الرياضة النسائية.. حق طال انتظاره
قدرنا في وطننا الغالي أن يثير أكبر كما أصغر موضوع متعلق بنا كإناث في كافة مراحل حياتنا الكثير من اللغط والجدل والأخذ والرد, مما يجعلنا نحس أحياناً بأننا مخلوقات فضائية هبطت فجأة ولازال إنسان كوكب الأرض حائراً في كيفية التعامل معها! وموضوع الرياضة النسائية وكل ما يتعلق بها سواء في المؤسسات التعليمية من الحضانة وحتى الجامعة، أو في النوادي الخاصة أو شبه العامة (التابعة لبعض الشركات كأرامكو أو الخطوط السعودية)، هو أحد هذه القضايا الملغومة رغم عدم وجود مبرر حقيقي فيما لو تمت مناقشة الأمر بهدوء وعقلانية بعيداً عن التجاذبات والمماحكات بين التيارات المتصارعة على الساحة المحلية.
بداية الرياضة للنساء ليست ترفاً بأية حال, بل لعلها تحتاجها أكثر مما يحتاجها الرجل، بسبب طبيعة جسمها المتغيرة منذ الطفولة مروراً بالبلوغ ووصولاً لسن الشباب وما يرتبط به من حمل وإنجاب وصولاً إلى سن الحكمة بعد توقف الدورة الشهرية. فالأكل الصحي كما الرياضة الصحيحة تؤثران على صحة المرأة البدنية والنفسية بشكل مباشر. فلو بسطنا الأمور قليلاً وأخذناها من ناحية شكلية بحتة, لقلنا بأن الشابة التي تعاني زيادة ملحوظة في الوزن غالباً تنخفض فرصها في الخطبة والزواج, وقد يصعب عليها وقتها تخفيض هذا الوزن لا سيما إذا كان هذا هو وضع جسدها منذ سن الطفولة, مما سيسبب لها مشكلات نفسية.
أما لو تعمقنا قليلاً ونظرنا للأمر من ناحية صحية بحتة لوجدنا دراسات تربط ما بين زيادة الوزن والاضطرابات الهرمونية التي قد تؤدي لعدم انتظام في الدورة الشهرية لدى بعض النساء, وهذا له تأثير على القدرة الانجابية للمرأة خاصة إذا ترافق مع مشكلات صحية أخرى مثل مرض تكيس المبايض والمعروف اختصاراً ب (PCOS). وكما تقدم الذكر حين تحاول المرأة فقدان الوزن في هذه المرحلة- بأمر من طبيبة النساء والولادة- فقد تجد نفسها أمام مهمة صعبة خاصة إذا لم يكن قد سبق لها ممارسة الرياضة. فيمكنها حينئذٍ اللجوء للرجيم القاسي الذي قد يحرم الجسم من مكونات غذائية ضرورية فتصبح العملية برمتها أكثر ضرراً منها نفعاً. وحتى حين حصول الحمل, فالمرأة صاحبة الجسم السليم تعاني عادة من مشكلات صحية أقل فترة الحمل وكذلك الولادة, لأن عضلات جسدها قادرة على تحمل الوزن الزائد, فالقضية ليست فقط مرتبطة بالسمنة والنحافة, فالمرأة النحيفة غير الرياضة هي أيضاً في خطر بسبب ضعف جسدها بشكل عام. وكلما كان الوزن مثالياً قبل الحمل كلما كانت العودة إليه أسهل بعد الولادة, وهو أمر حيوي لصحة المرأة ولثقتها بنفسها وعلاقتها بزوجها ومحيطها.
هذا ناهيك عن ارتباط السمنة لدى الرجال والنساء بأمراض مزمنة مثل السكر وأمراض القلب وارتفاع ضغط الدم واضطرابات الهضم والمثانة وجلطات الأوردة والجلطات الرئوية، وبمرض هشاشة العظام لدى السيدات الأكبر سناً خصوصاً بعد توقف الطمث.
ومن فوائد الرياضة للطالبات أيضاً أنها تمنحهن ثقة بالنفس تنعكس على أدائهن المدرسي، وتخفف الضغط النفسي عليهن لا سيما في مرحلة المراهقة الحرجة، والرياضات الجماعية تعملهن فوائد العمل الجماعي والتنافس الشريف وهي أخلاقيات نفتقدها في الكثير من بيئات العمل المحلية.
فلماذا إذاً هذه الممانعة الاجتماعية إذاً ضد موضوع صحي وطبي كهذا؟ نسمع دائماً تكرار بعض الحجج كلما تم طرح هذا الموضوع وسأطرح أهمها تباعاً.
الحجة الأولى: بأن هذا الأمر مدخل للفساد, حيث ستتطور الأمور مثلاً من ممارسة الرياضة المدرسية إلى المنافسة على مستويات محلية وعالمية.
