“مومس تصلي”

“حتى متى، يا رب، حتى متى تعذبني؟
أما آن لخطيئتي أن تنغفر؟
أما آن لي أن أشعر بأنني أكثر من مطفأة لشهوات الرجال الحيوانية؟
ألا نصيب لي في شمسك – في قمرك – في نجومك – في بحارك وجبالك، ومروجك وغاباتك، وغيرها وغيرها من عالمك الوسيع، البديع؟
أمحرم علي أن أحيا يوماً واحداً لنفسي كما تحيا البعوضة، والنملة، والفأرة، والعصفورة، والعشبة، والمحارة في قاع البحر؟ ألعل هذه أكرم شأناً في عينيك مني؟


اختطفوني صغيرة واقتادوني إلى هذا البيت، ثم أوصدوا أبوابه دوني. سلخوني عن حضن أمي. حرموني عطف أبي ومحبة أخوتي. ربوني في هذا البيت إلى أن اكتملت أنوثتي. عندها أطلقوا علي لصوص المتعة الجنسية…
ربي! بت أكره أولئك اللصوص. بت أكره الرجال من أيما لون، أو جنس، أو شكل كانوا. أكرههم حتى التقزز. حتى القيء. حتى الجنون.
بت أكره جسدي. فهو ليس بعد جسدي. إنه مستودع قذر للنفايات القذرة. لقد طارت نضارته من زمان. إنه خرقة بالية. وروحي. أين هي روحي يا خالق الأجساد والأرواح؟ لعل لي منها بقية. وهذه البقية هي التي تضرع إليك: أنقذني! أنقذني!! أنقذني!!!”
بعد ساعة دخل عليها “زبون” لم تر وجهه من قبل. كان رجلاً في متوسط العمر، تبدو عليه دلائل النعمة، وتطفو على قسماته معان أبرزها اللطف والذوق. فاستقبلته بوابل من الدمع. وعندما حاول أن يعرف ما بها، كفكفت دموعها، وقطبت حاجبيها، ثم رفعت رأسها عالياً وغرزت عينيها في عينيه، وفتحت فمها وكأنها تريد أن تسلق الزائر بكلماتها:
- أي شأن لك بدموعي؟ أما جئتني لأنك رجل ولأني أنثى مباحة لمن شاء من الرجال؟ أما جئت لتطفئ شهوتك؟ هيا! أتريدني عريانة؟ تفضل. ها أنا ذي بين يديك كما خلقني ربي – ليته لم يخلقني. هيا! هيا! جسدي – أو ما تبقى منه – كله لك هيا!
وأحجم الرجل عن الاقتراب منها. ثم أخذ يداورها إلى أن باحت له بالحرقة التي في صدرها. فسألها أين تريد أن تمضي بقية حياتها إذا تيسر لها أن تنعتق من سجنها. فجاء جوابها دون تردد:
- في الدير.
وكان لها ما تمنت. فقد تمكن الرجل من إنقاذها بدفع “فدية” محترمة عنها للقوادة. مثلما تمكن من تدبير مكان لها في أحد أديار الراهبات.
| ميخائيل نعيمة | صلوات | من كتاب هوامش |
Filed under: من كتاب Tagged: ميخائيل نعيمة
1 like ·   •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on May 10, 2014 21:23
No comments have been added yet.