أثر الروايات الضعيفة في تشويه التاريخ الإسلامي

للوهلة الأولى، لا يُكتشف الأثر البعيد والسيء للروايات الضعيفة والموضوعة في التاريخ الإسلامي، ولا سيما روايات العصر النبوي والراشدي، إنما يبدأ إدراك الأثر حين يبدأ عقلٌ ما في تركيب هذه الروايات في "نموذج تفسيري" –بتعبير د. عبد الوهاب المسيري- وهو في عامة الأحوال نموذج سيء، أقله أن يثير الشكوك ويأتي بالغرائب، وأعلاه أن يطعن في رجال العصر الأول –وهم خير القرون- فينسبهم إلى ما يتنزه عنه كثير من الفساق والفجار.

وعندي أن الرواية الضعيفة في تاريخ العصر النبوي والراشدي لها من الضرر ما يساوي ضرر الحديث الضعيف والموضوع، ذلك أن سيرة النبي وسيرة الخلفاء الراشدين من السنة التي أُمِرَ المسلمون باتباعها والاقتداء بها، فمنها ينهلون طريق الإصلاح والتجديد والتطوير، وعبر مساراتها يستكشفون سنة النبي r وهديه في التعامل مع الأزمات والمشكلات، ولقد حدث أن فعلت روايات ضعيفة في السيرة أثرا سيئا حين بُنيَت عليها مناهج للتربية وطرائق للإصلاح ومسارات للنهضة.. فاستهلك الكثير من الجدل والمجهود، وذهبت كثير من الأوقات –بل والأعمار- في بناءٍ تأسس على روايات ضعيفة.

وكثيرا ما لا تبدو الرواية الضعيفة وكأن فيها ما يريب، بل ربما كانت من "المقبول" الذي يستحسنه البعض، ويستطيبون ذكره، إلا أنه –وفي أحوال كثيرة- تساهم الرواية الضعيفة إلى جانب أخوات لها ضِعَاف في تكوين صورة شائهة، ثم تدفع هذه الصورة الشائهة بالعقول إلى تحليلات خاطئة تماما.

وثمة كثير من الأمثلة التي يُمكن أن تُضرب في هذا المجال لا سيما تلك الروايات التي وردت في الفتنة الكبرى بين الصحابة، ونحن نرى كيف ساهمت في تكوين الفكر الشيعي –على سبيل المثال- حتى لقد غدا من الدين لعن أبي بكر وعمر وعائشة وحفصة (رضي الله عنهم).

إلا أن الأنسب –في هذا المقام- أن نضرب مثالا بروايات ضعيفة لا يكاد يُستشعر منها خطر أو فتنة، وسنرى كيف أدت إلى صورة شائهة ثم تحليل موغل في الخطأ..

ذلك هو تحليل المستشرق البريطاني المعروف مونتجمري وات، وهو مستشرق منصف كما يبدو من عامة كتبه، ولقد بذل مجهودا يستحق الإعجاب في دراسته للسيرة والتي نُشرت في مجلدين هما "محمد في مكة" و"محمد في المدينة". إلا أن مونتجمري وات بمجهوده الدؤوب وعقله النبيه لم يكن يستطيع التفرقة بين الصحيح والضعيف من الآثار، فليس مؤهلا لذلك، ولا نستطيع أن نطالب مستشرقا باستيعاب علم لا يقدر عليه إلا القليل من أبناء أمتنا نفسها، وحيث أن أمتنا تعيش كبوة من كبواتها فإن هذا أدى إلى تأخر المجهود المطلوب في تحقيق الروايات التاريخية في مصادرها الأولى.

***

جاءت ثلاث روايات صحيحة؛ الأولى تقول: دخلت امرأة عثمان بن مظعون على نساء النبي (صلى الله عليه وسلم) فرأينها سيئة الهيئة، فقلن لها: ما لك فما في قريش أغنى من بعلك؟ قالت: ما لنا منه شيء؛ أما ليله فقائم، وأما نهاره فصائم. فدخل النبي (صلى الله عليه وسلم) فذكرن ذلك له، فَلَقِيَه، فقال: "يا عثمان بن مظعون أما لك بي أسوة؟". فقال: يا بأبي وأمي وما ذاك؟ قال: "تصوم النهار وتقوم الليل". قال: إني لأفعل. قال: "لا تفعل؛ إن لعينيك عليك حقا، وإن لجسدك حقا، وإن لأهلك حقا، فصلي ونم، وصم وأفطر. قال: فأتتهن بعد ذلك عطرة كأنها عروس، فقلن لها: مه؟ قالت: أصابنا ما أصاب الناس

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on January 11, 2011 10:46
No comments have been added yet.