الهجرة .. ومنهج البحث عن حل

يكاد القرار العُمَري الذي اتخذ الهجرة حدثا للتاريخ الإسلامي أن يكون وحيا، ولا عجب؛ فذلك العقل العُمَري بلغ من الشفافية والعبقرية أن قد نزل الوحي ليوافقه في أكثر من رأي، ومن ثم كان قرار التأريخ بالهجرة ثمرة من ثمار ذلك العقل الألمعي الجبار فاقتضى أن يتوقف المسلمون أمامه في كل عام، وهي وقفات لا تزال تمدهم بالجديد والضروري لمسيرتهم في التاريخ.

في هذه السطور سنرى أن الهجرة تقدم للمسلمين منهجا في بحثهم عن الحلول للمشاكل القائمة، وسنرى كيف أن الإخفاقات التي يشهدها واقع الأمة راجعة إلى اعتماد حلول "ناقصة" لم تدرك بعض الحقائق التي كان ينبغي استلهامها من حادث الهجرة.

***

طبيعة المشكلة

كان قيام الدولة الإسلامية ضرورة شرعية وضرورة تاريخية، فعلى المستوى الشرعي كان لابد للرسالة الخاتمة أن تستكمل فصولها فتخبر الناس كيف يديرون حياتهم في دولة، وكيف ينظمون لأنفسهم طرق السياسة والإدارة والحرب والقانون. فكان لابد من وجود صورة للدولة الإسلامية تظل بمثابة النموذج الذي يُلهم الناس ويُرشدهم. وهي صورة لا يستفيد منها المسلمون وحدهم بل هي كذلك من وسائل الدعوة لكل العالمين، فإن تحقيق الفكرة للنجاح على الأرض يدفع ويُغري من لم يقتنع بالفكرة ذاتها إلى أن يقتنع بها حين يرى آثارها وثمارها.

وذلك قانون تاريخي لا يُجادل فيه، فكل فكرة في التاريخ لم تستطع صناعة دولة -تتمثل بها في واقع الحياة- ماتت في مهدها أو في صباها، أو ظلت –في أحسن الأحوال- حلما يراود الخيال، وينفر منه الواقعيون، ويطرحه السياسيون والقادة وصناع التاريخ.

فكان لابد للرسالة الخاتمة أن تُنشيء الدولة لتحقق ثمرة الفكرة، ولتثبت الفكرة أنها عملية قادرة على الحياة وقابلة للتطبيق، بل هي النموذج الأمثل والأنجح من بين كل الأفكار. هذا على مستوى الضرورة الشرعية.

وأما على مستوى الضرورة التاريخية، فيبدو الأمر واضحا لو حاولنا تخيل مسار التاريخ الإنساني بدون الرسالة الإسلامية، إن الصورة تبدو كارثية بكل الوجوه، فإن القفزة الحضارية التي صنعها المسلمون وضعت بصمتها على كل التاريخ الإنساني وعلى مختلف أنشطة السلوك الإنساني حتى ليبدو المفكر الإنجليزي الكبير مونتجمري وات مذهولا إذ يقول "إننا لنجد شيئًا لا يكاد العقل يصدقه، وبالتالي فهو أمر يخلب اللبَّ، حين نقرأ عن كيف تحوَّلت الحضارات القديمة في الشرق الأوسط إلى حضارة إسلامية"

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on December 08, 2010 01:46
No comments have been added yet.