فلسفة أوين
بداية فإن كلمة فلسفة هنا معناها تصور أو رؤية، ولا تمت بصلة إلى المعنى الأكاديمي العلمي للكلمة، لكن لشيوع استخدامها بمعنى "التصور" فإني أدعوها فلسفة لا تصورا.
وكلمة أوين ليست اسم علم لرجل انجليزي: "أُويِن"، بل هي "أَوَيَن" المحلية، والتي يمكن ترجمتها إلى الانجليزية بـ "as if " وإلى المصرية "إِكْمِنُّه" و"آل يعني"، وبالعربية "كما وأَنَّه"، واختصارها "كأنه".
والمفهوم الذي أود طرحه هو كيف يرى المرء نفسه بالإحالة إلى موضوح محدد أو وظيفة محددة. فمثلا، لنأخذ مثال رجل يعمل مهندسا: يمكن افتراض أحد خيارين أو نقطتين فيما يخص رؤيته لنفسه كمهندس. في النقطة الأولى يرى الرجل في ذهنه أنه "مهندس"، وفي النقطة الثانية فإنه يخرج من ذاته، مجازيا، ويقول "أوين أنا مهندس". ففي النقطة الأولى يتصرف الرجل كونه منهدسا؛ فهو متقمصٌ للدور الذي يعمله. أما في النقطة الثانية فهو يُبدِي نفسه كما لو كان مهندسا، بينما يغلب داخله أناه الأصل الحقيقي ، أي ما-قبل-مهندس، أو ما-خارج-مهندس. ولكأننا نقول في الحالة الثانية أن صفة أو وظيفة "مهندس" ما هي إلا نوع من الثياب يلبسها أنا الرجل، لكن الرجل يعرف تمام المعرفة أنه إنما يتلبّس المهنة، ويتمثّلها، بيد أنه مدرك أن القضية مجرد تمثيل ولباس خارجي، أي أنها مجرد لعبة.
وكلا النقطتين ما هما إلا تمثيل لنهايتي محور مستمر "continuum " يبدأ من رؤية الرجل لنفسه بأنه ليس مهندسا أبدا، وإنما يُمثِّل أنه مهندس، وينتهي بالنقطة التي يرى فيها الرجل نفسه منهدسا مائة بالمائة، بلا شك ولا جدال. والناس عموما، حسب رأيي، يقعون في نقطة على مدى هذا المحور بين هاتين النقطتين، وكلما اقترب شخص من أحد النقطتين فإنه يصبح مريضا إلى حد ما، إن استعملنا المصطلحات الطبية. فإنْ رأى نفسَه في نقطة اليقين فإنه يكون متيقنا إلى درجة تمنعه من رؤية أنه أصلا شيء آخر غير "مهندس" أو مع كونه " مهندسا"، فهو "إنسان" و"كائن" و"أنا" ذو عواطف ورؤى وأفكار، وهذا اليقين يقوقعه على ذاته ويمنعه من تطوير خاصية "مهندس" داخله. أما في النقطة الثانية فإنه يرى نفسه مهرجا أو ممثلا، وأنه ليس مهندسا على الإطلاق. ونقطة النفي هذه كانت لتكون جيدة لو أنه لا يعمل مهندسا، لكنه لأنه مهندس فإنها تجعله يَظهَر أمام الآخرين كمهرج. فالنقطة الأولى، نقطة اليقين، تحيل الشخص دوغمائيا فيما يخص موضوعا بعينه، أما في النقطة الثانية، نقطة النفي، فإنها تحيل الشخص واجهة وقناعا ومهرجا.
وعموما فإن المرء عادة ما يحتوي على نقطتين في المحور، فنهاك نقطته الداخلية ونقطته التي يُظهِرها للآخرين. واعتمادا على كمية الصدق والتوافق بين ما هو داخلي وما هو ظاهر تتقارب النقطتان أو تتفارقان. وعادة ما يؤثر الظاهر على الباطن والباطن على الظاهر؛ فالمرء الذي يتموضع داخليا في نقطة "كاتب أكيد"، يحاول أن يُظهِر نفسه للآخرين ككاتب. والعكس صحيح، فلو أن الصورة التي يأخذها الآخرون، حسب ما يتدبى من ردود أفعالهم، أن امرئا كاتبٌ، فإنه بآلية يقوم بتعديل نقطته الداخلية لتتواءم مع الظاهر المُشاهد.
إن فلسفة أوين هي تصور افتراضي لخروج المرء من وظيفته وخصائصه، وما يمثله لنفسه أو للآخرين، خروجه وتعاليه ورؤيته لنفسه من عَلٍ. وهذه الخاصية ضرورية، حسب ما أرى، لكي يعرف المرء حدود إمكانيته ونقصه وانعدام كماله. وإن ذلك الموقف الذي يقفه كل شخص منا، وبالذات صباحا، حين يُلقِي نظرة على المرآة ليرى وجهه، هو الموقف الذي ينبغي أن يستغلّه كل منا ليقول لنفسه: "أوين أنا مهندس"، "أوين أنا كاتب"، "أوين أنا موظف"، "أوين أنا مدير"، "أوين أنا سائق".
حسين العبري's Blog
- حسين العبري's profile
- 32 followers
