التضحوي والاستغلالي

البشر نمطان إما إنسان يضحي وإما إنسان يستغل. تجد النمطين في الحزب الواحد وفي الطائفة وفي العائلة الواحدة وربما في مراحل وتقلبات الإنسان الواحد!

 وفى التيارات السياسية المعاصرة فإن الكثيرين يرتفعون على أكتاف التضحية وعمل الآخرين لكي يحصلوا على مكانة اجتماعية مريحة، فيتحدثون عن شعارات عامة وجمل مطاطة، لكي يواصلوا استغلال ماضيهم، أو جماعتهم السياسية التي ارتقوا على سلالمها نحو الثروة والمناصب والشهرة!

 وهم في هذه الحالة لا يتحدثون عن أوضاع الاستغلال الراهنة، وحينئذٍ فإن المضحي في عقولهم تكون شعلته قد انطفأت وظهر المستريح والمتمدد فوق الامتيازات ومكاسب النضال!

 في كل جماعة سياسية، فى كل عائلة، في كل دولة، في كل شركة، يكون هناك دائماً من يستغل مسار الجماعة، ويستطيع أن يجامل ويداهن ويكذب من أجل أن يرتفع، ولتذهب الجماعة والعائلة إلى الدمار والمهم أن تبقى مصالحه وأرباحه وارتفاعاته فوق الظهور والجهد!

 وقد استطاع الاستغلاليون دائماً أن يرتفعوا فانتصر معاوية على علي بن أبي طالب وأنتصر يزيد على الحسين، وانتصر بنو العباس والإفلاس والغنى والجور والفجور على الشهداء والمعتزلة والصوفية، وانتصرت الإمبريالية على حركات التحرر الوطني وعلى انظمة رأسمالية الدولة المسماة اشتراكية، وانتصر البيض على الحمر، وتغلب الرأسمال على قوى العمل، لأن الفقراء والمضحين والتقدميين والديمقراطيين دائماً مفككين، لا تستطيع شعاراتهم وكلماتهم النضالية أن توحد الجمهور وتفعل كل طاقاته وجماعاته!

 وسيواصل الاستغلاليون انتصاراتهم في المدى القريب، لأن لهم في كل حزب وفريق ودولة ودكان أعوان، وفي كل إنسان لهم مكان، لأن لحظات الخور والضعف والانتهازية والنجومية، كثيرة في كل نفس، ولكن في كل مكان وفي كل عائلة وقبيلة وحزب وطائفة، ثمة أناس شرفاء مضحون مناضلون، حتى لو على قلامه ظفر من شيء!

 وهذا النضال والتضحية قد يكون من خلال دين أو مذهب أو فكرة جديدة أو حتى في صدق فردي وإيمان ذاتي بالخير وبالقانون، فطرائق التضحية و«الحق» متعددة ومصالح الناس من الممكن أن تتحقق بطرق مختلفة، ولكن هؤلاء المضحين مشتتون متنباذون، لأنهم لا يدركون جوهر القضية، وعمق ترابطهم، ويركزون على الأشكال التي تتجلى لهم فيها الحقيقة، فقد تتجلى بشكل ديني أو تحديثي، أو فردى، وكلٌ يراها من خلال تقاليده ومستوى معرفته.

 لكنهم في المحصلة لا يتحدون في حين أن قوى الاستغلال تنمو وتتطور بقدرتها على تفكيك قوى النضال والخير والتقدم، وتقوم بدق الأسافين بحيث تتمكن هي من السيطرة على المختلفين المتنابذين، وهكذا تمكن الأشرار والمستغلون عبر التاريخ من الاستفادة من تشتت قوى المعارضة والمقاومة، وكرسوا أنظمتهم وسيطرتهم.

 ونرى في المرحلة الراهنة كيف استطاع الغربيون العسكريون الغزاة تفريق المسلمين والعرب إلى قوى شتى، متنابذة، دون أن يهتم الفريق المتحمس المغالي بردم الهوة بينه وبين أهل منطقته، أو أن تتجمع الطاقات العربية في شيء؟

 أو ترى العديد من قوى المعارضة في البلدان العربية تتفتت في روافد كلها تصب في خاتمة المطاف لخدمة الحكومات التي تعارضها!

 هذا يتطلب قادة على مستوى تاريخي، يرتفعون عن السفاسف وعن الوقوع في المصائد التي تنصبها قوى الاستغلال، ويرون ما يفيد الناس ويطور من أوضاعهم، ويوحد صفوفهم، مهما كانت الكلمة التي يطلقها هذا الحزب أو ذاك، فالمهم هي الدعوة لا الداعي، وكلمة الحقيقة من أي لسان قيلت!

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on September 13, 2023 06:16
No comments have been added yet.