في أمراض السلطة العربية


الصراع على السلطة وانتقالها من جيل إلى آخر كان ولا يزال من أكبر أمراض الحالة العربية في كثير من الدول. مضى نصف قرن مليء بالخيبات والفشل والتراجع التاريخي، حتى أصبح البعض يحن إلى زمن الاستعمار الأجنبي، عندما يشاهد صور بلده ومجتمعه بالأبيض والأسود. منذ أن افتتح زمن الانقلابات العسكرية ودخول تلك الجمهوريات العربية في منحدر سياسي تاريخي لا يعرف قاعه بعد، تفاقمت الأزمة وخلفت معها أمراضا عديدة في بنية مجتمعاتها ومكوناتها بلا أفق سياسي للحل.الصراع على السلطة وانتقالها من جيل إلى آخر كان ولا يزال من أكبر أمراض الحالة العربية في كثير من الدول. مضى نصف قرن مليء بالخيبات والفشل والتراجع التاريخي، حت




ى أصبح البعض يحن إلى زمن الاستعمار الأجنبي، عندما يشاهد صور بلده ومجتمعه بالأبيض والأسود. منذ أن افتتح زمن الانقلابات العسكرية ودخول تلك الجمهوريات العربية في منحدر سياسي تاريخي لا يعرف قاعه بعد، تفاقمت الأزمة وخلفت معها أمراضا عديدة في بنية مجتمعاتها ومكوناتها بلا أفق سياسي للحل.

كيف انتهى العراق مع البعث وصدام بسياساته المتهورة، وكيف تحولت سوريا إلى رهينة بيد نظام بشار الأسد، ولم تنجح فكرة التوريث التي عمل عليها والده، لأن المشروعية السياسية التاريخية بحاجة إلى مقومات أخرى تصعب صناعتها في العالم الحديث ما لم يكن لها جذور اجتماعية في عمق التاريخ، فالسلطة ليست مجرد قوة، وقبضة أمنية. ويعيش اليمن في هذه المرحلة أكثر منعطفاته التاريخية صعوبة، وكيف ساهم نظام علي صالح بهذه النهايات العبثية بمستقبل بلده. عدم الشعور بالمسؤولية التاريخية سمة هذا النوع من القيادات التي تأتي عبر انقلابات عسكرية في مختلف دول العالم، فتبدو احتمالية تضحيتها من أجل الوطن ضعيفة، فتقاتل حتى آخر لحظة للبقاء على الكرسي، حتى وهو يرى وطنه يتفتت .. ويقتل ويشرد الملايين.

يظن كثيرون بأن مشكلة السلطة العربية تنحصر فقط في لحظة الوصول للحكم وينتهي الأمر عند هذا الحسم، والواقع بعد أكثر من نصف قرن كشف لنا أزمات أخرى، جعلت هذه الدول منكوبة بهذه القيادات، لأن كلفة البقاء في السلطة تستهلك مجمل طاقات هذه الأنظمة التي تشعر بعدم وجود أي شرعية لها. عدم وجود أي نوع من الشرعية يجعل النظام مشغولا في تفاصيل كل ما يثبت سلطته أكثر من اهتمامه بمستقبل البلد وتنميته، وتبدأ مع هذا الهاجس المحاولات العبثية في اللعب في تركيبة المجتمع، وطوائفه، والدخول إلى الفضاء الاجتماعي وتدميره، بأساليب متعددة.

ويترتب على هذا الهم الأمني، تخشب إداري طويل الأمد، فحالة الثقة بالآخرين تكون ضيقة ومحصورة بدوائر خاصة، وهذا يفسر عدم قدرة تلك الأنظمة على تجديد نفسها، ودفع دماء جديدة ومتنوعة إلى النخب الإدارية، حيث تصبح كل المناصب القيادية في الدولة شبيهة الوضع بمنصب الزعيم، وكأن خروجها منه يهدد السلطة بكاملها.

المشكلة الأخرى والحتمية التي واجهتها تلك الأنظمة، كانت في المنعطفات التاريخية التي تنتظرها مع مرور الزمن، ولهذا حدثت كوارث السقوط المتسارع عندما اقتربت لحظة التوريث وانتقال السلطة، حيث لا يوجد أي أفق يساعد تلك الشعوب على تصور المستقبل. منذ أكثر من عقدين .. كان التحدي البيولوجي وشيخوخة زعماء تلك الأنظمة من أخطر القضايا التي بدت بالأفق منذ التسعينات، وتم تداولها ونقاشها وظهور المخاوف حول مستقبل تلك الدول، وقد أتيحت لتلك الأنظمة فترة طويلة لإيجاد التحول لمرحلة انتقال السلطة، ووضع آلية معقولة لترتيب هذه التحولات المصيرية من مرحلة إلى أخرى. فقد أكدت تجربة نصف القرن أن الاستقرار مهما طالت مدته، بدون وجود مشروعية وآلية انتقال سينتهي إلى فقدان الثقة، وتفكك النظام.

لقد فشلت تلك الأنظمة العربية في صناعة الثقة بينها وبين شعوبها، وهي معادلة سياسية بالغة التعقيد تاريخيا للتكيف مع تحديات كل مرحلة، ومع أن الثقة بحاجة إلى عمق تاريخي، إلا أنها أيضا بحاجة إلى تفاعلات حيوية مستمرة، مع كل منعطف تاريخي تمر فيه الدولة. فالثقة إذا لم تتم حمايتها بدماء جديدة فإنها تتآكل بمرور الزمن مع تدني أداء الحكومة، وزيادة الفساد، والقبضة الأمنية. مشكلة الثقة أنها ليست حالة فردية، وإنما ظاهرة مجتمعية، ولا يمكن صناعتها عبر الأداء الإعلامي بدون وجود مقومات على أرض الواقع.

لقد نجت الأنظمة الملكية العربية من كثير من أمراض السلطة العربية التي افتتح عهدها بانقلابات الخمسينات والستينات، ووفرت الكثير من طاقاتها السياسية والاقتصادية إلى قضايا مجتمعها، واستطاعت هذه الدول الحفاظ على كثير من مقومات هذه الثقة، والتي هي أقوى عوامل الاستقرار. «فالثقة هي كلمة السر في انتقال المجتمعات من حال إلى حال وتطور الدول من وضعية إلى وضعية مغايرة» كما يرى فرانسيس فوكوياما.

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on May 02, 2015 10:16
No comments have been added yet.


عبد العزيز الخضر's Blog

عبد العزيز الخضر
عبد العزيز الخضر isn't a Goodreads Author (yet), but they do have a blog, so here are some recent posts imported from their feed.
Follow عبد العزيز الخضر's blog with rss.