شارلي.. من السياسة إلى الحريات


تبدو عملية «شارلي إيبدو» نقطة تحول كبرى في مسألة الحريات والوجود الإسلامي، وقضايا التطرف والتطرف المضاد. حدث من نوع مختلف، يقوم بعمل مركز ومباشر ضد جهة إعلامية مارست الاستفزاز الصحفي لسنوات عديدة، وليست مجرد تفجيرات عشوائية عامة في شوارع ومحطات مترو، تنقل إشكالية الإرهاب كردة فعل من مواقف السياسة إلى منطقة حريات التعبير. حققت العملية بهذا العدد من القتلى أقوى ضرر ضد هذه الشخصيات الصحفية ومؤسستهم، وأحدثت صدمة للذهنية الغربية وبالذات الإعلامية. هذا النوع من العنف أكثر إرباكا لذهنية المسلم العادي وانطباعاته، فقد ضرب العنف هذه المرة في منطقة بالغة الحساسية، لتعدد زوايا النظر في تصور المشهد فيتبنى المعتدل موقف المتطرف. لذا شعرت العديد من الدول والمؤسسات بخطورة ما حدث، وأثارت ردود فعل دولية واسعة، ودانت جهات سياسية ومؤسسات دينية رسمية في العالم العربي والإسلامي خلال أقل من أربع وعشرين ساعة، ومنها مؤسسات تعودنا منها على الحركة البطيئة في ردة الفعل، وهي سرعة تؤكد الشعور بخطورة هذا النوع من الأعمال غير المسؤولة.




تبدو عملية «شارلي إيبدو» نقطة تحول كبرى في مسألة الحريات والوجود الإسلامي، وقضايا التطرف والتطرف المضاد. حدث من نوع مختلف، يقوم بعمل مركز ومباشر ضد جهة إعلامية مارست الاستفزاز الصحفي لسنوات عديدة، وليست مجرد تفجيرات عشوائية عامة في شوارع ومحطات مترو، تنقل إشكالية الإرهاب كردة فعل من مواقف السياسة إلى منطقة حريات التعبير. حققت العملية بهذا العدد من القتلى أقوى ضرر ضد هذه الشخصيات الصحفية ومؤسستهم، وأحدثت صدمة للذهنية الغربية وبالذات الإعلامية. هذا النوع من العنف أكثر إرباكا لذهنية المسلم العادي وانطباعاته، فقد ضرب العنف هذه المرة في منطقة بالغة الحساسية، لتعدد زوايا النظر في تصور المشهد فيتبنى المعتدل موقف المتطرف. لذا شعرت العديد من الدول والمؤسسات بخطورة ما حدث، وأثارت ردود فعل دولية واسعة، ودانت جهات سياسية ومؤسسات دينية رسمية في العالم العربي والإسلامي خلال أقل من أربع وعشرين ساعة، ومنها مؤسسات تعودنا منها على الحركة البطيئة في ردة الفعل، وهي سرعة تؤكد الشعور بخطورة هذا النوع من الأعمال غير المسؤولة.

هذا الحدث يأتي بعد مرور سنوات على عدد كبير من الاستفزازات الصحفية والإعلامية وحتى العنف المباشر، واستهداف أماكن العبادة والتي لا تحصل عادة على تغطية إعلامية واسعة، حيث تحسب كأعمال فردية في الغرب وليست على مؤسسات. مرت العديد من الممارسات الاستفزازية بهدوء، وبعضها بتصعيد جماهيري في العالم الإسلامي وخاصة هذه الرسوم، وأكدت قدرة الجاليات الإسلامية في الدول الأوروبية على التكيف مع مثل هذه التحديات ومعالجتها بأساليب حضارية.

