تغيير المنكر.. صناعة مناعة المجتمع

جاء حيي بن أخطب اليهودي إلى بني قريظة في إطار خطته المحكمة للقضاء على النبي (صلى الله عليه وسلم) بتحريض الأحزاب، إلا أن بني قريظة كانوا في موقف حرج: فلئن فشلت الغزوة فسينفرد بهم المسلمون ولن ينجيهم أحد، وهنا وعدهم حيي بن أخطب بأنه لو حدث ذلك فسيدخل معهم في حصنهم لينزل به ما نزل بهم، وقد كان، وقُتِل معهم وهو رابط الجأش!

وقبل هذه الواقعة بأعوام كلَّف النبي (صلى الله عليه وسلم) فريقا من الصحابة بقتل اليهودي كعب بن الأشرف الذي نقض عهده مع المسلمين وكان يهجو النبي ويحرض عليه ويرثى قتلى المشركين، فذهب هذا الفريق –وهو المكون من محمد بن مسلمة وأبو نائلة وآخريْن- إلى كعب بن الأشرف، وبعد تحضير وتدبير نادوا عليه، فخافت زوجته وحاولت منعه من النزول قائلة: "أسمع صوتا يقطر منه الدم" فكان من ضمن ما قاله لها "إن الكريم إذا دُعِي إلى طعنة بليل أجاب"، وقد كان في هذا مقتله.

***

هذان مثالان من يهود عاشوا بين العرب فاكتسبوا منهم صفات العرب التي تخالف طبائعهم الأصلية (أحرص الناس على حياة، يود أحدهم لو يعمر ألف سنة)، هذا مع أن اليهود هم أقل الناس تأثرا بالآخرين بما عاقبهم الله من تقطيعهم في الأرض (أسباطا أمما) فكانوا منعزلين، وبما يعتقدون في أنفسهم من علو يجعل منهم شعب الله المختار!

والمراد من هذين المثال تبيين أثر المجتمعات في تشكيل طبائع الأفراد وإن خالفت طبائعهم وصفاتهم الأولى.. ثم هاهو مثال يهودي ثالث فيه أيضا عبرة!

حين قطعهم الله أسباطا أمما جعل اليهود في حاراتهم ومناطقهم يحيون مجتمعهم القديم فحافظوا بذلك على وجودهم من الذوبان، وكانت هذه المجتمعات هي نواة تجددهم وإعادة انبعاثهم في دولة، فحتى "الحديث اليومي بين اليهود في المجتمع لم يكن يتمُّ بلغة البلاد، وإنما برطانة يهودية خاصة تُسَمَّى باليديش، وحين كان يهودي الجيتو يتعلَّم لغة جديدة، فإنه كان يتعلَّم "لشون هاقدوش"؛ أي: اللسان المقدس أو اللغة العبرية، لأن مجرَّد النظر إلى أبجدية الأغيار كان يُعَدُّ كفرًا ما بعده كفر، يستحقُّ اليهودي عليه حرق عينيه"

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on September 03, 2012 16:28
No comments have been added yet.