من المفزع أن تتعايش مع هذا الطيف الواسع
ليس المطلوب أن نتفق، لا يستقيم ذلك والمنطق.
لا أريد منك أن تضمني للنخبة أو لعامة الجمهور، للمتدينين أو خصومهم ولا للصواب أو الخطأ. لا أود البرهنة على شيء ولن أسعى لإقناعك. أكتب مدفوعا بي وبالكون الذي يصطخب في داخلي، وأهرب ناحيتك حتى أتخفف من فزع الصمت.
يزعمون أن النخب ماتت وأنها لم تصنع تغييرا مهما كذب المثقفون، يجادلون بأن غمار الناس كانوا ولا زالوا هم حطب الثورات وبناتها. ليكن ذلك. شاهدتهم هنا يبنون مجدهم الشخصي متكئين على قضايا تعدها النخب صغيرة، لكنها حية في نظر الدهماء كما يسميهم المثقفون. يصعدون بذكاء الفطرة ولو أعوزهم الوعي بالفكر أو التاريخ ولا يضرهم أن ترتب خطواتهم يد خفية وتدفعهم دوافع غير نبيلة (من وجهة نظر أهل الوعي المدعين!). هم عمليون ولا يعدمون الوسائل، يلبسون لكل مقام لباسه ويسطرون لكل مقال عبارته. هم معظم الناس: شيوخ، كتاب، نقاد، أكاديميون، رجال ونساء. يلتئمون ويجد بعضهم بعضا ويصعدون السلم سويا، بغض النظر عن الأدوار التي يتبادلونها.
أرغب بشتيمتهم (موقف شخصي قد لا يكون مبررا)، لكن هذه حقيقة مشاعري ناحيتهم. أنا كفرد عابر في هذا البحر الهادر لا أستسيغ من يبني تعامله مع الحياة على مجده الشخصي، أو على أصوله المناطقية، أو على مذهبه، أو على توجهات عصابته، أو مجموع أرقام حسابه البنكي أو على مشاعر آنية متذبذبة. سأوسع قائمة من يستحقون الشتم (حرية شخصية) وأضيف لها: أولئك الذين لا يميزون لون الدم، الهتافون مع كل ناعق، المتبدلة مواقفهم كتبدل الفصول والذين يلبسون البشت والشماغ والعقال عندما يذهبون للسرير.
من المشكل جدا أن تتعامل في حياة واحدة مع كل هذا الطيف الواسع، ومن المريح حسب تجربة شخصية أن تتخفف بشتيمتهم من وقت لآخر.


