كنت وخيرات نشرب الشاي في منزلي، وكعادته.. كان يستند إلى التاريخ في تحليل كل الأمور التي يتناولها. سألته عنه رأيه فيما يحدث في البلاد، فابتسم قليلاً ثم قال: أنه موسم من مواسم القتل. موسم صيد البشر. فمثلما هناك مواسم لصيد الطيور حسب أنواعها.. هناك أيضاً مواسم لقتل البشر. ونشكر الله أنها ليست سنوية، بل تأتينا بين حين وحين من الزمان.
استغربت..!!: مواسم للقتل؟! صيد البشر؟! أرجوك، اشرح لي.. فصل أكثر!
قال لي: إنها معادلة من معادلات التاريخ.. يمتاز الشرق بتطبيقها بدقة، أكثر من الغرب. كل تغيير لا يسلم من الأذى حتى يراق على جوانبه الدم.. وليس بالضرورة أن يكون التغيير نحو الأحسن.. فالمنتصر يحسن ما يشاء.. وحتى إذا لم ينجح التغيير.. يبقى قتل الآخر مبرراً. هذه المعادلة رافقت تاريخ منطقتنا، والمشكلة أننا لم نتعلم الدروس منها بعد.. صمت برهةً ثم رشف بقايا فنجانه من الشاي وزاد: هذه المنطقة تسمى مهد الآديان، ومهد الحضارات.. فهل خطر لك ياصديقي تفسير الجمع الذي يأتي بعد المهد؟ أشرت له برأسي: أن لا.
أجابني: أديان، يعني أنه هناك أكثر من دين، وفي مرحلة ما هناك دين قديم ودين جديد، وعند بدء كل دين جديد يقوم الكفار بقتل المؤمنيين، ولما ينتصر الدين الجديد، يبدأ المؤمنون بقتل الكفار، ويدخل الجميع إلى الجنة. وليس هناك أسهل من الصاق تهمة كافر على كل آخر نريد قتله.. وكذلك الأمر مع الحضارات.. قديمة وجديدة.. وكل ما يستمر هو موسم القتل.
قاطعته: وهل كان ينبغي للقتل أن يتوقف، بنصر الحضارة أو انتشار الدين الجديدين؟ أجابني: نعم على الأقل نظرياً، حيث كل جديد ينسب لنفسه أنه أفضل مما قبله، وأن التغيير الذي جاء به هو للأحسن.. ولكن موسم القتل لا ينتهي.. وما يزال كل انسان يخترع العديد من أسباب الاختلاف ليحلل قتل الآخرين.. فهذا دينه غير ديني، وذاك لونه أسود ليس مثلي، وهؤلاء من غير مذهبي، وقوم لا يتحدثون بلغتي…. ولك أن تزيد كل ما عندك.
في الحروب الدينية والمذهبية، يطيب لكل طرف أن ينعت الطرف الآخر بالكفر مع أن الله واحد.. وبت يا صديقي أحسب أن من يتقاتلون من الكفار وليسوا من المؤمنيي.
دعني يا صديقي ألخص لك تاريخ المنطقة حسب مواسم القتل، جاء اليهود فقتلوا الكنعانيون واليبوسيون، والكافر نبوخذ نصر قتلهم، ثم عادوا وانتصروا فقتلو كل من هو غير يهودي، أي الكفار.. ثم جاء المسيح فقاتله اليهود، وعندما انتصرت المسيحية بدء قتل اليهود والكفار.. فجاء الاسلام فقاتله المشركون واليهود والمسيحيون… ولما… والكفار… لكل دين هناك كفار ليقتلهم.. ولكل نظام هناك معارضون ليقتلون. الراشدون قتلوا المشركين والمرتدين.. الأمويون قتلوا الراشدين… العباسيون قتلوا الأمويين.. السلاطين من أيوبيين ومماليك قتلوا العباسيين والصلبيين (الذين جاؤوا لقتل الكفار من المسلمين، وكذلك التتار والمغول).. العثمانيون قتلوا السلاطين.. أهل الجزيرة العربية قتلوا العثمانيين… الفرنسيون والانكليز والطليان قتلوا العرب.. و… و… وهكذا حتى يومنا هذا.. التغيير هو فقط موسم للقتل.. وطبعاً لم أذكر لك التغيرات التي لم تنجح كحركة الزبير والخوارج والقرامطة و… و… نحن الآن في موسم قتل جديد لا أكثر ولا أقل.
الانسان، آلة قتل جاهزة دائماً ولكنه ومن أدب السلوك يفتش عن أسباب مقنعة لارتكاب جرائمه، لبدء الموسم في كل مرة.. وأؤكد لك مجدداً أن هم كلهم سيدخلون الجنة، فمبرراتهم مقنعة بقوة السلاح.
رغم استغرابي لمنطق خيرات، ولكن كلامه العجيب بدا لي مقنعاً ولا يخلو من الحقيقة، وإن كنت لم أفكر بالأمر كما عرضه علي.. طال صمتي.. فتنحنح خيرات معلناً وقت الرحيل. ودعني وهو يبتسم، ومن بعيد صاح بي قائلاً: إحذر يا صديقي يا حنيبعل، فأنت دائما الآخر، وهناك أسباب عديدة لأعتبارك صيد ثمين…
فكرت بما قاله أخيراً، وقلت لنفسي: ربما أكون الآخر، ولكنني أبداً لن أمارس هواية صيد البشر لا بالموسم ولا بخارجه. انتهيت من شرب الشاي ودخلت البيت.
| زاهي رستم | تحت الانقاض |
Filed under:
قصة Tagged:
زاهي رستم
Published on January 12, 2014 10:09