في ساعة زمنتأليف: كيت شوبان.ترجمة: أميرة بدوي.كان على جوز...



في ساعة زمن
تأليف: كيت شوبان.
ترجمة: أميرة بدوي.


كان على جوزفين أن تراعي حالة أختها المرضية، فقد كانت تعاني من مشكلات في القلب؛ أخبرتها بوفاة زوجها بجمل متقطعة، وعبارات متحفظة، وكان السيد ريتشارد - صديق زوجها - حاضرًا وقتها، أتى من مكتب الصحيفة التي نَشرت أخبار حادثة القطار الكارثية التي تصدّر اسم صديقه "برنتلي مالارد" قائمة الوفيات فيها.أخذ ريتشارد الوقت الكافي للتأكد من الخبر، وبعد إرسال برقية ثانية، جاء سريعًا إلى بيت صديقه لنقل الخبر قبل أي صديق آخر يمكن أن يكون أقل حرصًا ولطفًا منه.لم تسمع هذا الخبر مثل باقي النساء اللاتي يرفضن تقبله، انهارت في أحضان أختها، وغرقت في الدموع، وحين انتهت من النحيب ذهبت إلى غرفتها، وفضّلت أن تكون وحيدة، وألا يلحق بها أحد.على كرسي مريح له ذراعين جلست أمام النافذة المفتوحة، واستسلمت للتعب الشديد الذي سكن جسدها قبل روحها.الآن، ترى بوضوح رؤوس الأشجار في الساحة المكشوفة قبيل منزلها، ترقص لتستقبل حياة الربيع المقبلة، رائحة مطر تعطر الجو، وبائع متجول ينادي على بضاعته في الشارع، وهناك أنغام بعيدة يتغنى بها أحدهم تصافح أذنيها، وزقزقة أسراب العصافير تملأ الأركان، وترى قطعًا من السماء الزرقاء منفرطة هنا وهناك، تنظر إليها من بين الغيوم المتكاتفة، في الجهة الغربية المواجهة للنافذة. أسندت رأسها على ظهر المقعد ثم مالت في سكون على وسادته، قبل أن تهزها شهقة جافة كالتي تستمر مع طفل أبكى نفسه لينام.كانت شابة جميلة، وجهها ذو ملامح هادئة، يظهر بين قسماته الكبت والقوة، لكن هناك نظرة قاتمة في عينيها جعلتها تحدق في السماء، وتشرد في قطعة زرقاء هاربة من الغيوم، لم تكن نظرة للتأمل بقدر ما كانت فكرة ثاقبة سيطرت عليها.هناك شيء ما قادم إليها، كانت تنتظره بخوف، لكن ما هذا الشيء؟ لم تكن تعرف، كان ماكرًا بالقدر الذي جعله مجهولًا، لكنها شعرت به ينزل من السماء، ينتقل إليها عبر الأصوات والروائح والألوان التي تملأ الجو. الآن.. بدأ صدرها يعلو ويهبط مضطربًا، بدأت تدرك ذلك الشعور الغريب، تقاومه بضعف يماثل ضعف يديها الهزيلتين البيضاء.عندما تغلبت على هذا الشعور، همست بكلمة قد هربت من بين شفتيها، قالتها مرة تلو الأخرى وهي تلهث: حرة، حرة، حرة. النظرة الشاردة هجرتها، وكذلك نظرات الخوف والفزع، وحلّت مكانها نظرات وقادة ولامعة، بدأ قلبها يخفق سريعًا، وفارت الدماء وانفجرت في جسدها، لتشعرها بالدفء والسكينة.لم تتوقف عن سؤال نفسها إذا كان شعورها مجرد متعة لحظية سخيفة أم لا، لكنها أدركت شيئًا قويًّا استوقفها، كانت تعلم أنها ستبكي مرة أخرى عندما ترى يدي زوجها الرقيقتين قد طواهما الموت، وذلك الوجه العاشق لها قد أصبح جامدًا ورماديا، قد أصبح ميتًا. لكنها رأت بعد تلك اللحظة الموجعة موكبًا طويلًا من السنوات التي ستصبح ملكًا لها وحدها، وفتحت ذراعيها فرحة ترحب بها. لم يعد هناك من تعيش من أجله بعد الآن، ستعيش لنفسها فقط، لن تكون هناك إرادة تجبرها على المثابرة العمياء؛ حيث يعتقد الرجال والنساء أن لكل منهما الحق في فرض إرادته الخاصة على شريكه، ورأت في هذه اللحظة الصافية أن الأمر برمته جريمة، سواء أكان خيرًا أم شرًّا.لقد أحبت زوجها أحيانًا، وفي الغالب لم تكن تحبه.. وماذا يهم؟ وماذا يكون الحب - تلك الأسطورة الغامضة - أمام لذة الإحساس بالنفس التي اكتشفتها فجأة عندما أحست بوجودها!واصلت الهمس "حرة، حرة الجسد والروح"، وكانت جوزفين بالخارج، راكعة أمام باب الغرفة، تضع شفتيها على ثقب الباب، تلتمس الإذن بالدخول."لويس، افتحي الباب، أرجوك، أنت تضرين صحتك، هل أنت بخير؟ لويس، افتحي الباب بالله عليك"."انصرفي، فأنا لا أضر نفسي أبدًا".إنها تستنشق الحياة عبر تلك النافذة المفتوحة، وترى أحلامها تشق الطريق إليها، تعدو نحو الأيام القادمة: أيام الربيع.. أيام الصيف.. كل الأيام على اختلافها ستبقى ملكًا لها وحدها، همست تدعو الله أن يطيل عمرها، فمنذ الأمس فقط، بدأت تفكر في هذا الأمر على غير العادة. نهضت أخيرًا، فتحت الباب أمام توسلات أختها، وانتصار عظيم يكاد يقفز من عينيها، استندت على أختها بعفوية كالملكة المنتصرة، وأمسكت خصرها ونزلا السلم.كان ريتشارد بالأسفل ينتظرهما، وهناك شخص ما يفتح الباب في نفس الوقت، إنه "برنتلي مالارد" زوجها، دخل المنزل ممسكًا حقيبته ومظلته، تبدو عليه آثار السفر، كان بعيدًا عن مكان الحادث، وعلى غير علم بما جرى.وقف "برنتلي" مذهولًا أما صرخة جوزفين القوية، وأمام حركة ريتشارد المتأخرة في إخفائه عن أنظار زوجته. وعندما جاء الأطباء، أفادوا أن السيدة مالارد قد ماتت بالسكتة القلبية آثار فرحة شديدة.

......















 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on October 05, 2017 13:24
No comments have been added yet.