العنف المسلح.. وغايات متحولة


الهجوم على متحف باردو العريق في تونس قبل أيام، ومقتل وإصابة عدد كبير من السياح الأجانب، يثير العديد من الأسئلة للتفكير بالإرهاب وأهدافه، والمتغيرات التي حدثت بين مرحلة وأخرى، ورحلة الغموض الفكري والتكتيكي التي تتراكم بمرور الزمن.. لجماعات وشخصيات تتوالد بلا نهاية وأفق ملموس، وكيف نفرق بين أنواع العمليات من حيث الأهداف التي تخدمها أو تخدم جهات أخرى في لحظة زمنية معينة.




الهجوم على متحف باردو العريق في تونس قبل أيام، ومقتل وإصابة عدد كبير من السياح الأجانب، يثير العديد من الأسئلة للتفكير بالإرهاب وأهدافه، والمتغيرات التي حدثت بين مرحلة وأخرى، ورحلة الغموض الفكري والتكتيكي التي تتراكم بمرور الزمن.. لجماعات وشخصيات تتوالد بلا نهاية وأفق ملموس، وكيف نفرق بين أنواع العمليات من حيث الأهداف التي تخدمها أو تخدم جهات أخرى في لحظة زمنية معينة.

مع كل حدث إرهابي في العالم.. أول ما يتبادر لذهن المراقب هو الرسالة المباشرة التي يريد إيصالها من خلف هذه العملية أو تلك، فكثير من حوادث الإرهاب تبدو متخيلة وفق صراعات وأطر معينة في الذاكرة الجمعية التي تعيش داخل أجواء الصراع وقريبة منه، حيث تصبح هذه العمليات أدوات ضغط لأحد الأطراف مهما كانت بشاعتها وعدم أخلاقيتها. هذا الإطار يجعل هذه البشاعات العنفية مفهومة دينيا أو سياسيا أو اجتماعيا.. قبل الحاجة لمعرفة الفاعل قانونيا.

كثير من العمليات الإرهابية في العالم لا يعرف من هو الفاعل.. بالأدلة والوثائق، لكن الإطار الفكري أو السياسي للحدث يبدو مفهوما. الإرهاب يبدو أكثر غموضا وبشاعة عندما يتحول إلى مسار عدمي. ضعف الأمن أو عدم وجود سلطة مركزية قوية لا يبرر بعض أنواع الأعمال الإرهابية، ففي هذه الأجواء يبدو مفهوما أن تكون مناسبة لأعمال جنائية كالسرقات والسطو المسلح أكثر من غيرها.

أهداف العمل المسلح للتيار الجهادي أخذت عدة أطوار منذ السبعينات والثمانينات إلى هذه المرحلة. تغير أهداف العمليات المسلحة حدث بسبب التحولات الفكرية والمتغيرات السياسية من مرحلة وأخرى.. حيث تتشكل في كل مرحلة تبريرات فقهية وسياسية جديدة. في مرحلة السبعينات كانت فكرة الانقلابات وتصور إمكانية نجاحها تسيطر على عقلية هذه التنظيمات وقياداتها.. كتأثر متأخر بموجة انقلابات العسكر العربية ما بين الخمسينات ونهاية الستينيات، وانتهت هذه المرحلة باغتيال السادات. عنف نهاية الثمانينات غلب عليه الفكر الاحتسابي وإنكار المنكر.. بحرق محلات وتكسيرها وتعطيل مسارح. وتزامنت مع هذه المرحلة الحالة الأفغانية وتشجيع الرحلة إليها عربيا. وتشكلت معه مرحلة جديدة ستؤثر على الرؤية الجهادية لربع قرن.

كان وجود أنظمة عربية بسلطة مركزية قوية، وجماعات ضدها تكفرها، وضع إطارا عاما لشكل وصورة العنف المسلح وأهدافه، وطريقة تعامل الأنظمة العربية معه، حتى بدون معرفة تفاصيل كل عملية ومن وراءها فعلا. في التسعينات جاءت فكرة استهداف السياح كأهداف سهلة.. في مصر للضغط على الاقتصاد المصري، مع مفصل دقيق وحساس، فالسياحة بطبيعتها لا تناسبها الإجراءات الأمنية المكثفة.. لصعوبة تقييد حركة أفواج سياحية تريد الترفيه والاطلاع على البلد. حيث بدأت هذه المرحلة في عام 1990 بحادث أتوبيس سياحي في شارع الهرم.. وتعددت بعدها العمليات.. حتى جاءت العملية الأكثر بشاعة في الأقصر الشهيرة 1997، وما تلاها من تطورات وسجالات داخل بعض هذه التنظيمات وتراجعات. في هذه الفترة كانت تنضج فكرة الجهاد العالمي مع بروز عصر طالبان وابن لادن والظواهري، فجاءت عملية كينيا وتنزانيا عام 1998، وكان عدد القتلى في نيروبي مفجعا يفوق الـ200. بسبب هذا الحدث يشير جهادي سابق مع القاعدة (أيمن دين) قبل أيام في حوار مع قناة البي.بي.سي العربية إلى كيف أنه تحول ضد التنظيم وأصبح عميلا استخباراتيا لبريطانيا، بسبب هذا الحادث الضخم.. بعد أن رأى أنه عبثي ويستهدف مدنيين، ولا يتفق مع رؤيته القديمة لأهداف الجهاد. ومع ذلك استمرت القاعدة بهذا المسار وأبهرت أعدادا كبيرة من العامة والنخب العربية في لحظة ما بعد سبتمبر، قبل أن تنتهي إلى ما هي عليه الآن، من تخبط بالأفكار والرؤى.. وفقدان لبريقها.. وبدت الكفة تميل إلى الحالة الداعشية، بكل مفارقاتها وغموضها الحالي.

في كثير من مراحل العنف والصراعات المسلحة غابت القيم الأخلاقية لكن الأهداف بدت مفهومة ويمكن تخيل أسبابها بدون معرفة الفاعل. في السنوات الأخيرة.. لم تعد القيم الأخلاقية هي المفقودة فقط، وإنما فقد معها الهدف والمعنى، فتحول الإرهاب ببشاعاته عند هذه التنظيمات وكأنه غاية بذاته وليس مجرد وسيلة.

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on March 21, 2015 05:49
No comments have been added yet.


عبد العزيز الخضر's Blog

عبد العزيز الخضر
عبد العزيز الخضر isn't a Goodreads Author (yet), but they do have a blog, so here are some recent posts imported from their feed.
Follow عبد العزيز الخضر's blog with rss.