“غرقى يصلون”
أمر الربان رجاله أن يوقظوا الركاب في الحال ويدعوهم إلى التجمع على ظهر الباخرة. وعندما اجتمعوا – كبارهم وصغارهم – توجه إليهم بالكلمة التالية وهو يحاول عبثاً أن يخنق العبرات في صوته:
“البحر في جنون. أمواجه الصاخبة اقتحمت مستودعاتنا. جنحت الباخرة إلى اليمين. قريباً تتعطل محركاتها. الخطر مداهم والليل مدلهم. لا نفع من قوارب النجات في بحر موجه جبال. لا نفع من أي حيلة. لا نفع من الذعر والعويل والفوضى. طلبنا النجدة لكنها لن تدركنا. لا نجدة إلا من فوق – من الله العلي القدير. البثوا في أماكنكم. إما نهلك معاً. وإما ننجو معاً. صلوا. صلوا صلوا!”
وكان بين القوم رجل مهنته الصلاة ومخاطبة الله. فرفع صوته وطلب إلى الجمهور أن يردد ما يقول:
“ربنا! من العدم كونتنا لنعبدك. وفوق الملائكة رتبتنا لنسبح بحمدك. فلا تحرمنا نعمة عبادتك وتسبيحك.
يا خالق الأرض والسماء! لا تحجب سماءك عنا. وعن أرضك لا تقصنا. من ترابها أجسادنا، وإلى ترابها نحنّ فلا تجعل البحر مثوانا. معاصينا لا تعد. وضعفنا لا يحد. لكن رحمتك أوسع من أن تضيق بمعاصينا. وقدرتك أقوى من أن تحاسبنا بضعفنا.
آجالنا في يديك. فمد في آجالنا لنستغفرك ونتوب إليك. اللهم ارحم شيوخنا. ارحم أطفالنا. ارحم أمهاتنا. ارحمنا جميعاً. وارحم الذين سيكون لهم موتنا رزية وبلية.
أشفق اللهم على عيون أضأتها لتراك. فلا تطفئها قبل أن تراك. أشفق على قلوب لم تهتد بعد إلى قلبك.
يا رب الرياح والبحار! مر الرياح أن تسد منافخها، والبحر أن تستكن أمعاؤه.
نحن نماردة إذا التفت إلينا. وإذا صرفت وجهك عنا فنحن هباء. لا تصرف عنا وجهك.
أنت جبار، قهار، ونحن صغار صعار.
أنت كل شيء. ونحن لا شيء.
باسم أنبيائك وأوليائك وجميع مختاريك نضرع إليك.
نجنا يا إلهنا، نجنا، نجنا!
اسمعنا يا إلهنا، اسمعنا، اسمعنا!”
وحانت التفاتة من المصلي إلى رجل واقف بعيداَ عن الجماعة ووجهه إلى البحر. فتوقف عن الصلاة ليدعوه إلى مشاركة الآخرين فيها. فقال له واحد من الجماعة:” دعه وشأنه. إنه رجل ملحد”.
في تلك اللحظة سُمع هدير هائل، وارتجاج عظيم. لقد كانت السقينة تئن كأن أضلاعها تتسحن. ثم لم يلبث البحر أن فغر فاه وابتلعها.
لم ينج من بحارة تلك السفينة المنكودة وركابها غير واحد. وقد نحا بأعجوبة. وكان ذلك الواحد الرجل الذي لم يشترك في الصلاة.
| ميخائيل نعيمة | صلوات | من كتاب هوامش |
Filed under: من كتاب Tagged: ميخائيل نعيمة
“البحر في جنون. أمواجه الصاخبة اقتحمت مستودعاتنا. جنحت الباخرة إلى اليمين. قريباً تتعطل محركاتها. الخطر مداهم والليل مدلهم. لا نفع من قوارب النجات في بحر موجه جبال. لا نفع من أي حيلة. لا نفع من الذعر والعويل والفوضى. طلبنا النجدة لكنها لن تدركنا. لا نجدة إلا من فوق – من الله العلي القدير. البثوا في أماكنكم. إما نهلك معاً. وإما ننجو معاً. صلوا. صلوا صلوا!”
وكان بين القوم رجل مهنته الصلاة ومخاطبة الله. فرفع صوته وطلب إلى الجمهور أن يردد ما يقول:
“ربنا! من العدم كونتنا لنعبدك. وفوق الملائكة رتبتنا لنسبح بحمدك. فلا تحرمنا نعمة عبادتك وتسبيحك.
يا خالق الأرض والسماء! لا تحجب سماءك عنا. وعن أرضك لا تقصنا. من ترابها أجسادنا، وإلى ترابها نحنّ فلا تجعل البحر مثوانا. معاصينا لا تعد. وضعفنا لا يحد. لكن رحمتك أوسع من أن تضيق بمعاصينا. وقدرتك أقوى من أن تحاسبنا بضعفنا.
آجالنا في يديك. فمد في آجالنا لنستغفرك ونتوب إليك. اللهم ارحم شيوخنا. ارحم أطفالنا. ارحم أمهاتنا. ارحمنا جميعاً. وارحم الذين سيكون لهم موتنا رزية وبلية.
أشفق اللهم على عيون أضأتها لتراك. فلا تطفئها قبل أن تراك. أشفق على قلوب لم تهتد بعد إلى قلبك.
يا رب الرياح والبحار! مر الرياح أن تسد منافخها، والبحر أن تستكن أمعاؤه.
نحن نماردة إذا التفت إلينا. وإذا صرفت وجهك عنا فنحن هباء. لا تصرف عنا وجهك.
أنت جبار، قهار، ونحن صغار صعار.
أنت كل شيء. ونحن لا شيء.
باسم أنبيائك وأوليائك وجميع مختاريك نضرع إليك.
نجنا يا إلهنا، نجنا، نجنا!
اسمعنا يا إلهنا، اسمعنا، اسمعنا!”
وحانت التفاتة من المصلي إلى رجل واقف بعيداَ عن الجماعة ووجهه إلى البحر. فتوقف عن الصلاة ليدعوه إلى مشاركة الآخرين فيها. فقال له واحد من الجماعة:” دعه وشأنه. إنه رجل ملحد”.
في تلك اللحظة سُمع هدير هائل، وارتجاج عظيم. لقد كانت السقينة تئن كأن أضلاعها تتسحن. ثم لم يلبث البحر أن فغر فاه وابتلعها.
لم ينج من بحارة تلك السفينة المنكودة وركابها غير واحد. وقد نحا بأعجوبة. وكان ذلك الواحد الرجل الذي لم يشترك في الصلاة.
| ميخائيل نعيمة | صلوات | من كتاب هوامش |
Filed under: من كتاب Tagged: ميخائيل نعيمة

Published on June 03, 2014 02:28
No comments have been added yet.