والرد بأنه لنأخذ مدارس الأولاد كمثال، كم طالب سعودي ممن يحضرون دروس التربية البدنية تحول لاحتراف الرياضة وللمشاركة في المنافسات الدولية؟ عدد قليل جداً. وإذا كنا نتحدث عن مشاركات محلية نسائية خالصة مثل دوري المدارس فأين المشكلة في أن تقام مثل هذه الألعاب النافعة للطالبات؟
أما المشاركة في المناسبات الدولية فتتطلب رعاية خاصة من قبل الأسرة وتكلفة مادية عالية للأدوات والمدربات بحسب الرياضة, فإذا كانت هناك أسرة مستعدة لكل هذا الالتزام المادي والمعنوي, فهذه الأسرة لن يفرق معها كثيراً وجود الرياضة في المدارس, لاسيما الحكومية منها. وقد شاهدنا مثلاً أسرة الفارسة دلما ملحس وكيف صرفت عليها أموالاً طائلة, وكانت ترسلها للتدرب في الاسطبلات الأوربية, وهو أمر لا يتوفر لمعظم المواطنين والمواطنات.
الحجة الثانية: بأنه لماذا لا تمارس الطفلة أو المرأة هذه الرياضة في منزلها فهذا أنفع وأستر؟!
وأصحاب هذا الرأي ولا شك هم سكان القصور والفلل الفارهة. فعدد كبير من العائلات السعودية, لاسيما من تذهب بناتهم للمدارس الحكومية, يسكنون في شقق صغيرة مكتظة بأفراد الأسرة, فأين هي المساحة المتاحة للجري أو للتمدد للقيام بالحركات الرياضية أو حتى لنط الحبل؟ ومن أين يأتي هؤلاء بالمال الكافي لشراء أجهزة السير وغيرها بكلفتها المرتفعة؟ وأين ستوضع هذه الآلات؟ ثم من سيعلم هؤلاء الصغيرات أو اليافعات أو الشبات أو الجدات الاستخدام الصحيح لهذه الأجهزة ؟ ومن سيرشدهن للحركات الرياضية المناسبة لأعمارهن وصحتهن؟
نحن نتحدث هنا عن سواد الشعب في كافة المدن ولا القرى وليس عن بعض المترفات في المدن الكبرى، ممن لديهن مسابح خاصة في بيوتهن، وصالة رياضية مجهزة بأحدث الأجهزة، بالإضافة إلى اشتراك شهري قيمته ثلاثة آلاف ريال في أرقى نادي بالمدينة.
الحجة الثالثة: بأن ممارسة الفتيات للرياضة سيؤدي إلى ارتداء الفتيات للملابس الضيقة مما يوقعهن في الفتنة ويزيد من حالات الشذوذ بينهن!
الحقيقة لا اعرف في أي عصر يعيش هؤلاء الأعزاء؟ هل سبق لهم أن حضروا حفل زواج نسائي؟ أسوء زي رياضي سترتديه أية طالبة (مع وجود شروط مدرسية) لا يمكن أن يصل إلى درجة العري المشاهد في كثير من الأعراس السعودية. كما أن الشذوذ لا يزيد ولا ينقص بماذا ترتدي الفتاة, لأن نظرة المرأة للمرأة تختلف عن نظرة الرجل للمرأة, وهو موجود حتى مع ارتداء الطالبات لملابس مدرسية فضفاضة وقبيحة.
الحجة الرابعة تقول بأن مدارس البنات في حالتها الراهنة غير مهيأة للرياضة فهي تعاني من نواقص جوهرية مثل النظافة أو النظام أو التكييف أو غياب نظم السلامة وضيق المباني المستأجرة.
وهذه هي الحجة الوحيدة التي أتفق معها لأنها للأسف الشديد واقع, إلا أن الحل لا يكون بمنع الرياضة وإنما بإصلاح هذه الأوضاع المأساوية وجعل المدرسة مرفقاً تعليمياً وصحياً وثقافياً وتربوياً يليق ببنات الوطن.
عندما كنت صغيرة كنت نشيطة جداً, وكنت أحب الجري والسباحة وركوب الدراجات ونط الحبل واللعب بالزجلات وكانت ظروفي الأسرية تسمح لي بممارسة هذه النشاطات خارج المدرسة. ولكن بعد أن انتقلت إلى عالم النساء ضاقت علي هذه الأماكن داخل الوطن, وشيئاً فشيئاً توقت عن ممارسة أي نوع من الرياضة سوى المشي. واليوم حين أقارن لياقتي بلياقة جارتي الأمريكية التي تكبرني بعشرين سنة أشعر بالحسرة لأنها تقفز برشاقة وتتحرك كفراشة في حين أعاني كمعظم السعوديات من الإرهاق السريع بسبب انعدام الرياضة في عز سنوات المراهقة تحديداً. فأغضب لأن سنوات طويلة من عمري قد ضاعت هباء رغم أنه كان لدي الاستعداد والقابلية منذ الطفولة لأن أكون رياضية. ولهذا كتبت مقالي هذا لأنني لا أريد لطالبة عمرها الآن عشر سنوات أن تكتب مقالاً مشابهاً بعد عشر أو عشرين سنة.
دعونا نحاول أن نصنع للجيل القادم ما لم تستطع الأجيال السابقة أن تفعله لنا. فالرياضة حق يفترض أن نناله بدون مداولات واقتراعات..فالحقوق لا تستجدى ولا تستفتى.
قمت باختصار هذا المقال من أجل المساحة..وهكذا نشر مختصراً ومختلفاً بعض الشيء في صحيفة الوطن
Germany: Sports Clubs Seek to Attract Young Muslim Women
مرام عبد الرحمن مكاوي's Blog
- مرام عبد الرحمن مكاوي's profile
- 36 followers

