اليمن والتنمية .. مسؤولية من!؟
تبدو التجربة اليمنية حالة خاصة في سياق التخلف التنموي العربي، فحركة التغيير الحضاري بطيئة تاريخيا، لموقع جغرافي يمتلك مقومات كثيرة للانطلاق، ومطلات بحرية
تبدو التجربة اليمنية حالة خاصة في سياق التخلف التنموي العربي، فحركة التغيير الحضاري بطيئة تاريخيا، لموقع جغرافي يمتلك مقومات كثيرة للانطلاق، ومطلات بحرية استراتيجية، يؤهلها لأن تكون في حالة أفضل. ومع أن التخلف التنموي يكاد يشمل غالبية الدول العربية إلا أنه في الحالة اليمنية من نوع خاص، فاليمن لم تتح له بعد انطلاقة بارزة في العصر الحديث يمكن البناء عليها، مقارنة بعدد من الدول العربية التي مرت بمحطات عديدة خلال أكثر من نصف قرن، وانتهت إلى تجارب فاشلة، خاصة في الدول التي تعسكرت أنظمتها مبكرا كالعراق ومصر وسوريا والسودان والجزائر. لقد كانت هذه الدول في موقع تاريخي متقدم على كثير من التجارب التنموية الآسيوية، لكنها منذ الستينات أخذت في الانحدار والتراجع التاريخي، بسبب العقلية العسكرية لهذه الأنظمة، في الحالة اليمنية تبدو المشكلة أنه لا توجد بدايات حقيقية.
يحاول كثير من المثقفين العرب أن يحمل مسؤولية تخلف اليمن على الخارج، والجوار بطرق عديدة، وهو كلام يتضمن الكثير من المغالطات. اليمن دولة كان من المفترض أن تكون في وضع أفضل من غيرها عربيا، فهي بعيدة عن مشكلات العرب التقليدية كحكاية الصراع مع إسرائيل، ومشكلات بقايا الاستعمار التي تكرر في الأدبيات العربية والخطابة الغوغائية لتبرير الفشل التنموي والسياسي، ويمكن اعتبار اليمن أفضل مكان عربي لبعدها الحدودي عن المشكلات الإقليمية، فهي جارة لدول عاقلة جدا، لا تحب إثارة الأزمات كسلطنة عمان والسعودية، وتستطيع بناء علاقات تجارية مع العالم دون الحاجة إلى جيرانها، ولهذا فالإعاقة اليمنية هي داخلية، ورسختها تجربة نظام علي صالح منذ السبعينات.
قبل الإعلان عن عملية إعادة الأمل، كشف وزير الخارجية اليمني رياض ياسين عن أن هناك وعودا خليجية وعلى رأسها السعودية بشأن إعمار اليمن، وقال إن البنية التحتية اليمنية «كانت أصلا متهالكة، وغير فعالة، فعلي عبدالله صالح لم يعمل خلال الثلاث وثلاثين سنة التي حكم فيها على إنشاء بنية تحتية قوية ..». تدرك دول الخليج وفي مقدمتها السعودية أن الحل في اليمن مهما كانت القوة المتاحة لا بد أن يرافقه مسار سياسي وآخر تنموي، وأن مهمة دعم اليمن ليست قضية دول الجوار فقط وإنما مهمة عالمية لاعتبارات عديدة، منذ أن أصبح اليمن خلال ربع قرن ملاذا لبعض الحركات المتشددة وقياداتها، وقد حاولت دول عديدة ومنظمات عالمية مساعدة اليمن، لكن النتيجة في أكثر من مرة محبطة للمراقبين ولأهل اليمن.
مؤخرا يكرر البعض طرح إشكالية الدعم وأنه يجب أن يوجه للشعوب، وللبنية التحتية وإنشاء المدارس والمرافق الصحية والمطارات. مثل هذا الكلام من الناحية الوعظية والنظرية سهل جدا، لكنه مؤشر على عدم متابعة الواقع اليمني، أو معرفة بطرق الدول المانحة في العالم للعالم النامي. من الناحية العملية من غير الممكن الدعم من دون التنسيق مع الأنظمة الموجودة، فلن يتم إنشاء حتى غرفة سكنية واحدة دون المرور على النظام القائم. لقد ابتليت كثير من دول العالم الثالث ومنها بعض الدول العربية بأنظمة ليست مشكلتها أنها استبدادية أو فاسدة فقط، وإنما عدم إحساسها بالمسؤولية التاريخية أمام شعوبها، فقد وجدت دول آسيوية استبدادية لكنها استطاعت خلق نهضة وتطور حضاري واقتصادي، بعكس نماذجنا العربية. في الحالة اليمنية .. لم تكن مشكلة نظام علي صالح في استبداده على الطريقة الصدامية أو البعث السوري، فقد كان متاحا نقده علانية حتى في كتب تباع وسط صنعاء، وإنما في عدم إحساسه بروح الدولة، والشروع في هذا الاتجاه، وأبقى البلد يسير بطريقة بدائية، وفساد نظامه الذي أعاق أكثر من مرة تدفق المعونات الدولية، وفشل المنح التي وعد بها.
في عام 2006 أقيم مؤتمر المانحين في لندن، لدعم مسيرة التنمية في اليمن، وتعهد علي صالح حينها أن تنجز كل الشروط المتفق عليها من المانحين، لكن في النهاية لم يحصل اليمن إلا على حوالي 27 % من المبالغ الموعود بها بسبب فقد الثقة، ويجب ألا تحمل هنا المسؤولية إلا على النظام نفسه، فعدم قدرته على الحصول على الدعم هو بسبب أساليبه منذ السبعينات. فتقديرات بعض الأرقام للدعم الخارجي قبل سنوات: للأردن حوالي 114 دولارا للفرد، واليمن حوالي 21 دولارا، والسودان 50 دولارا. مثل هذه الفوارق تعبر عن فشل النظام في استقطاب الدعم، وفقدان الثقة من الداعمين بالنظام، فدول العالم لن تقدم دعمها لأي دولة ونظام دون أن تعرف أين تصرف؟ يخلط كثيرون بين الدعم التنموي والدعم الذي يقدم لشراء القوى السياسية والتيارات والزعماء لتوجيه السياسات، فهذا له تقييم سياسي آخر!
عبد العزيز الخضر's Blog
- عبد العزيز الخضر's profile
- 44 followers
