من وحي ثورة مصر


وقعت أحداث مصر الأخيرة. آلت الأحداث إلى إسقاط النظام وعلى رأسه رئيس الجمهورية. يجب على الحكومات العربية التحرك لتشخيص المشاكل التي يعاني منها مواطنوها. الحكومة العمانية هي الأخرى محتاجة للاجتماع والتشاور. لكن هناك ثلاثة احتمالات. الأول ألا تتحرك الحكومة بحجة أن ما حصل في مصر بعيد وشأن داخلي لا دعوة لنا به. الثاني أن تتحرك بحركة تسكيتية مباشرة كأن تزيد الرواتب أو تقوم بعمل تسهيلات أو منح أو مكرمات، أي طرح حلول أو أشباه حلول قصيرة المدى. والثالث أن تدرك أن ما حصل في مصر هو في صميم العمل الحكومي في أية دولة عربية، وأنه يجب الوقوف وتمحيص كل أمر من أمور الدولة. هنا ألقي ببعض المواضيع التي يجب أن تناقش في حال ارتأت الحكومة الأمر الثالث:  1.    إدارة الحكم: معظم المواطنين العمانين يحترمون السلطان ويحبونه. هو رمز الوحدة العمانية وباني الدولة الحديثة. السؤال الذي يطرح نفسه في الأذهان هو من يحكم عمان بعده؟ نعرف جميعنا أن هناك بندا في الكتاب الأبيض يحدد علمية انتقال السلطة. لا أظن أن هذا كافيا. فلماذا لا نفعل منذ الآن الحركة باتجاه حكم الشعب لنفسه. المسألة ليست مسألة فجائية يجب أن تقام الآن وهنا. مع هذا يجب أن يكون هناك توجه وجدول زمني لسير العملية الديموقراطية في البلاد. 2.    الكتاب الأبيض:لا بد من تشكيل لجنة قانونية تقوم بإعادة قراءة مواد الكتاب الأبيض وتغيير ما هو متناقض فيه ومحاولة تطبيق ما هو جيد ومعرفة العوائق الكامنة وراء عدم تطبيق مواده. 3.     الأسرة الحاكمة: يتربع بعض من أعضاء الأسرة الحاكمة في مناصب وزارية ومناصب أخرى. لو وجد التوجه لانتقال البلاد لحكم ديموقراطي أو دستوري ملكي، فنحن أمام قضية تحديد ما يجب أن تقوم به الأسرة الحاكمة وما هو دورها بالضبط. 4.    اختيار الوزراء والوكلاء: ليس هناك طريقة محددة لاختيار هؤلاء؛ فاحيانا ترجح كفة القبيلة وأحيانا يتم الاختيار بطريقة مجهولة. كل وزير يجب أن يكون ملائما وذا كفاءة. الاختيار العشوائي أو المجهول لم يعد مقبولا، بل ينبغي أن يكون وفق أسس محددة. سيتغير اختيار الوزير والوكيل بتغير طريقة الحكم. كل وزير سوف تكون له مساوئه ومحاسنه ، لكن إن وجدت طريقة لاختياره وطريقة لتقويمه فإن الأمور ستمضي بطريقة أفضل. 5.    الوزارات السيادية: معظم الوزارات السيادية الآن في يد السلطان. وهو أمر خاطئ فيما يأتي من أيام. لا استطيع القول ( لأني لست الشخص المناسب للقول) أن وزير الاقتصاد غير جيد، لكن بما أن عدد ضخم من المواطنين يرون أنه غير جيد فيجب أن يكون هناك حل حاسم فيما يتعلق بهذا الموضوع. 6.    مسألة القبلية ووزراة الداخلية: يجب التخلص سواء بجرة قلم واحدة أو وفق خطة منهجية مجدولة بكل ما يتعلق بالأمور التي تعلي الأشخاص عن طريق قبائلهم. اختيار الأشخاص لمناصب معينة لا يجب أن يتم إلا وفق الكفاءات، واختيارهم لكل الأمور الأخرى مثل تعليمهم وتقديم الخدمات الصحية لهم يجب أن بمبدأ تكافؤ الفرص والحقوق. (أقترح ان يلغى اسم القبيلة من السجل المدني والبطاقة الشخصية ويعتاض عنه باسم الجد الرابع إن كان ضروريا). أما وزارة الداخلية فلا يبدو أنها تقوم بشيء مهم . فهل تقوم بعملية إمداد شيوخ القبائل بالمال؟ ولماذا؟ ما فائدة وجود الشيوخ في المناطق أصلا؟ وما فائدة وجود الوالي؟ أين يبتدئ الوالي وأين ينتهي الشيخ؟ الوالي هل هو ممثل للحاكم أم ماذا؟ ولا بد أيضا من إلغاء قانون منع الزواج من الخارج ( الذي ينتهك من قبل العديدين ) لأنه غير مبني على أسس منطقية أو تشريعية. 