تنصيب الهامش
حضور الأكاديمي مركز تدور حوله العوارض، الأديب هامش ينشد الضوء بجوار المركز ويستمر نصه يدور بعيدا حتى يلتقطه أكاديمي ويدفعه لمدار أقرب. هذا مجاز أنطلق منه وأحاوره في السطور القادمه علني أصل لمعنى لو أمكن ذلك في قراءة جانب من مشهدنا الثقافي.
الأكاديميا تتحصن بالمعرفة وتزعم امتلاكها وهي ذاتها موزعة بين مركز وهوامش، والأساسي فيها هو ما ترعاه المؤسسة وتدفع رؤاه للنور. يظل التعامل تحت مظلتها مع الأدب متعاليا ويحتكر التفسير، وهي دون مواربة تصف الخطاب الأدبي بأنه طفيلي (رأي عبر عنه مفكرون ونقاد خارج حدودنا وداخلها ودعمته ممارساتهم). قريبة من السلطة تاريخيا وأدواتها أدوات السلطة: حجب، قمع، مصادرة، واحدية، منح، ترقية، تقديم وتأخير. قد يبدو هذا القول متجنيا ويسعى لخلق نسق وتجاهل حدوده وإمكانية اتساعه وحشره في إطار، لكنه الأداة الوحيدة التي أملكها وأنا أكتب مقالا ولا يسعني التفصيل والاستقصاء، ولعل الأمثلة التالية توضح فكرتي الأولية التي قد تنمو لاحقا.
لو توقفنا ونظرنا في الفئة التي توجه المشهد في العقود الأربعة الاخيرة وترسم غاياته لوجدناها غالبا من الأكاديميين. احتلوا واجهات الأندية الأدبية، منابر الصحافة ودوائر القول. لم يزاحمهم الهامش إلا عندما ظهر النت وتشكلت المنتديات وبدا أن هناك فضاء يتخلق وخطاب يتشكل بعيدا عنهم. لم يدم ذلك طويلا، فحملوا إرثهم الرمزي وحشدوا رؤاهم وشرعوا يجمعون الأتباع ويعيدون إنتاج حضورهم. يمثلون حاليا أعمدة الأندية الأدبية، مديري كراسي البحث ومسيري وموجهي الفعاليات والأنشطة الجماهيرية. تجدهم في عكاظ، الجنادرية، معرض الكتاب، مهرجانان الشعر ولقاءات التكريم.
لو عدنا لملتقى الأدباء لوجدناه ملتقى الاكاديميا، يخططون فعالياته، ويحتلون محاضراته، ويصوغون عناوينه ويلقون مواعظهم فيه ودروسهم. الأدباء الذين حضروا معهم على المنبر لبسوا عباءتهم وقدموا أوراقا ترتسم خطاهم وحولوا لقاء الأدباء لدرس ينهل من العناوين الاكاديمية الغزيرة التي تتكرر منذ زمن وتقرأ بعين سلطتهم وتقصي كل ما لا يتفق مع تقاليدهم. لم تعد المسألة متعلقة بالمشاركة، بل تحولت لإقصاء يخطط وينفذ ويرسم الواقع للتابعين الذين يليق بهم الهامش، وهو عرف قديم بدأ منذ زمن التدوين وظل نسقا حاكما لليوم.
ذاك مثل ومعرض الكتاب مثل آخر، حيث حرف الدال بؤرة تجمع حولها الهوامش، تحاضر عليهم، تعظهم ثم تختار لهم نشاطهم الثقافي. تستبعد السينما، الأديب المشاغب الذي لا يحسن تشبيك يديه على المنبر وكل خطاب مغاير طلبا للسلامة حسب زعمهم. الأدب طفيلي، الأديب هامش، والنصوص التي تحضر لا يحملها فكر مشاغب ومغاير ومختلف، بل يحملها إذعان وطاعة في حضرة سدنة المركز الجدد.
على حدود المركز عناصر تتفاعل معه، يؤثر فيها ولا شك، لكنها تغيره بالتدريج وتعيد تعريفه وستزحزحه ولو قليلا بمرور الزمن. ويظل السؤال: متى تتجاور الخطابات ومتى يعمل العقل على سبر أغوارها؟