حساسية العملية أنه قد ينظر لمن يبالغ في إدانتها، وكأنه ليس مهتما بمسألة الإساءة للمقدس الديني لديه. والأكثر إشكالا أن يوجد انطباع مخفي ورؤية لدى جمهور ونخب لا تقولها في العلن، بأنهم «يستاهلون ما جاهم» دون التفكير بكلفتها المستقبلية على أشياء كثيرة في تعميق مشكلات المسلمين في العالم، وأنها لن تحقق هدف الدفاع عن المقدسات التي قد تواجه إشكاليات من نوع آخر عند مختلف الثقافات بما فيها ثقافة المسلم المعاصر.

فمشكلة الحريات ليست فقط مشكلة قوانين وأنظمة، وإنما مشكلة ثقافة وفكر ووعي عام. الذهنية الغربية منذ قرون مرت بتحولات الحداثة، وجعلت المسألة الدينية والدين في جانب بعيد ومهمش، ولهذا لا تثير السخرية من أديانهم ومعتقداتهم أي حساسية شعبية. وعندما يشير البعض إلى أن هذه الصحيفة وغيرها أساءت لجميع الأديان، تبدو المقارنة في هذه القضية غير متكافئة. تطرح هذه القضية وغيرها حدود الحرية بين ثقافتين مختلفتين، لن يخسر الغرب أي قيم فيها فقد تجاوز الكثير من الممنوعات، بعكس الجانب الإسلامي.

لقد كانت الساعات الأولى من ردود الفعل الغربية تركز على مسألة الدفاع عن حريات التعبير، فقد اعتبر الرئيس الفرنسي هولاند العملية بأنها «هجوم على حرية التعبير في بلاده»، وأشارت العديد من الصحف الغربية إلى هذا الجانب للدفاع عن حرية التعبير. وعندما كتب توني باربر مقالا في فايننشال تايمز ضد اتجاه التيار الإعلامي في التفاعل مع الحدث، ووصف هذه الصحف التي تنشر الرسومات المسيئة بأنها «غبية» واجه ردود أفعال كبيرة وتعليقات معترضة.

لقد عجزت الكثير من السجالات الفكرية والسياسية في الوصول إلى رؤية محددة المعالم، منذ أن برزت هذه القضايا مع الانفتاح الإعلامي في عصر الانترنت لأكثر من عقد. أي تفكير بإقرار أنظمة وقوانين عالمية فإنها ستقيد الخطاب الإسلامي أكثر من الغربي لاعتبارات كثيرة، فما زالت تواجه دولنا مشكلة النظر الغربي لمحتويات المناهج والخطاب الديني.

المثير لعدد من الأسئلة في هذه العملية هو توقيتها المتأخر كرد فعل مقارنة بسخونة القضية قبل سنوات، لهذا ربط البعض الحدث بمواقف فرنسا السياسية وإرثها الاستعماري ومشكلة أكبر أقلية مسلمة في أوروبا التي لا تزال تعاني من عدم الاندماج. وهناك إشارة إلى أحدث تغريدة للصحيفة في تويتر بأنها كانت عن زعيم تنظيم الدولة الإسلامية أبو بكر البغدادي. يعيد هذا الحدث طرح ظاهرة «الذئاب المنفردة» التي ربما تقوم بأعمال بدون تخطيط مع تنظيمات وجماعات كبيرة.

قد يشكل تحول شارلي إيبدو تحديا للدول الغربية إلا أن لديها مؤسسات قادرة على امتصاص أي ردود فعل فردية متهورة، فلا تنفرد جهات معينة بمعالجة المشكلات، بعكس عالمنا العربي والإسلامي الذي ظل في دائرة العنف لعدة عقود محاصرا في حلوله بين الذئاب المنفردة والأنظمة، والجماعات العبثية.

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on January 10, 2015 12:24
No comments have been added yet.


عبد العزيز الخضر's Blog

عبد العزيز الخضر
عبد العزيز الخضر isn't a Goodreads Author (yet), but they do have a blog, so here are some recent posts imported from their feed.
Follow عبد العزيز الخضر's blog with rss.