وطن الأمن والاستقرار

أثارت وفاة الأمير نايف بن عبدالعزيز ـ يرحمه الله ـ مفاجأة الكثيرين في الداخل والخارج، وشكلت صدمة على الصعيد الداخلي خصوصاً, فالمرحوم غادر البلاد في رحلة نقاهة ولم يكن أحد يظن بأن إرادة الله ستشاء لها بأن تكون الأخيرة. وبدأت بعض الأوساط في الخارج تبدي القلق نظراً لمكانة الأمير الراحل ومناصبه الهامة والحساسة في الدولة، فهو أولاً ولي عهد البلاد، وثانياً وزير داخليتها والمشرف الأول على أمنها المحلي لعقود طوال، إلا أن الأمور سارت أفضل بكثير مما كان يتوقع – أو يتمنى- البعض. 

فمرة أخرى تثبت المملكة العربية السعودية بأنها وطن الأمن والاستقرار، وأن نظامها المتين قادرٌ على تحمل المصائب والنكبات وخسارة خيرة رجالها الكبار. فالأمير نايف لم يكن رجلاً عادياً في السعودية, فقد ظل ممسكاً بملف المملكة الأمني لفترة تزيد عن الثلاثين سنة تعرضت فيها البلاد لهزات خارجية وداخلية من الوزن الثقيل، فمن فجور جهيمان في البلد الأمين مطلع القرن الهجري الجديد، إلى مظاهرات ومشاغبات بعض الحجاج الإيرانيين في الحج كما وإرهاب الجماعات الخارجية في الشهر الحرام في العقد الذي تلاه, ثم نكبة احتلال الكويت، مروراً بتفجيرات الخبر، وصولاً للعمليات الإرهابية للقاعدة في جدة والرياض في العقد الأول من القرن الميلادي الجديد. فخسارة رجل عاصر كل هذه الأحداث ويعرف كافة تفصيلاتها وأدار معركة الدولة معها بحزم وحسم لا شك أنها فادحة، وليس بمستغرب أن يتوقع البعض ارتباكا في المشهد الداخلي السعودي فور غياب الأمير نايف عنه.



السلاسة التي سارت بها الأمور منذ إعلان وفاة الفقيد وحتى وصول جثمانه ومن ثم مراسم الصلاة والتشييع والدفن، أثبتت بأن بلداً مثل السعودية لا يرتهن لشخص واحد، فمع حزن البلاد وأسفها على فقدان رجالاتها الكبار مثل الأميرين سلطان ونايف – رحمهما الله- إلا أن البديل متوافر ليكمل المشوار من فور الحاجة إليه. ولهذا لم ولن نشهد بإذن الله ـ كمواطنين داخل المملكة ـ فوضى من أي نوع، ولا قلقاً عميقاً على أمن البلاد واستقرارها بعد الإعلان عن الأخبار المؤسفة. وهذه ميزة حقيقية في إقليم يعج منذ عقود بالفوضى والانقلابات العسكرية والمجازر الشعبية، وهي حالة تزداد سوءاً في الوقت الراهن والحال على ما هي عليه في سوريا، كما أن الأخبار القادمة من ليبيا واليمن لا تسر صديقاً، فيما تحاول تونس بحكمة عبور عنق الزجاجة، أما مستقبل مصر وثورة شبابها لم تتضح معالمه بعد.



وبالإضافة إلى الملف الأمني فقد كان الفقيد يشغل العديد من المناصب المهمة؛ فهو رئيس لجنة الحج العليا، والمشرف العام على اللجان والحملات الإغاثية والإنسانية بالمملكة العربية السعودية، ورئيس اللجنة الوطنية لمكافحة المخدرات، ورئيس المجلس الأعلى للإعلام، ورئيس المجلس الأعلى للدفاع المدني، ورئيس مجلس إدارة الهيئة العليا للسياحة، وعضو في المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، ورئيس مجلس القوى العاملة، ورئيس مجلس إدارة صندوق التنمية البشرية. كما وشغل أيضاً منصب رئيس اللجنة العليا للتحقيق وتقصي الحقائق في أحداث سيول جدة خلال الأعوام الثلاثة الماضية، بالإضافة إلى رئاسته الفخرية للعديد من الجمعيات والهيئات الأخرى.



أكتب مقالي هذا في نفس اليوم الذي تم فيه الإعلان رسمياً عن تعيين الأمير سلمان بن عبدالعزيز ولياً للعهد، في حين سيشغل الأمير أحمد بن عبدالعزيز حقيبة وزارة الداخلية، وهي تعيينات لم تكن بالمستغربة نظراً للخبرات المتراكمة لكل منهما. فالأمير سلمان تولى وزارة الدفاع بعد وفاة الأمير سلطان، كما أنه هو رائد التطور في المنطقة الوسطى، وأضحت عاصمة البلاد في عصره مدينة مزدهرة ناهضة، وهو أيضاً الرئيس الفخري والشرفي للعديد من الجمعيات الخيرية والإنسانية بمدينة الرياض مثل جمعية البر ورعاية الأيتام وأبحاث الإعاقة وغيرها الكثير. هذا عدا ما يعرف عن شخصيته من حنكة وترو وبعد نظر، إذ يصفه البعض بأنه أمين سر العائلة المالكة السعودية والمستشار الشخصي لملوكها.



أما الأمير أحمد الذي سيتسلم الملف الأمني الهام والحساس تحت إشراف خادم الحرمين الشريفين وولي عهده، فاختياره لهذا المنصب ليس غريباً، نظراً لخبرته الطويلة في المجال الأمني، فقد كان نائباً لوزير الداخلية منذ عهد الملك خالد, وشهد مع الأمير نايف ـ يرحمه الله ـ كل تلك الأحداث الجسام التي تقدم ذكرها، مما سيمكنه بإذن الله من مواصلة العمل على حفظ أمن هذه البلاد داخلياً.



لا شك أن المملكة تتمتع بثروات عظيمة وميزات عديدة سواء تحدثنا عن احتياطاتها الضخمة من النفط والغاز والمعادن، أو عن موقعها الجغرافي المتميز، أو مكانتها الدينية الفريدة، أو هيبتها التاريخية الراسخة، إلا أن كل هذه الميزات والثروات لا تصبح مفيدة أو ذات معنى وتنعكس آثارها على مواطنيها إذا لم يسبقها ويصاحبها استقرار سياسي، واستتباب أمني، وتلاحم وثقة بين الشعب وقيادته، وهو أمر متحقق إلى حد مرضٍ في الحالة السعودية، وستزيد في تعزيزه ودعمه الإصلاحات السياسية، وتوسيع المشاركات الشعبية، وتحقيق العدالة الاجتماعية لكافة المواطنين والمواطنات، والسير على نهج البلاد ودستورها الذي تجسده راية التوحيد الخفاقة.


المقال في جريدة الوطن


 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on June 24, 2012 02:36
No comments have been added yet.


مرام عبد الرحمن مكاوي's Blog

مرام عبد الرحمن مكاوي
مرام عبد الرحمن مكاوي isn't a Goodreads Author (yet), but they do have a blog, so here are some recent posts imported from their feed.
Follow مرام عبد الرحمن مكاوي's blog with rss.