بارانويا

يطور الرجال بعد الأربعين بارانوياهم الخاصة بهم:
إنهم يرون أنفسهم مظلومين;
فمسؤولوهم المباشرون كشفوا مواهبهم،
 لكنهم لم يمنحوهم ترقيات مناسبة.
والدولة عرفت مدى ذكائهم،
 وبدل أن تقدرهم خافت منهم.
وأولادهم، بعد كل ما بذلوا لهم،
 ها هم يتخلون عنهم، ويسلكون دروبا أخرى في حيواتهم،
ولم تكافئهم الحياة بما يستحقون، وهمشتهم. 
حتى أجسامهم التي طالما حملوها في كل مكان ذهبوا إليه،
 ها هي تبدأ في خذلانهم.
لقد فاز جيرانهم وزملاؤهم،
وتزوجوا نساء فاتنات، 
وانجبوا أولادا رائعين،
وتقلدوا مناصب عالية.
إن الرب لا بد أنه غاضب عليهم، وإنما يعاقبهم، 
لكن على ماذا؟
فهو يعرف، أكثر من غيره، كم هم طيبون ومخلصون وأمناء:
لقد آمنوا به،  وأخلصوا لوطنهم، 
وقاموا بما يجب أن يقوم به الرجال مع عائلاتهم من واجب،
إن المؤسسة لم تكن لتقوم لولا تفانيهم،
والعائلة ما كانت لتنجح لولا دأبهم:
لقد كان كل خير وحب وإخلاص وتفان يأخذ تعريفه من دواخلهم.
من أين إذا تسلل هذا الخطأ الفادح
من أين تنزلت هذه القسوة القاصمة.
كيف لم ير الناس والدولة والأولاد مدى حسنهم،
وإن كان جميع هؤلاء قادرين على الخطأ، 
فكيف تخلى الله عنهم؟


في العمانيين مكارثية من نوع خاص،
مكارثية بريئة، فقط إن صح التعبير;
فهم يبتسمون لمهنئيهم بالعيد،  
أو معزيهم في مجالس العزاء، ويسألونهم، 
هكذا، وبلا مقدمات:
ألم  تسجن، أو تكن مسجونا، بتهمة الخيانة؟
لقد صدق فيهم دعاء النبي،
أو صدّقوا في أنفسهم ما قيل أن النبي قاله فيهم:
ولا تسلط عليهم أحدا من غيرهم!


كنت قد تعبت،
لأني لم أكن أعرف أيهما أفضل،
فإن قالوا: مجتهد، فإنهم يسحبون عني صفة العظمة،
ويحيلونني إلى قليل من قراءة ومثابرة وشيء من سهر،
وإن قالوا: موهوب، فإنهم يفترضون أن قوة خارج ذاتي منحتني عظمتي،
ويحيلونني إلى روبوت. 
وهكذا دائما يسعون إلى تقزيمي 
ويضغطونني بين شيئين عاديين.
بيد أني أدركت المعادلة:
فالحق أنهم لا يقولون شيئا عني بقدر ما يقولون شيئا عن أنفسهم;
فهم يلقون بعاديّتهم عليّ في محاولة لفهمي،
ويفترضون، سلفا، أنني شبيه بهم:
إن هذا، بالضبط، هو خطؤهم الأصل.  


من فوق سني عمرها الثمانين قالت الملكة لملك البلاد الشابة،
موشوشة إياه في جلسة قهوة شرقية لطيفة:
لا تتبع أثري ولا تقتفي خطاي;
لا أملك طائرتي الخاصة،
ولم يمنحوني أجرة حفلة لموظفي قصري،
وها أنا ملكة على كثير من البلاد، 
وألقابي تغطي صفحة كاملة في جريدة يومية،
لكني لا أملك شيئا.


لا يا معاوية! 
لسنا جرير و الفرزدق،
مع أنك تغرف من بحر
وأنا انحت في صخر.
جرير والفرزدق هما معاوية وحسين زمن فائت!


 
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on November 29, 2010 08:05
No comments have been added yet.


حسين العبري's Blog

حسين العبري
حسين العبري isn't a Goodreads Author (yet), but they do have a blog, so here are some recent posts imported from their feed.
Follow حسين العبري's blog with rss.