7.    الوضع الاقتصادي:ما هو الوضع الاقتصادي الحقيقي للبلد ؟ وإلى كم يمكن أن يستمر النفط المحرك الاقتصادي الأول؟ وهل تستطيع الزراعة والسياحة والصناعة والتجارة بوضعها الحالي المشاركة الفعالة في الناتج المحلي؟ لماذا لم تتطور الزراعة والثروة السمكية مثلا بعد تلك الندوة التي عقدت أثناء تجوال السلطان في المناطق. ما هو الرقم الحقيقي لدخل الدولة السنوي وكيف يتم توزيعه؟ كيف يتم التعامل مع الفساد المالي؟8.    الديوان وشؤون البلاط والمكتب السلطاني:الديوان أصبح دولة داخل الدولة. وزير الديوان يبدو أحيانا وكأنه رئيس الوزراء مع وجود رئيس وزراء أو نائبه . ما فائدة وجود المكتب السلطاني إن كان جهاز الأمن يقوم بكل مهامه، وما فائدتهما مع وجود مكتب التحقيقات في الشرطة. وما فائدة الجميع بعد أن تم اختراقها جميعا من قبل خلية التجسس التابعة لدولة الإمارات. الديوان في رأيي تكسير لمبدأ حكومة المؤسسات. وزراة الصحة لا تستطيع تحصيننا ضد أنفلونزا الخنازير، يتدخل الديوان ولكأنه مؤسسة أخرى. وزارة الثقافة لا تستطيع ان تقيم مهرجانا للشعراء يتدخل الديوان. وإذا ما فائدة وزارة الثقافة والصحة. تحول الديوان إلى خزانة مال المسلمين أيام الدولة العباسية وكل من يقترب من الحاكم أو ممن يملكون السلطة يعطى من بين المال بدون حساب. إن الهبات والعطايا والمنح والأراضي ونحو ذلك ، كل هذه الأمور يجب أن تنتهي بجرة قلم. 9.    فصل السلطات:لا يجب أن يكون الإدعاء بأي طريقة جزءا من كيان الشرطة. ولا يجب أن يكون القضاء مستقلا تمام الاستقلال. ويجب أن يراجع قانونيون مختصون القوانين الحالية ومناسبتها. وأن تكون هناك كيان تشريعي. 10.                       الجيش والشرطة:بداية إن اسم الشرطة السلطانية أو الجيش السلطاني غير صحيح، فالشرطة هي شرطة عمان والجيش هو الجيش العماني. يبدو الأمر كما لو أن كل هذه الأجهزة تقوم بدور حماية السلطان لا حماية البلاد. وعموما فإن وضع الحاكم كقائد للعسكر حتى وإن كان مقبولا الآن فإنه سيتغير حتما مع مجيء خلف السلطان. 11.                       مجلس الشورى:إن كانت هناك نوايا حقيقية لتطوير مجلس الشورى ليكون فاعلا فلا بد أن يكون الآن. إن هذا التدرج بالقطارة كان سيكون  مناسبا في بلد له قناة تلفزيونية واحدة . لكن الآن مع وجود كل هذه القنوات الفضائية وكل زخم النت لا أظن أن هناك داعٍ لهذا التدرج البطيء جدا 12.                       العدالة الاجتماعية وتوزيع الثروات:في حالة بلد سكانه لا يتجاوزون المليونين وبلد نفطي إلى حد ما ونسمع بين فترة وأخرى بالاختلاسات الحاصلة هنا وهناك، لا يجب والحال هذه أن يكون هناك فقراء يتسولون الحكومة المعونةَ الاجتماعية. توزيع الأراضي غير العادل، وتوزيع المكافأت غير العادل من قبل الحكومة لا بد أن ينتهي. ولا ضير أن تشكل لجنة تبحث في اموال الجميع من أصغر موظف إلى أكبر موظف لمعرفة كيف تم جني ثروة كل شخص. 13.                       وزارة الإعلام وحرية التعبير:هناك توجه لدى قطاع كبير من الناس أن وزارة الإعلام غير قائمة بما يجب أن تقوم به. يجب التساؤل المباشر ما هي حالتها الحقيقية ولماذا هي هكذا. وكيف يمكن إصلاحها إن كانت قابلة للإصلاح. حرية التعبير التي باتت هما عالميا يجب أن يكون في الحسبان. الصحافة التي لا تناقش الفساد والرشوات والحوادث الحقيقية التي تقع في البلد هي صحافة مُستورِدة لأحداث الخارج. يجب على الحكومة أن ترفع حظرها غير المبرر لوسائل الإعلام. الإعلام ليس للتسلية إنه سند للحكومة في معرفة الأحداث الداخلية وتقصي الفساد. 