إشكالية البحر والواقع
إن البحر شكلَّ خلفيةَ القصة القصيرة في البحرين والخليج العربي، فمنذ بدأت هذه القصةُ فإن أقدامَها الصغيرة كانت تخوضُ في المياه وفي المصائد المليئة بالخناجر والشباك، وبهذا كانت الرواية ابنة البحر والغوص، الذي راحت تنزع أرديته وهي تدخلُ في العصر.
حين كنا أولاداً كانت عباءة الغوص الرمادية المزدانة بالقواقع والشوك والمحار والدماء تنفضُ أشباحها على خيالاتنا الصغيرة، فنروح نسبحُ فيها فناً، ونشكلُ أوجاعَ ذلك الإنسان السابق عبر القصة والرواية، وهكذا تشكلت أولى الروايات البحرينية وهي تمزج بين معاناة بحارتنا وبين عذاباتنا كشباب يتفتح على العمل النضالي الوطني، وحين كتبتُ (اللآلىء) في إحدى الزنازين، حاولتُ أن أستخدم أحدث القتنيات الفنية وهي عملية المنولوج المطول للربان الذي كان يقودُ الغاصة في رحلة التيه والعذاب والصراع، تجنباً لأسلوب العرض الواقعي التسجيلي المبسط، وهكذا فإن البحر والسجن والتأمل والصراع ولدوا تجربة الرواية، فالبحرهو تاريخ المنطقة وتراثها وليس هو المياه والجزر والينابيع فقط ، هو الماضي التقليدي القريب، الذي لا يزال ينزف في أجسادنا وكلماتنا..
إنه الربان غير التقليدي، واللغة والمكان والتراث كانت تحاول أن تتحدث وتغدو عصرية متحررة، مثل البلد مثل أجسامنا المحصورة في صناديق معتقل سافرة..
اقتباسات من: عبـــــــدالله خلـــــــيفة كاتب وروائي


