الخادمة والمخدومة..علاقة متأزمة


منذ ربع قرن توافدت النساء الآسيويات بالآلاف للمرة الأولى لدول الجزيرة العربية للعمل كمستخدمات في المنازل. وكان من بينهن الإندونيسية والفلبينية والسريلانكية، ومن هن المسلمة والمسيحية والبوذية، وفي مجتمع منغلق مثل المجتمع الخليجي فإنه من الطبيعي أن تصبح هذه العلاقة معقدة وغير سهلة منذ البداية، ليس فقط لاختلاف اللغة والثقافة والعادات والتقاليد بل والدين أحياناً، ولكن لأن فكرة الاستقدام ا بهذه الطريقة كانت جديدة على كل الأطراف.


فهؤلاء النساء الفقيرات ركبن الطائرات للمرة الأولى في حياتهن ليجدن أنفسهن وحيدات وأشبه بالأسيرات في بلد ربما لم يسمعوا به في حياتهن. وفي المقابل فالمجتمعات الخليجية التي لم يعرف عوامها فكرة الخدم بهذه الصورة من قبل لفم تكن عندهم خلفية لكيفية التعامل مع الوافدة الجديدة. فقد عرفوا سابقاً الجوار الذين يملكونهن بشكل مطلق، ثم عرفوا الخدم من الصبيان العرب والمواطنين الفقراء الذين كانوا يعملون بنظام اليومية أو الشهرية في البيوت، وفي السعودية كانت هناك أيضاً النساء الأفريقيات المقيمات في البلد بصورة غير نظامية والمتخلفات غالباً من الحج والعمرة واللاتي يعملن أيضاً باليومية أو الشهرية ومنهن من تبيت مع الأسرة ومنهن من تغادر بعد انتهاء واجباتها. كان الحد الفاصل بين العبد والخادم شديد الوضوح آنذاك في أذهان الناس حتى جاءت الآسيويات فاختلط الحابل بالنابل، فلا هي خادمة حرة باليومية لها أهل وجماعة تؤوي إليهم كل يوم أو أسبوع، ولا هي جارية مملوكة تربت بينهم ولها أحكامها الخاصة كما في الشرع الحنيف، وكان هذا بداية علاقة غير سوية من الطرفين لازلنا نعاني من آثارها إلى اليوم.


فلو سألنا ربات البيوت من النساء عن مشكلاتهن مع الخادمات، لوجدنا أوعية معبأة بالكراهية لهذه المخلوقة، التي لا ترقى لمنزلة الإنسانية في نظر بعضهن، فهي القذرة التي لا تحسن تنظيف نفسها ولا البيت، وهي السارقة والساحرة، وهي الغانية التي تحاول إغراء رجال المنزل، والمجرمة التي تعذب الأطفال في غياب أهلهم انتهاء بقتلهم، ووجودها نكبة عظيمة للأسرة. وعند سؤالهن عن سبب عدم الاستغناء عن خدماتهن ما دامت هذه صفاتهن؟ تبدأ الأعذار بالتوالي، فهن شر لا بد منهم ما دمنا في مجتمع يرغب في أن تكون المرأة متمتعة بقوى خارقة حيث تتولى منفردة تنظيف المنزل والطبخ والغسيل والكي وتدريس الأولاد وتلبية رغبات الزوج والاحتفاظ بجمالها وأناقتها والتواصل الاجتماعي مع أهله وأهلها، وفوق هذا كله قد تكون موظفة، في حين تقتصر مسؤولية سي السيد غالباً على توفير الماديات لا أكثر. وكلنا يعرف كيف ولولت النساء خلال السنتين الماضيتين حين توقفت خدمات الاستقدام لبلدان بعينها، واشتعلت السوق السوداء للخادمات غير النظاميات حتى وصلت رواتب بعضهن إلى ثلاثة آلاف ريال، فمادامت ثقافة الأسرة والمجتمع لم تتغيرا، فستظل هناك حاجة ملحة لهن بغض النظر عن موضوع رعاية الأطفال بالنسبة للمرأة العاملة ومشكلة شح الحضانات.


