لصوص أنيقون: السرقات العربية للأغاني والألحان
-خاص لـ “قراءات خليجية” gulfread.com :
لن يصدق أي هندي لو أنك قلت له إن أشهر أغنيات السينما الهندية القديمة كانت مسروقة من العرب. ففي عام ١٩٣٥ غنت كوكب الشرق “على بلد المحبوب” التي لحنها رياض السنباطي وهي في أول طريقها للتربع على قمة الأغنية المصرية والعربية. وبعدها بست عشرة سنة، ظهرت الفنانة الهندية نرجس في فيلم “Awaraa” تحاكي صوت أسطورة الغناء الهندية Lata في أغنية Ghar Aaya Mera Pardesi التي اعتبرت إحدى أهم الروائع الموسيقية الهندية. التاريخ لوحده لم يدع مجالا للشك في أن الهنود هم من سرقوا لحن السنباطي وليس العكس.
الأغنية بصوت كوكب الشرق:
[youtubeblack id="xKw7k88GyMA"]
الأغنية بصوت لاتا ومحاكاة الفنانة نرجس
[youtubeblack id="bMTDY3lV5E8"]
لكن سرقة الآخرين لنتاجنا الإبداعي في ذلك الوقت كانت حالة شاذة، وعدا عن مثال أغنية “على بلد المحبوب” يبدو أن مزيد الأمثلة شحيح جداً. أما حديثاً، فنجد عدداً كبيراً من الأغاني التي اشتهرت عربياً تم تحويلها لأغاني أفلام هندية. لكنك لو نظرت -قديما وحديثا- من الزاوية المقابلة، أي من زاوية الموسيقى الهندية أو اليونانية أو التركية أو البلغارية أو الألبانية أو الإيرانية لرأيت أصناف “السطو”، ولشككت لوهلة أن كل ما نعتقد أنه لحن جميل أخاذ في الموسيقى العربية المعاصرة، لم يكن سوى عملية “سطو” على ألبوم أحد الفنانين من تلك الدول التي لا نعرف عن فنها الكثير، باستثناء إلمام الجمهور الخليجي بسينما بوليوود الهندية. ولا أنسى مقابلة سمعتها صغيراً كان ضيفها الأسطورة الراحل محمد عبدالوهاب واتهم فيها أيضاً بأنه كان يسرق جملا موسيقية كاملة من ألحان غربية وبعضها ينتمي لأعظم كلاسيكيات الموسيقى الأوروبية وينسبها لنفسه، وبغض النظر عن مدى إنصاف هذا الاتهام وجدلية أن الكلاسيكيات إرث إنساني يملكه الجميع، فإن الصادم كان في رد فعل الفنان الراحل العنيف على الاتهام مع أن الأدلة كانت شديدة الوضوح. ليس عبدالوهاب وحده من فعلها، فالإخوان رحباني أيضاً فعلوا الشيء نفسه في كثير من الأغاني التي شجت بها العظيمة فيروز واحتوت مقاطع نعرفها لكلاسيكيات خالدة.
أما اليوم فاللائحة طويلة جداً: نوال الزغبي – عاصي الحلاني – نانسي عجرم – فضل شاكر – محمد فؤاد – عمرو دياب – عمرو مصطفى، وكما أن هذه الأسماء وأسماء أخرى -كالفنانة إليسا- تعرضت أغانيها للسرقة في بعض الأحيان، إلا أنها أيضاً تورطت بطريقة أو بأخرى في سرقات فاضحة، لكن كثيراً منهم وعند شيوع النسخة الأصلية غير العربية من اللحن المسروق فإنهم يصدرون بياناُ بأنهم أخذوا اللحن من الملحن دون علم بأصله، وتستغرب أن الملحن في كل مرة يمتنع عن الرد على هذا الاتهام، ما يشير إلى حصول تسوية ما مقابل مثل هذا التشهير، أو إلى واقع أن هؤلاء الفنانين لم يكذبوا وكانوا مثلنا ضحية لسرقة الملحن الذي كان يظن أن أحداً لم يسمع بموقع يوتوب ولم يجلس على أي من مقاهي أثينا في رحلة سياحية بينما يتراقص الجميع على اللحن نفسه الذي بهر الملايين في أغنية “يا غايب” لفضل شاكر وتصدر بها لوائح الأكثر مبيعاً لشهور طويلة!
[youtubeblack id="DrPS9Ilbexs"]
كان ما كشف تعمد سرقة فضل شاكر للأغنية تصريح أدلى به لصحيفة البيان الإماراتية من أنه أخذ اللحن من المغني البلغاري المثير للجدل “عزيز” مع أن هذا الأخير كان هو الآخر واحداً من عدة مغنيين في أنحاء الشرق الأوروبي كانوا قد سرقوا اللحن من سوتيس فولانتيس اليوناني!