14.                       التعليم:التعليم بالذات محتاج إلى غربلة حقيقية فما يحدث من تحطيم لأهمية التعليم بكل الطرق يجب أن ينتهي. هذه وبالذات خيانة وطنية. هذا التوجه المحموم نحو انتاج جيل يشتغل في محطات البترول والمصانع باجور زهيدة ، يجب أن ينتهي. لم تخلق البلد حتى الآن أجيالها من القانونين والمهندسين والأطباء والعلماء والمختصين بينما يشجع كل أحد هذه الألاعيب التي تدهور التعليم . ( انظروا تصريحات وزارة التعليم : المهرجانات كانت دلالة على تطور التعليم في عمان!). اقترح أن تقوم الدولة بشراء الجامعات الخاصة التي تدهور التعليم ولا تعليه وتجعلها مجانية للجميع. أين الجيل السياسي الذي نستطيع أن نعول عليه أين الاقتصاديون أين المفكرون الذين عليهم أن ينيروا لنا دربنا. أخيرا علي أن أقول أمرا وهو أننا يجب أن نخرج من الكليشيهات الجاهزة التي أسست للعديد من مفاهيمنا اليومية في التعامل مع الحكومة ومع أنفسنا:1.    نحن أصحاب المال وليست الحكومة. المفروض أن تكون الحكومة برمتها عاملة لدينا. الحكام ياتون ويذهبون. الأسر الحاكمة تأتي وتروح. الباقية هي عمان. 2.    لا يجب التعامل مع الحكومة كأب او مع السلطان كأب. إن هذا المفهوم خطير جدا. إنه يجعلنا مكفوفي الأيدي أمام كل شيء سيء يمكن أن يأتي من الحكومة. الحكومة جهة تسير البلد لا أكثر ولا أقل. 3.    العمانيون ليسو طيبين. هذا كلام مبالغ فيه. مع كل الحروب القبلية والانشقاقات غريب أن نحكم بطيبتهم. ثم أن الطيبة والقبح والعداوة تنبع أكثر ما تنبع من الظروف المحيطة بالأشخاص. لن نستيطع أن نقول لمن لا يجد عملا ولا مجالا للتعليم كن طيبا. لقد سقطت أسطورة أن الشعب المصري شعب كلام، ولا بد أن تسقط أسطورة أن العمانيين طيبون.  فالطيبة التي يفتعلها العمانيون هي طيبة نفاقية وطيبة خضوع أحيان وليست طيبة القادر والمنتصر. ( أنظروا مثال علاقتنا بالإمارات: خبر قصير عن خلية التجسس في قمة انشغال العالم بأزمة مصر. كيف يجب أن نفسر هذا؟ ماذا تريد الحكومة بالله عليكم من كذا بيان مقتضب؟ كيف ينبغي لي أن أتعامل الآن مع الدولة المجاورة وبأي منطق؟ 4.    كلنا نعرف أن العلاقات الخارجية لعمان مبنية على السلام. مرة أخرى سلام ماذا؟ كيف نستطيع أن نكون على الحياد ما دمنا لا نتكلم أصلا. إن السياسة الخارجية القائمة على المشي بجانب الحيط جيدة لكنها لن تكون مجدية أبدا. 5.    السلطان ليس عمان وليست عمان السلطان. والحكومة ليست عمان. كل الدجل الطي مورس في المهرجانات المنصرمة لإشاعة هذه العبارة تخل بعمان. 6.    الاستقرار جيد. نعم إن الاستقرار جيد لكن ليس الاستقرار الذي يحيلنا إلى كارثة. لا أعرف ما الذي يجعل من كل الأمور الحاصلة في البلد غير ذات أهمية ولا تلقي بثقلها على المسؤولين. تخترق المؤسسة الأمنية ولا أحد يستقيل. يصبح التعليم أداء مهرجانات ولا يستقيل وزير التعليم. تتدهور حالة التعليم العالي ولا يستقيل وزير التعليم العالي. 
1 like ·   •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on February 12, 2011 07:13
No comments have been added yet.


حسين العبري's Blog

حسين العبري
حسين العبري isn't a Goodreads Author (yet), but they do have a blog, so here are some recent posts imported from their feed.
Follow حسين العبري's blog with rss.