التزوير الجميل للتاريخ في فيلم المرأة الملك – باسم سليمان

مقالي في سينما الصباح الاثنين 7 آب لعام 2023 العدد 5745

يطرح فيلم: المرأة الملك/لعام 2022 The woman king، على المشاهد سؤالًا، لم يكن من ضمن أجندة صنّاع الفيلم؛ عن خطورة تزوير التاريخ من أجل طرح قضايا إنسانية. لكن قبلًا، لنطلع على الفيلم الذي تدور أحداثه عن محاربات أغوجي التابعات للمملكة داهومي وقائدتهن الجنرال نانيسكا (فيولا ديفيس الحائزة على جائزة الأوسكار ومنتجة الفيلم). تشكّلت مملكة داهومي بين أعوام 1625 إلى1894 في عزّ تجارة الرقيق في إفريقيا الغربية، حيث ماتزال آثار هذه المملكة باقية إلى الآن في جمهورية بنين. يسرد الفيلم حكاية نانيسكا التي تحمل آلام اغتصابها من قبل أحد قادة مملكة أويو، التي كانت في صراع مع داهومي بسبب تجارة العبيد، وحملها منه، وإنجابها لطفلة، تتخلّى عنها بعد أن تضع علامة على جسدها. وتقود الأقدار الفتاة الصغيرة ناوي/ ثوسو مبيدو، لتصبح محاربة، تحت قيادة أمها نانيسكا.

ذاع صيت محاربات أغوجي، اللواتي تم تشكيلهن على يد الملكة هانغبي كحرس شخصي لها، وأطلق الأوربيون عليهن؛ الأمازونيات، لكن لم يلتحقن بجيش داهومي إلّا على زمن الملك غيزو (1828-1858) بسبب النقص الكبير في المحاربين الذكور. على هذه الخلفية، بنت المخرجة جينا بايثوود رؤيتها، استنادًا لسيناريو دانا ستيفينز، لتكشف تاريخ العبودية في إفريقيا، الذي اشترك فيه البيض والسود، حيث قامت ممالك إفريقية ببيع سكانها أو أسراها إلى البيض الذين شحنوهم إلى العالم الجديد.

حملت قصة الفيلم العديد من القضايا الإنسانية والنسوية، حيث كانت النساء تحت عبودية مزدوجة، فمن جهة كان الذكور من آباء وأخوة وأبناء، ومن جهة أخرى كان التجار البيض. نشأت الفتاة ناوي في أحد بيوت داهومي، لكن رفضها الزواج بأحد العجائز، دفع بسيدها إلى إلحاقها بفرقة أغوجي عقابًا لها. وتبدأ الفتاة بالتدرّب والتعرّف على عالم تلك المحاربات لتفوز في حفل تخرجهن بالسيف الملكي. تتعقّد العلاقة بين نانيسكا وناوي، لتكتشف بأنّ تلك الفتاة المشاكسة ابنتها. وفي المعركة الأخيرة بين داهومي وأويو وعلى الرغم من انتصار داهومي تؤسر ناوي وتباع كعبدة للبيض. يقرّر الملك غيزو منح نانيسكا منصب المرأة الملك، بسبب انتصارها وتحقيقًا للأساطير القديمة للشعب الداهومي، التي تنص على أنّ المُلك يكون مناصفة بين ذكر وأنثى، لكن نانيسكا تترك كل شيء وتذهب لإنقاذ ابنتها.

يعرض الفيلم قضايا مهمة ضمن حبكته، على الرغم من الخلطة الهوليودية على صعيد قصة الحب التي جمعت بين أحد التجار ذي الأصول الإفريقية وناوي، وتصوير المعارك، والخطب الرنّانة للملك غيزو. ومع ذلك فقد بيّن الفيلم بأنّ قضية العبودية الشائنة في تاريخنا الحديث، لم تكن لتكون بهذه الحدّة، لولا المشاركة الفعالة للممالك الإفريقية فيها عبر الاتّجار بأفراد شعوبها.

استطاعت فيولا ديفيس أن تقدم شخصية نانيسكا بحرفية عالية، ما بين صورتها العلنية كجنرال لا تهاب الموت، وصراعها الداخلي مع حادثة اغتصابها، وتعرّفها على ابنتها، التي تركتها من أجل أن تصبح قائدة فرقة أغوجي، وجدالها مع الملك من أجل استبدال تجارة العبيد بتجارة زيت جوز الهند، وما تنتجه المملكة من منتجات أخرى. تكسب نانيسكا قضيتها وتصبح داهومي أول مملكة تتوقّف عن تزويد الأوروبيين بالعبيد.

لم تكتف المخرجة بالأحداث التي جرت في إفريقيا، بل قدمت استشراقًا مستقبليًا، في مشهد دال، حيث نرى المقاتلة ناوي في لباس سنراه كثيرًا في الأفلام التي تناولت قضية العبودية في أمريكا. وكأنّها تقول بأنّ مقاومة العبودية ستكون في العالم الجديد المسمى أمريكا، أيضًا.

قالت المخرجة جينا بأنّ ابنها سألها: لماذا ليس لدينا أبطال؟ وما قصدته جينا، لماذا ليس للملوّنين سير بطولية كالبيض! وهكذا جاءتها الفرصة لتحقّق حلم ابنها عبر تقديم فيلم عن مقاتلات الأغوجي، لكن بعد عرض الفيلم ظهر بأنّ تلك المقاتلات، لم يكن كما صوّرهن الفيلم، بل كنّ اليد الضاربة لمملكة داهومي، التي شيّدت مجدها عبر الاتّجار بالعبيد. في تحقيق للصحفية زورا هيرستون عام 1927 كشفت فيه، بعد لقائها أحد آخر الناجين من تجارة العبودية، بأنّ فرقة أغوجي هاجمت قريتهم وذبحت الكثير وساقت البقية كعبيد للبيع.

قبل الذهاب باتجاه الإدانة، لمخالفة الفيلم الوقائع التاريخية، ألا يحقّ لنا أن نجادل، ونقول بأنّ سوبرمان بطل أمريكي من صناعة الخيال، فما الفرق! مادام الهدف من الفيلم هو فضح تاريخ العبودية حتى لو بقصة خيالية زوّرت التاريخ! لكن هناك قصص حقيقية في إفريقيا عن مقاومة العبودية، نذكر منها مملكة تدونغو – أنغولا- في زمننا الحاضر، التي قادت نضالًا طويلًا ضد البرتغاليين والعبودية، فما المانع، لو كانت قصة الفيلم تدور عنها؟

لاريب أنّ الغضب الذي صُب على الفيلم، ليس بسبب التزوير بشكل حاسم، بل لأنّ أكثرية المشاهدين تمنّوا أن تكون الجنرال نانيسكا وناوي موجودتين حقًّا، كما قدمهما الفيلم. لقد حقّق الفيلم نجاحًا كبيرًا على صعيد الجمهور، لأنّ حاجة الضعفاء إلى بطل منقذ حاسمةٌ، حتى لو كان وهمًا، لكن من الأفضل أن يكون حقيقيًا.

باسم سليمان

خاص سينما الصباح

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on August 07, 2023 04:10
No comments have been added yet.


باسم سليمان's Blog

باسم سليمان
باسم سليمان isn't a Goodreads Author (yet), but they do have a blog, so here are some recent posts imported from their feed.
Follow باسم سليمان's blog with rss.