وما دخل السياسية والدين في الرياضة يا عالم؟

هكذا إذن .. فازت الشقيقة قطر بشرف إستضافة مونديال ٢٠٢٢ الكروي، محققة بذلك سبقاً عربياً وآسيوياً كأول دولة تفوز بهذا الشرف منفردة. ومما زاد في حلاوة النصر هو أن المنافسة كانت مع دول مثل الولايات المتحدة وإستراليا واليابان وكوريا الجنوبية. أفلا يحق لنا كعرب أن نفرح؟ ألا يعتبر هذا نصراً مؤزراً للمسلمين على أمريكا كما صرح فضيلة الشيخ القرضاوي من دوحة الخير؟! لماذا نسمع هذه الأصوات النشاز التي تعلن عدم سعادتها بالفوز القطري؟ هل هو الحسد والغيرة من إنجاز كبير لدولة صغيرة في حين فشلت دولة عربية كبرى قبل أعوام؟ لماذا يحشر البعض موضوعاً سياسياً هنا؟ ألا يحق لنا لعالمنا العربي المنكوب أن يعيش لحظات من الفرح بعيدآً عن قرف السياسة وشعاراتها البالية؟



كانت هذه جملة من الأسئلة التي طرحها من أسكرتهم لذة النصر، ولأن الغالبية كانت مهللة لهذا "الإنجاز"، فقد حان الوقت ربما لنسمع للطرف الآخر. لتلك الأقلية التي لم تشارك في الحفلة، لأنها رأت في الفوز القطري تعدياً على ثوابت الأمة الصامدة رغم كل معاهدات السلام، وهو ثابت عدم التطبيع مع دولة الكيان الصهيوني. فقلوب الجميع كانت مع قطر حتى عُرضت تلك اللقطة من ملف التقديم والتي يظهر فيها طفل يقول بأنه لو تأهلت إسرائيل لكأس العالم في قطر فستكون فرصة ليأتي المشجعون للدوحة ليتعرف العرب والإسرائيليون على بعضهم البعض..وبعدها يظهر مشهد لطفل اسرائيلي وعربي يلعبان الكرة! وما أستغربه أن وسائل الإعلام التي تتصيد مجرد تواجد مسؤول عربي في ممر من ممرات الأمم المتحدة وقت مرور الوفد الإسرائيلي لتنشره على صدر صفحتها الأولى، أو تبثه في مقدمة نشرتها الإخبارية، متهمة دولته بخيانة القضية الفسطينية، لم تعلق على هذا الأمر الخطير ولو لمماً! وجريدة القدس العربي هي أول من ينطبق عليها هذا الوصف، فلو كان الحديث عن السعودية أو مصر لكان عبدالباري عطوان قد دبج افتتاحية عصماء تتحدث عن الدم العربي الذي بيع لأجل كرة من الجلد..فسبحان من يغير ولا يتغير!



هل نحن حقاً ينقصنا معرفة بجيراننا اللطفاء؟ لا أظن ذلك، فنحن نعرفهم جيداً..نعرفهم في دير ياسين وقانا..نعرفهم في مدرسة بحر البقر المصرية..نعرفهم في حريق المسجد الأقصى..نعرفهم في محمد الدرة الذي قتل في أحضان والده وأمام عدسات المصورين..نعرفهم في جسد الرضيعة إيمان حجو الذي اخترقته الرصاصات الغادرة..نعرفهم في عدوان غزة..ولا نريد أن نعرف المزيد.



بالأمس..كانت تستخدم ورقة التطبيع لتحقيق مكاسب سياسية وحث إسرائيل أن تعطينا شيئاً من فتات أرضنا، اليوم تواضعت أحلامنا كثيراً، صارت ورقة التطبيع تستخدم للفوز "بشرف" استضافة بطولة رياضية. الفوز القطري رغم قوة منافسية، ورغم كل ما أثير عن صغر حجم البلاد، وعدم توفر البنية التحتية اللازمة، وارتفاع درجة الحرارة، وكون سجل منتخب البلاد يخلو حتى من منجزات على صعيد المنطقة أو القارة، يجعل من الصعب على الكثيرين أن يقرؤا الإنجاز القطري خارج سياق قضية التطبيع. وسواء تأهلت إسرائيل أم لم تتأهل..فإن الخطورة تكمن هنا في هذه السنة السيئة التي تجرأت عليها دولة عربية، وهي التلويح بورقة التطبيع للحصول على مكاسب قُطرية. فغداً حين ترغب دولة بالفوز باستضافة دورة أو مؤتمر لن يكون من المستغرب أن تحذو حذوها، وهكذا نكون قد خذلنا فلسطين وحرقنا ورقة تفاوضية مهمة. من المسلم به أن السياسة هي فن الممكن، وأن لكل دولة خطوط حمراء قد تضطر للتنازل عنها تحت ضغوط شديدة، لكن أن يحصل ذلك من أجل أمر لا يراه الكثيرون ضرورياً فتلك مصيبة.



العالم الغربي لن يأتي إلى منطقتنا ليتعرف على بلادنا ويجرب العيش ضمن قيم مجتمعنا كما نفعل نحن حين نسافر لبلدانهم، وإنما سيأتي بقيمه إلينا وعلينا نحن التكيف معها. فهاهي المطالبات تتوالى للحصول على ضمانات بأن استهلاك الكحول سيكون في قطر كما هو الحال عليه في الغرب، ومطالبات أخرى لضمان عدم التعرض للمثليين في الأماكن العامة، وأن لا يُطلب من النساء مراعاة أية ضوابط في اللباس. وقد يقول البعض بأن علينا أن نفصل السياسة والدين عن الرياضة، وإلا عشنا في عزلة دولية، فهل نحن وحدنا فعلاً من نعيش أسرى الماضي وأوهام الشعارات والمباديء؟



راقبوا مباريات المنتخب الانجليزي مثلاً مع المنتخب الأرجنتيني والشحن النفسي الذي يسبقها بحيث يشوش كل منهما على تحية العلم للآخر بسبب حرب الفوكلاند في الثمانينات، بل استمعوا إلى تصريحات الرئيس أوباما على الفوز القطري. أو اشرحوا لنا لماذا إذن تم استثناء العراق من المشاركة في بطولة كأس الخليج منذ العام ١٩٩٠ وحتى سقوط نظام صدام حسين في ٢٠٠٣؟ ولماذا قاطعت الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي وحلفاؤهما الدورات الرياضية التي أقيمت في موسكو ولوس انجلوس أيام الحرب الباردة؟ ألم تتظاهر جماعات حقوق الإنسان في أوربا مطالبة دولها بعدم المشاركة في أولمبياد بكين  ٢٠٠٨ بسبب سجل الصين السيء في مجال حقوق الإنسان؟



فإذا كان العالم كله لا ينسى دماء أبنائه حتى لو انتهت المعارك وتحررت الأراضي، فلماذا يُطلب منا أن نتنازل وننسى ونحتفل؟ وإلا اعتبرنا حاسدين أو رجعيين أو غوغائيين؟ في حين أن أرضنا محتلة.. وأختنا تبيت أسيرة.. ودماء شهيدنا لم تجف.. ومقدساتنا لم تزل تئن؟


 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on December 08, 2010 01:43
No comments have been added yet.


مرام عبد الرحمن مكاوي's Blog

مرام عبد الرحمن مكاوي
مرام عبد الرحمن مكاوي isn't a Goodreads Author (yet), but they do have a blog, so here are some recent posts imported from their feed.
Follow مرام عبد الرحمن مكاوي's blog with rss.