إذا غصنا عميقاً في مشكلة السرقة اللحنية، سنجد أن كثيراً من فن الأغنية الخليجي مسروق من مكان ما، وليس عليك إلا أن تسأل أي “حضرمي” محب للأغاني عن السرقات، ليعطيك عشرة أمثلة على الأقل لأغاني كانت بحسب زعمه حضرمية وتحولت “خليجية”. قد يصح أن نتجاوز في تلك الحالة عن اتهام “السرقة” باعتبار أن الفولكلور في الجزيرة العربية واحد وأن كثيراً من فولكلور الموسيقى في جنوب الجزيرة منقول أصلا من أماكن وأزمنة أخرى، وأن مكونات الموسيقى بين حضرموت واليمن والخليج عموماً مشتركة ومتطابقة تماما، لكن الاتهام يعود ويطفو إلى السطح عندما يميل بعض فناني الخليج إلى إلصاق اللحن المسروق باسمه أو اسم ملحن معاصر، بينما يلجأ أكثر هؤلاء نزاهة إلى وضع عبارة “فولكلور خليجي” تحت خانة اللحن. من بين الأمثلة المبكرة لمثل هذا السطو المنمق كان في أغنية “أنا منساك لو تنسى” للفنان نبيل شعيل، ولا أعرف مدى تورط الفنان الخلوق ومدى مسؤوليته عن ذلك، لكن السطو كان لأغنية “ولا ذي الأولة” للأسطورة أبوبكر سالم وهو ما كشف السرقة منذ الوهلة الأولى. كان أيضاً من بين السابقين في السطو الفنان والملحن البحريني خالد الشيخ في أغنيته “يا معلّق بحبل الحب” واللحن لأغنية صنعانية قديمة، وكذلك أغنيته “نعم نعم”. ثم أعقبه عبادي الجوهر بأغنية “كلمة ولو جبر خاطر”، وعلي عبدالستار بأغنية “المعنى يقول”. وتوالت السرقات بعد ذلك لتصبح ظاهرة تحدثت عنها برامج الفن الخليجي طويلا دون أن يوجد لذلك حل، ليس لرد اعتبار الفن اليمني المسروق بل على الأقل لفضح الملحنين وكشف شح موهبتهم أو الكسل غير المبرر الذي دفعهم للسرقة.
المشكلة لا تقف عند السرقة الكاملة من نتاج فني بلغة أخرى، فالملحنون العرب هذه الأيام يصارعون بعضهم بعضا ويتبادلون اتهامات بنوع جديد من السرقات، بسرقة “الجملة اللحنية” أو “الكوبليه” وهذا نوع أكثر تعقيدا من الأول، حيث يقوم ملحن باقتباس مقطع محدد من أغنية ناجحة والإضافة عليه، أو ببساطة يقوم بعكس الجملة اللحنية حتى تبدو وكأنها أخرى جديدة.
عموماً، ليست مسألة السرقات الفنية حكراً على العرب، هي مشكلة عميقة تؤرق المبدعين وشركات الإنتاج والمستثمرين في هذا المجال الفني، وهم يخسرون سنويا ملايين الدولارات بسبب اختراقات الملكية الفكرية وثورة المعلومات التي أخرجت الحقوق عن حدود السيطرة. لكننا لم نكن نتكلم عن مستخدم الانترنت العادي الذي يبحث عن أغنية ويقوم بتحميلها على جهازه المحمول لسماعها خارج المنزل أو في السيارة. ما سبق يبرز ظاهرة معيبة في من يزعم أنه “فنان” ثم يلجأ لتغطية عجزه عن الإبداع بسرقة نجاحات غيره ونسبها لنفسه. قد تتشعب المشكلة أحيانا حتى تعجز عن إثبات من سرق من، فقد تجد لحناً يتداوله أكثر من سارق كل عن الآخر بينما يبقى المصدر الأصل الذي سُرق منه أول مرة مجهولاً. وليست السرقات مقتصرة على الألحان وأفكار الفيديو كليب بل أن اللطش قد يطال مشهداً كاملا من فيلم، وأحيانا الفيلم وقصته بكامل التفاصيل!
خذ لك جولة أخيرة:
[youtubeborder id="SQpqugu0__Y"]
تدوينة جديدة: لصوص أنيقون: السرقات العربية للأغاني والألحان ظهرت على موقع موج بلا شاطئ - مدونة محمد الهاشمي موج بلا شاطئ.


