الحرب الإلكترونية.. الاحتلال الرائع
منذ زمن طويل لم يعد مفهوم الحروب مقتصرا على استعمال السلاح في وجه الأعداء، بل ظهر مصطلح "الغزو الفكري" ليعبر عن أساليب التسلل إلى العقول والقلوب عبر الكتب والصحافة والأدب والفنون، ثم ظهر مصطلح "الاستعمار الاقتصادي" ليعبر عن أساليب السيطرة على مقدرات الأمم من خلال المؤسسات الاقتصادية الكبرى والشركات عابرة القارات والتي تعمل على تشكيل اقتصاديات الأمم على نحو ما تريد لتظل متحكمة بمفاصلها ونقاطها المحورية فتصبح الحركة الاقتصادية للأمم مثل تحريك العرائس.. ثم ها نحن في أجواء الحرب الإلكترونية التي ظهرت مع ظهور الانترنت الذي صنع عالما آخري موازيا للعالم الطبيعي، حتى لقد كان الوسيلة الأهم في ثورات الربيع العربي!
ويتبادر إلى الذهن عند الحديث عن حروب الانترنت موضوعات القرصنة وسرقة الحسابات البنكية وتخريب المواقع وقواعد البيانات، وسرقة المعلومات المهمة، ونشر الفيروسات .. إلى آخر هذه الجرائم التي يحفل بها عالم الانترنت، على أننا آثرنا في هذه السطور القادمة أن نتحدث عن جانب آخر من الحروب الإلكترونية، وهو الحرب التي تجري في العلن وأطرافها هم نجوم هذا العالم وعمالقته، كما أن الضحايا فيه مستمتعون بأنهم تحت الهيمنة والاحتلال، والمنتبه فيهم مغلوب على أمره مضطر، لا يجد بديلا.. فهو كما قال تميم البرغوثي:
ويحملني كالنسر يحمل صيده .. ويعلو به فوق السحاب يطاوله
فإن فرَّ من مِخْلابه طاح هالكا .. وإن ظل في مِخلابه فهو آكله
(1)
العدو اللذيذ.. جوجل وأخواتها!
بعد أقل من أربع سنوات (2006 – 2010م) من عمل شركة "جوجل" في الصين، استطاعت أن تمثل مشكلة للحكومة الصينية جعلت التصريحات النارية تخرج على السطح بين الصين وأمريكا (يناير 2012م)، وهي المشكلة التي هددت "جوجل" بأنها قد تنسحب من الصين على إثرها، وهو التهديد الذي يعني كثيرا، لا سيما وقد بلغت جوجل في هذه الأعوام البسيطة أن اجتذبت ثلث عمليات البحث على الانترنت في الصين، وصار يرتادها نحو أربعمائة مليون صيني