأن الحكومات ستكون أفضل . لا . لكن سيكون الناس هم مديرو أمرهم. وحينها سيكون هناك جهات تنفيذية تقوم بدور الرادع للفساد ودور المحاسي لمن تسول له نفسه السرقة والرشوة حسب اجراءات قضائية. أظن أن الوقت حان لذلك ولا يجب علينا أن نقول أن الناس ليست مستعدة لذلك ، فهذا غير صحيح بتاتا. الناس كانت وما تزال مستعدة لأن تقول ما تريد وما لا تريد. وليس أمر الحكم في عمان أمر تاريخيا ببعيد عن الناس . لقد كان الناس هم الحاكمون على مر التاريخ عبر أنظمة مختلفة. وإذاً ارجو أخيرا أن أقول لكل الذي سيتظاهرون غدا أو بعد غد أو بعد بعده أننا يجب أن نرفع سقف مطالبنا، وأن تضع الحكومة الحالية التي نحب رأسها ورئيسها، أن تضع خطة للتغيير الشامل للنظام. أما المطالبة ببعض التغييرات فسوف لن تؤدي في النهاية إلى تغيير حقيقي على المدى الطويل. فالوضع الاقتصادي مختل والفساد منتشر لا بسبب بعض من في الحكومة بل هو بسبب النظام بأكمله ولا بد أن يتغير النظام كاملا. وبما أن التغيير يجب أن يكون سلميا فلا أجد إلا أن تطالب المسيرة الخضراء بوضع خطة مجدولة للتغيير وخطة حازمة للتغيير تبدأ من وضع دستور في البلاد وتسعى لتحقيق طموحات الناس أجمعهم.
Published on February 17, 2011 07:44
No comments have been added yet.
حسين العبري's Blog
- حسين العبري's profile
- 32 followers
حسين العبري isn't a Goodreads Author
(yet),
but they
do have a blog,
so here are some recent posts imported from
their feed.
