الفضائيات.. والجمهور الموسمي


في زمن تفتت فيه الجمهور بشرائحه المختلفة إلى أجزاء صغيرة متناثرة في الفضاء الالكتروني والتلفزيوني، وأصبح فيه المعلن وأصحاب البرامج الإعلامية والفنية، يجدون صعوبة بالغة في اصطياد المشاهد طوال أشهر العام، ومعرفة الأوقات المناسبة




في زمن تفتت فيه الجمهور بشرائحه المختلفة إلى أجزاء صغيرة متناثرة في الفضاء الالكتروني والتلفزيوني، وأصبح فيه المعلن وأصحاب البرامج الإعلامية والفنية، يجدون صعوبة بالغة في اصطياد المشاهد طوال أشهر العام، ومعرفة الأوقات المناسبة.

يبدو شهر رمضان هو الشهر الوحيد، الذي يحافظ على قاعدة جماهيرية يمكن قياسها وتوقعها في أوقات جلوسها، وطقوسها اليومية ومائدتها..ولحظات كسلها، وهي ساعات طويلة ممارسة مشاهدة التلفزيون هو الشيء المشترك بين كثير من أفراد المجتمع بكافة شرائحه.

بمعنى آخر هو جمهور مضمون تواجده، بسبب ساعات الصيام الطويلة، وأوقات الطعام المحددة، فيكون جالسا أمام مسرح التلفزيون رغما عنه في الصالة المنزلية، يقلب الريموت، فهو إن لم يشاهد برنامجك، فهو سيمر عليه أحيانا ويعرف محتواه.

ولهذا يبدو رد البعض على من ينتقد أحد الأعمال التي تقدم..بأنه لماذا تشاهدها!؟ فيه شيء من الاستعباط، فالمشاهد في هذه الأوقات الرمضانية موجود ليس بانتظار عملك الفني وطلتك الفضائية، وإنما لأن هذا الوقت الطويل لا يناسبه إلا تصفح البرامج عند كثير من الناس من الصغار والكبار، الجلسات الجماعية للعائلة تحتاج المتابعة الجماعية، والتلفزيون هو الشيء المناسب لها في أوقات محددة، بعكس القراءة التي هي ممارسة فردية، وكذلك متابعة مواقع التواصل والانترنت.

تغيرت خارطة المشاهد طوال العام، ولم يعد هناك أوقات ذروة وذهبية محددة، أو حتى يوم مميز، فقد ضاع المشاهد المحدد منذ بدايات الفضائيات، وحتى نشرات الأخبار التي كانت تضبط المشاهد في أوقات معينة، أصبحت متاحة على مدار الساعة.

لقد ارتبط في أذهان بعض الوعاظ منذ سنوات طويلة أن استهداف رمضان من قبل هذه القنوات الفضائية كمؤامرة، والواقع أنه عمل تجاري بحت فهو الفرصة الوحيدة التي يجد فيها الجمهور متاحا بدون جهد كبير.

ولهذا حتى البرامج الدينية المتنوعة أصبحت مغرية للكثير من هذه القنوات، وتستقطب المشاهير في الساحة الدينية، ويتاح لها الأوقات المناسبة فيما قبل الإفطار.

وأصبحت منصات هذه القنوات المميزة عوامل شهرة كبيرة للكثير من الدعاة، تتجاوز شهرة زمن الكاسيت في عصره الذهبي، وإذا كان بعض هؤلاء المشاهير كانت شهرتهم سابقة لظهورهم في الفضائيات، فإنها أضافت لهم جمهورا جديدا ومختلفا، وبعضهم كانت الشاشة هي المؤثر الأكبر في جماهيريتهم كدعاة، ولهذا ستلاحظ الفرق بين جماهرية علماء ودعاة لم يخرجوا في هذه القنوات وبين من خرج فيها خلال عدة سنوات.

يأتي عمرو خالد كأبرز الشخصيات الدعوية التي حققت جماهيرية عالية، وأيضا تميزا مستمرا، وتطورا في كل سنة بالمواضيع وأسلوب عرضها، ومحتواها..وكان آخرها قصة الأندلس.

غيابه العام الماضي كان مؤثرا، عدنان إبراهيم لم يكن بداية ظهوره على روتانا لافتا، وهو القادم من شهرة اليوتيوب لعدة سنوات، وقد يكون البرنامج الجديد هذا العام «ليطمئن قلبي» مع سعود الدوسري محاولة مختلفة للاستفادة منه.

التجديد في البرامج الدينية يبدو محدودا، وهو يعتمد كثيرا على مهارة المتحدث أكثر من الموضوع.

أما في مجال الأعمال الفنية الأخرى، والدراما السعودية، فالواقع أن هناك أزمة مستمرة، ولم يقصر الكثير من الكتاب في نقدها منذ سنوات في الصحافة، وبيان الكثير من العلل في هذا الوسط.

القضية لم تعد نجوما مخضرمين أو جددا، فحالة الضعف عامة، وعدم القدرة على إنجاز أعمال لافتة تتفوق على هواة اليوتيوب الذين حققوا نجاحات عديدة، بدون مواسم.

مشكلة مؤسسات الإنتاج هذه أن شهر رمضان يتيح لها جمهورا مضمونا مهما كان مستوى أعمالها، ولهذا لا يوجد أي حافز وتحدٍ يجعلها تبذل جهودا كبيرة، وتنفق على هذه الأعمال..ليس في الديكور، وإنما في النصوص والمحتوى والأفكار.

هذه السهولة الربحية والشهرة السريعة التي تتيحها المواسم الرمضانية، جعلت التطور يبدو مستحيلا، وأصبحت الحالة الفنية..تشبه الحالة الرياضية لدينا.

فاللاعب السعودي لا يتطور مستواه بمجرد تحقيق شهرة مفاجئة.

كثير من هذه الأعمال لو تم عرضها في غير رمضان فإنها ستمر بلا جمهور.

ليس مجديا تهديد النقاد لهذه القنوات بحكاية الجمهور في شهر رمضان لطبيعة يومه، وحتى التهديد بقضية المنافسة بين القنوات التي تستهدف الجمهور السعودي ليست تحديا كبيرا، فهي محصورة في السنوات الأخيرة بين مجموعة «إم.بي.سي» و»روتانا»..وبينهما القناة الأولى السعودية!

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on June 20, 2015 06:23
No comments have been added yet.


عبد العزيز الخضر's Blog

عبد العزيز الخضر
عبد العزيز الخضر isn't a Goodreads Author (yet), but they do have a blog, so here are some recent posts imported from their feed.
Follow عبد العزيز الخضر's blog with rss.