“قطاع طرق يصلي”

“هذه المرة وأتوب يا الله. على أن يكون لي منها ما يستحق النوبة.
في ذمتي حتى اليوم دماء ثمانية رجال وامرأتين. ولكنهم لم يكونوا من النوع الذي يشبع. لقد كانوا من صغار السمك. والذي جمعته منهم لم يزد على خمسة ألاف ليرة.
خمسة آلاف ليرة في عشر سنين. إنه لحصاد هزيل لرجل في عنقه مسؤولية زوجة وسبع بنين. وهو لا يملك من الأرض قيد باع، ولا أي مورد يرتزق منه غير بندقيته، وغير جرأته.
أنت ترى، من غير شك، يا الله أن تكاليف المعيشة ترتفع عاماً بعد عام. وليس لمثلي أي أصبع في ارتفاعها. ولا له القدرة على اللحاق بها. فكيف أعيش ويعيش الذين أنا مسؤول عن معاشهم؟ وهناك، كما تعلم يا الله، أناس كلما ارتفعت تكاليف المعيشة ارتفعت أرباحهم، وزادت بحبوحتهم. وهم لا يبالون بي وبعيالي. إنهم لاهون عني وعن أمثالي بتكديس خيرات الأرض وتبذيرها على ملذاتهم. إنهم يقطعون علي وعلى أمثالي الطريق إلى العيش الكريم. ألعلك خلقتنا ذباباً وخلقتهم نسوراً؟ وإذا كان الأمر كذلك، فأين عدلك؟


أريد أن أعيش عيشاً شريفاً يا الله. صدقني. صدقني. ولكنني لا أعرف ما هو العيش الشريف ولا السبيل إليه. فهل هم شرفاء أولئك الذين سدوا في وجهي أبواب الرزق الشريف؟ وإذا أنت لم تؤدبهم، فمن يؤدبهم؟
لم يبق لي من أتكل عليه يا الله غيرك وغير بندقيتي. فارزقني هذه الليلة رزقاً وفيراً يا أكرم الرازقين – رزقاً يغنيني عن بندقيتي وعن تلويث يدي بدماء الأبرياء والظالمين. وإني لأعدك بأن أتوب بعد ذلك إليك وألقي كل اتكالي عليك”.
كان “صيد” الرجل في تلك الليلة مئة وثلاثين ألف ليرة! وكان “الضحية” بدوياً لا سلاح في يده غير عصاه. وعندما سأل الرجل البدوي من أين جاء بتلك الثروة الضخمة أجاب أنه سرقها من مولاه وفر هارباً، وأن مولاه تاجر غنم كبير. فأشفق قطاع الطريق عليه ورد له من المبلغ عشرة ألاف ليرة وهو يقول:
“خذها لوجه الله الكريم”
وانصرف الرجلان كل في سبيله.
| ميخائيل نعيمة | صلوات | من كتاب هوامش |
Filed under: من كتاب Tagged: ميخائيل نعيمة
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on May 05, 2014 02:46
No comments have been added yet.