عودةُ الحداثيين لطوائفهم

عادتْ كتلُ البرجوازيةِ الصغيرة لطائفيتيها الشيعية والسنية.
بلدانُ عدمِ النقاء المذهبي، بلدان التجمعات المذهبية المتعددة فشلتْ في تطوير تجارب ديمقراطية، كما يتضحُ في العديد من البلدان ذات الإصطفافات الطائفية الحادة.
جرى هذا على مستويي الوعي السائد وعلى مستوى الوعي العامي.
الوعي المذهبي السني في بعض البلدان العربية إندمج بالمؤسسات الحكومية، عاجزاً عن خلق مسافة بينه وبينها، وحين يخلق مسافة تغدو أشبه بإنتحار على طريقة القاعدة، فلم يندمج بالأشكال المتعددة لليبرالية الأقرب إليه ويطورها بعدم مفارقة جذوره كذلك.
وكلُ بلدٍ له بنيتهُ الاجتماعية التي تخلقُ حراكاً مختلفاً عن البلدان الأخرى، لكن قانون التطور فيها يعتمدُ مدى تداخل الطائفة السائدة بالوعي الديمقراطي الحديث، وهكذا نجد مصر تصارع التطرف على مستوى الوعي المذهبي السني عبر الإبتعاد عن قوى العنف، وعبر الإبتعاد عن السلفية الحربية، وعبر التقارب مع الليبرالية واليسار الديمقراطي، وإذا حدث ذلك فإن الكتلة المسيحية الدينية السياسية تقترب هي الأخرى من هكذا تعاون وسطي وتقارب ديمقراطي وطني. الطائفة السنية ذات الأغلبية بالمقاربة مع الحداثة تؤسسُ شيئاً جديداً، هذا سيكون مصير إيران بعد سوريا، فلا بد للطائفة الشيعية من مقاربة للديمقراطية التحديثية عبر مركزها المسيطر ثم يفيض ذلك على الآخرين المتأثرين بها.
يصعب هذا في لبنان، ذي الفسيفساء المذهبية السياسية، التي تعبر عن تاريخ قديم مضطرب، وعن حاضر ذي مراكز مهيمنة سياسية كثيرة بعدد الطوائف وعلاقاتها.
وهو الأمر المشابه للعراق ذي المراكز الثلاثة المذهبية – القومية. فهنا نقارب قوميتين آخريين إضافة للعرب وهما القومية الفارسية والكردية المؤثرتين في هذا البلد. والطائفة السنية من خلال وعيها السياسي الرئيسي عبر القوميين والبعثيين لم تستطع إنتاج وعي ديمقراطي كما حدث في مصر رغم المنعطفات والصراعات الضارية في الأخيرة نفسها، لكن العراق كان العنفُ متجاوزاً للوجود البشري وإمكانيات تحمله، وهذا يعكس جذور صراعات الأمم والطوائف والشعوب والأقليات.
عدم خلق تراكمات ديمقراطية على مختلف الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في بلدان الطوائف يقود لإنقسامات كبيرة وتفكك سياسي وطني كامل على طريقة السودان والعراق.
ومن هنا نجد الكتل السياسية البحرينية تنفرز على أساس الطائفتين في الأحداث الأخيرة. التراكمات الديمقراطية المحدودة في بضع سنوات لم تكف لخلق بنية إجتماعية وطنية مندمجة، مزدهرة بالتطور على صعيد الوعي خاصة.
منتجو الوعي من البرجوازية الصغيرة يتسمون دائماً بالاضطراب والانتقائية والانتهازية والبحث عن حلول جزئية وعدم قراءة للُبنى الاجتماعية الوطنية والعالمية في تطورها التاريخي.
ما راكموه خلال تاريخهم السياسي – الثقافي لم يكف ليكوَّن مدارس فكرية- تعبيرية- سياسية، فهي شعارات ولمحات من الرفض الحاد أو القبول الحاد. من الأشكال الجزئية والنظرات المحدودة، والتصقوا مطولاً بالأفكار العامة للرأسماليات الحكومية الشرقية الاستبدادية المنهارة أو التي في طريقها للانهيار، وهي أفكارٌ تحللتْ وذابت، ولم ينتلقلوا لجذورها الديمقراطية، وعادوا لكونهم ذكوراً مستبدين في أسرهم وعالمهم أو إناثاً تابعات لهذا الوعي نفسه، فهمشوا الأفكار العقلانية النقدية الوطنية التوحيدية داخلهم، ولم تتطور لقدرات تحليلية لتاريخ الجماعة المذهبية أو لتاريخ الجماعة السياسية التي دخلوا فيها، أو لتاريخ البلد، فوجدوا أنفسهم في النهاية مع طائفتهم، طائفيين بيافطات متوارية خادعة.
لماذا؟ لأن جماعتهم السياسية لم تتطور فكرياً، بل تحللت فكرياً، ولم يبق منها سوى الهيمنة لرؤوساء على أفراد جماعتهم غير المكرسة لأعادة نظر عميقة من الوعي، فارتفعت التبعية لدولةٍ سنية أو شيعية حسب إنتمائهم، ففصموا البلدَ سياسياً.
إنهم لا يقدرون على خلق إشاراتٍ من فكرٍ ديمقراطي فكيف يراكمون وعياً ديمقراطياً على مستوى الطبقة أو على مستوى الوطن؟
التحللُ عبر الاستقالات وعبر تكوين منابر جديدة ومواقع مختلفة غدا هنا ضرورة، لأن الشموليين المذهبيين يعرقلون التطور الديمقراطي الذي لا بد أن يشق طريقه بعد تكشف لحمهم الطائفي في الشمس السياسية، وعجزهم عن التطور الفكري السياسي، ليس هذا يجري على المستوى المحلي فقط بل على المستوى الإقليمي كذلك، فالشعوب في المنطقة تتغير. إن الطالئفة السنية بمقاربتها للحداثة والديمقراطية والعلمانية نسبياً وحدوث مراكز من دول في طريقها لتداولية السلطة، تبدأ بقيادة الأمم الإسلامية مجدداً، وهذا لا بد أن يصل لطوائف أخرى، لأن (ملة المسلمين) حسب تعبير الأوائل هي تحولٌ مشترك متداخل.

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on July 20, 2023 03:23
No comments have been added yet.