وبالمقابل لو سألنا الخادمة عن سبب هذا الحقد على مخدومتها والذي قد يصل إلى حد الأذية بشكل مباشر أو غير مباشر؟ لكان الجواب بأنها تعمل في ظروف عمل قاسية أشبه بالعبودية، حيث تعمل بشكل متواصل لعامين كاملين على أقل تقدير دون إجازات وغياب تام للترفيه المباح، وحيث يتم تكليفها فوق طاقتها بشكل يفوق الوصف في كثير من البيوت، إذ ليس ثمة ساعات عمل محددة ولا مهام مجدولة، وفوق ذلك كله إهانة من الكبير والصغير – إلا من رحم ربنا- هذا عدا عن الحالات التي لا نريد تعميمها، ولكنها موجودة عن التحرش أو الضرب أو التعذيب. فإذا سألناها لماذا تقبل بهذه الشروط من الأساس ولم لا تغادر لوطنها؟ ستقول لنا والدمع يملئ مقلتيها بأنها مجبرة..وستحكي عن الصغار الذين يدرسون في المدارس، وعن الأم المريضة والزوج المعاق، وكلهم معتمدون عليها. وهذا يذكرنا بأنه بعيداً عن ظروف عملها السيئة فهي متعبة سلفاً بشكل نفسي بسبب آلام الغربة وفراق الأهل والقلق عليهم. كما أننا نتحدث هنا غالباً عن نساء أعمارهن بين العشرين والأربعين، أي في عز سن النضج الأنثوي واشتعال الرغبات الجسدية اللاتي هي محرومات منها. فنحن أمام امرأة محرومة من كل شيء مادياً ومعنوياً تعيش في نفس المنزل مع امرأة تملك – في نظرها-كل شيء، عليك أن تكون ملاكاً حتى لا يتسلل شيء ولو بسيط من الغيرة أو الحقد إلى قلبك.


عندما ذبحت الخادمة تالا الشهري قبل أسابيع، انتشرت القصص عن إجرام الخادمات الإندونيسيات في المجالس ووسائل الاتصال، وارتفعت المطالبات بطردهن جميعاً من البلد! وتناسينا بأن كل التعميمات خاطئة، وأن من بنينا آلاف الخادمات الرائعات اللاتي تعبن معنا صغاراً وخدمننا كباراً، ونسينا بأنه لا تزر وازرة وزر أخرى، ألا نغضب حينما يفجر إرهابي منتسب للإسلام نفسه ويقتل الأبرياء فيتم وصمنا بالإرهاب؟


ثم هل من يقتل الصغار هن الخادمات فقط؟ كتبت عشرات المقالات عن جرائم قتل الآباء لبناتهن، فهل نعمم ونقول بأن كل الآباء سفاحين ويجب سحب البنات منهم؟


موضوع الخادمات ومشكلاتهن ومشكلاتنا معهن لا يحل بسذاجة مفرطة وحقد أعمى كالدعوة لطردهن ومنع استقدامهن، وإنما يكون بالتعامل مع كل حالة على حدا، والأهم من ذلك بإصلاح الكثير من الأمور على مستوى الأسرة وتعاون أفرادها لرعاية بعضهم والمنزل، ومراجعة بعض بنود قانون العمل والعمال، وتحسين عقود الخدمة والاستقدام، ونشر الوعي في المدارس ووسائل الإعلام بحقوق العاملات ووجوب احترام إنسانيتهن، وفي الوقت نفسه الطلب من مكاتب الاستقدام التنسيق مع دولة الخادمة من أجل إعطائهن دورات لغوية وتأهيلية للعمل في المجتمع الخليجي.


أما فيما يختص ما يجب أن تقوم به الأسرة من تلقاء نفسها للخادمة أو السائق فليس أكمل مما جاء به الحديث الشريف فعن أبي ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « إن إخوانكم خولكم جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم فإن كلفتموهم ما يغلبهم فأعينوهم”.


المقال كما نشرته جريدة الوطن

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on October 10, 2012 21:49
No comments have been added yet.


مرام عبد الرحمن مكاوي's Blog

مرام عبد الرحمن مكاوي
مرام عبد الرحمن مكاوي isn't a Goodreads Author (yet), but they do have a blog, so here are some recent posts imported from their feed.
Follow مرام عبد الرحمن مكاوي's blog with rss.