قضايا حقبتنا : كتب ـ عبدالله خليفة
اعتمد الفكر الغربي المركزي على تصدير خطوطه الفكرية إلى العالم، من دون أن يجعل الأمم غير الغربية تنتج أفكارها من تطورها الخاص، سواء أكان ذلك في تصدير المنهجيات الحديثة بشتى طرائق بحثها، أم بتصدير الأفكار الخرافية والدينية والأسطورية والفاشية الخ..
وحتى اليسار المناضل في الغرب صدّر مثل هذه الأفكار سواء في الفكر الاشتراكي الديمقراطي أم الشيوعي، وأحياناً يقوم أبناء الشرق أنفسهم باستعادة وترجمة واستيراد مثل هذه الأفكار، وهو أمر مفيد ولكن الأمر لا يغدو تأصيلاً وحفراً داخل طرائق تطور هذه الأمم.
إن المنهجية الموضوعية مهمة وهي نتاج يعلو على ظروف الأمم الخاصة ومصالح طبقاتها المسيطرة، ولكنها تحتاج إلى علماء، أي إلى متخصصين يغرسونها داخل ظروف مجتمعاتهم ومن أجل مصالح أممهم.
فقد تورطت بعض فصائل التقدميين العرب باستيراد الموديل (الشيوعي) على سبيل المثال، أي استيراد لافتة حزبية أكبر من حيز مجتمعاتها، وتعبر عن السياسة الروسية في زمن سابق، وبالتالي تطرح قضايا ومهمات غير ممكنة، ليست فقط غير ممكنة على مستوى العالم العربي الإسلامي الإقطاعي الذي يواجه إزاحة الحياة التقليدية المتخلفة، بل أيضاً على مستوى حياة روسيا والصين وشعوب الشرق عامةٍ.
ليست لأن الاشتراكية والشيوعية مستحيلة على صعيد تطور الإنسان القادم، بل لأن هذه قضايا فوق مستوى مثل هذه الشعوب، التى تواجه قضايا أقل من هذه القضايا المركبة المستقبلية، وتلك القضايا من الممكن أن تطرح على مستوى الأمم الغربية التي اجتازت مراحل كبيرة من التطورين الصناعي والعلمي.
وقد حاولت فصائل عربية عديدة توريط التقدميين البحرينيين في مثل تلك التسميات من دون أن ينجحوا في إلباسهم إياها.
فاكتفى التقدميون البحرينيون بمهمات (التحرر الوطني والتقدم) معتمدين على حس واقعي وعلى رفض أساليب المغامرة في العمل السياسي.
لكن الآن وبعد تجارب كبيرة شهدها العالم أصبح تجذير هذا الوعي يتطلب علوماً ولم يعد الحس كافياً.
إن التقدميين الذين يقفزون على حقبتهم، وجدناهم في العديد من الدول العربية يواجهون جدرانا صماء، فبلدان لا تزال تناضل من أجل فقط إخراج النساء من ظلمات البيوت ومن عوالم الجهل والسمنة المرضية، وينغرس فلاحوها في الطين ويعيشون بين البقر، وتحتاج هذه البلدان إلى توحيد البدو بأهل المدن وإلى ثورة معرفية وغيرها من المهمات، مثل هذه البلدان ظهر بينها الاتحاد الاشتراكى وحزب البعث الاشتراكي والعديد من الأحزاب الشيوعية، طارحةٍ أسماء تعود إلى حقبة أخرى تالية، لأناس سوف يظهرون لاحقاً، ولا ندري متى؟
والغلط ليس في الأسماء، بل في هذه العقلية التي تفترض مهمات كبرى لمجتمع لا يحتمل مثلها، كأنها تعد طفلاً لسباق الحواجز، وهو أمر يجعل بين الأهالى وبين هذه الأحزاب هوهٍ كبيرة، ليست معرفية فقط بل سياسية أيضاً، وهكذا وجدت هذه الأحزاب نفسها تنفصل عن الموروث، حيث تدعوها العقلية الغربية ذات المهمات المغايرة، إلى الانفصال عن هذا الموروث (المتخلف).
وحتى في هذه السنوات التي تشكو المجتمعات العربية من الظمأ إلى الشركات والمصانع ومن قلة انتشار محلات الانترنت، لا يزال بعض (الاشتراكيين) يرفض الرأسمالية (المتوحشة). في الوقت الذي يحتاج فقط الريف العراقي الى السلام والعمل، وتنضب دكاكين فلسطين من السلع ومن الأعمال، وينضب الريف العربي من الجرارات الزراعية!
لقد سجلت المجتمعات العربية أدنى درجات التحديث عالمياً، أرقاما هائلة في البطالة وفي الأمية وتخلف النساء، الأمر الذي يتطلب واقعية في النظر السياسي لدى طليعي المقاهي.
هذا لا يعني ألا يناضل الديمقراطيون والليبراليون والدينيون من أجل الفقراء وحقوق العمال والنساء والحرفيين، فهذه قضية مختلفة، لكنها تُؤخذ في إطار العمل الواسع من أجل التنمية والتحديث والرأسمالية كذلك!


