العصفور والقط

نظر الملك العجوز إلى ابنه وولي عهده وهو يدخل عليه ذات صباح، وأدرك أن كليهما كبر. وأنه عاجلاً أم آجلاً سينتهي ويترك ابنه وحده في إدارة شئون المملكة التي تنوء بها الجبال. رد تحية الصباح وقال:


- هل أعلمك الحكمة يا أمير؟


رد الأمير باسماً وقد أدرك أنه على وشك تعلم حكمة جديدة من ملك اشتهر بها:


- وهل يسأل طالب الحكمة يا والدي؟


قام الملك من مجلسه فانزلق قطه الأثير من فوق فخذيه. اتجه الملك إلى قفص صغير يتقافز فيه عصفوران وقال:


- هذه الحكمة أتتني من أبي وها أنا ذا أعطيها لك.


فتح باب القفص ووقف يتأمل العصفورين. ظلا يتقافزان حتى انتبه أحدهما أن الباب مفتوح فخرج وقد علا تغريده. أغلق الملك الباب سريعا قبل أن يخرج الآخر ، و الذي أخذ يقفز في جنون وقد أدرك فوات الفرصة. طار العصفور الحر في جميع أنحاء الجناج وهما يتابعان بحثه عن مخرج. كان القط أيضاً يلف الجناح عدواً متابعاً العصفور وقد جن جنونه. توقف العصفور في مكان عال مستطلعاً، ثم طار مباشرة وبسرعة إلى الشرفة . اصطدم فجأة بالزجاج وسقط على الأرض. اقترب الأمير وقد أحذته الشفقة بالعصفور المسكين المخدوع الذي يرقد تحت قدميه وقد كسر له جناح أو ساق. كان العصفور يحاول أن يقف على قدميه فينقلب على ظهره. ثم يحاول أن يعدل نفسه على جنبه ليعيد محاولة قيامه. ولكن القط لم يمهله الفرصة. تقدم بمنتهى الهدوء والتقم العصفور دون عناء وسار به إلى أحد الأركان. بعد قليل خرج القط بلعق فمه في تكاسل ووقف تحت قدمي الملك ناظراً إلى القفص. ضحك الملك وقال للأمير:


- ينتظر وجبته القادمة.


فتح الملك القفص ثانية وانتظر. ظل العصفور بلا حركة ولو قفزاته المعتادة. بلا صوت. فقط يحرك رأسه في أنحاء المكان وكأنه لا يرى الباب. قال الملك وقد عاد للجلوس تاركاً باب القفص:


- سيظل هذا العصفور حتى موته لا يغادر القفص المفتوح.


أكمل له الأمير:


- لأنه رأى مصير رفيقه.


رد الملك:


- نعم. وهذه هي الحكمة التي علمها لي أبي. لم يشأ حسن حظي أن أجرب أثرها في الحياة. لكن الدنيا تتغير فربما احتجتها.


قال الأمير وفي صوته نبرة الإعجاب:


- حكمة جليلة .. ولكن....


نظر إليه الملك في دهشة وسأله:


- لكن؟


- اسمح لي يا سيدي أن أجري تعديلاً بسيطاً.


قطب الملك وقد أغضبه ألا يرى ابنه الحكمة كاملة. قام الأمير وفتح زجاج الشرفة و ظل بجانبه سائلاً الملك:


- ماذا تظن؟


قال الملك وقد عادت إليه الطمأنينة:


- لا شيء. هو لا يفهم هل سيمر هكذا أم أنها خدعة, ولا تنس أن عدوه في الانتظار.


قالها وأشار إلى القط الرابض. لكن الأمير ظل على حاله دون أن يغلق الزجاج سامحاً لهواء الصباح النقي أن يمر.


فجأة طار العصفور كالسهم باتجاه القط. قبل أن يدرك الملك أو الأمير أو القط ما يحدث كان العصفور قد نقر القط في عينه. ارتمى القط على الأرض و هو يموء في ألم فانقض العصفور على الثانية. ثم طار باتجاه الشرفة دون تردد مشيعاً بصراخ القط. اشتعل الملك غضباً وقال:


- انظر ماذا فعلت بقطي.


أجاب الأمير وهو مازال في صدمة المشهد.


- اعذرني يا أبي ولكن للحكمة ثمنها.


أمسك الملك بالجرس في غل مستدعياً الخادم ليحمل القط. كان القط رقد على جنبه وقد اكتسى رأسه والأرض تحته بدمه. حمل الخادم ممتعضاً وسأل ملكه:


- هل أعالجه يا مولاي؟


نظر الملك في أسى إلى قطه الذي أخذ يخمش الهواء ويعوي في ظلماته.


- لا علاج له. اقتله.


غادر الخادم المكان تاركاً الملك في حزنه والأمير بالشرفة يتأمل السماء وكأنه يبحث عن العصفور.
1 like ·   •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on January 02, 2014 21:52
No comments have been added yet.