Error Pop-Up - Close Button Sorry, you must be a member of the group to do that. Join this group.

الجمهورُ و(الغوغاء)

إن الشعبَ هو الذي يصنعُ التاريخَ، ولكنه يصنعهُ في ظلِ شروطٍ موضوعية وذاتية، والشعبُ ليس كائناً مطلقاً مجرداً، بل هو كائناتٌ حية بسيطة تتغيرُ وتتأثر بالظروف المحيطة بها تصيرُ اسوأ أو أفضل حسب هذه الظروف، وتغيرُ الظروفَ كذلك عبر تلك الشروط السابقة الذكر.
الشعب الذي يتطور معرفياً وسياسياً ويشكلُ منحى متصاعداً يُسمى جمهوراً أما الذي يتردى ويسقط في الفوضوية فيُسمى غوغاء.
حين يتوجه قسمٌ من الناس للمعرفة السياسية الاجتماعية ويريدُ تغييرَ واقعه يلجأ للعلوم وأدوات الاتصال المختلفة في كل زمن، ولا يمكنهُ ذلك سوى أن يندمجَ في الشعب.
مهما كان سوء الأجور، ومهما كانت ظروف المعيشة صعبة، ومهما كانت علاقاته تتسم بالتوتر والضعف والتخلف، فإنه يبحث عن الحقيقة وعن طرق تغيير حياته وواقعه، ويصل إلى فهمها وتحويلها.
شباب تونس ومصر واليمن وغيرهم كانوا ثمرة البحث، وعدم النزول للجريمة السياسية الاجتماعية، ولهذا فإن العكوف على المعرفة العميقة خلق منهم جمهوراً سياسياً صانعاً للتاريخ.
شبابٌ مختلفٌ هو الذي قام بتغيير التاريخ، وهو يتسمُ بأخلاقيةٍ رفيعة، وبمستوياتٍ فكرية عميقة، وبمتابعةِ لأدواتِ الحداثة الاتصالية والثقافية.
هم ابناءُ الفئات الوسطى التي إنصهرتْ فيها ثقافةُ الحداثةِ والليبرالية والتجديد على مدى عقود من القرن العشرين السابق.
وكان واضحاً ذلك الافتراقُ بين هذه الطليعة وبين إنتاجِ الطبقةِ الحاكمة الاستغلالية الفاسدة التي تجسدت في جماعات(البلطجية).
شبابٌ صبور خلاق ذلك الذي ظل لسنوات يصقل ذاته ويتحدى الظروف القاسية، وكان يمكن حين يثور أن يشعلَ النار، ويشتمَ ويُقذرَ الفضاء السياسي، لكنه لم يفعل، بل توجه لقضاياه السياسية وتوحيديته للعمل الشعبي. ومن هنا وجدنا هؤلاء الشباب الذين كانوا يجيبون على أسئلة الصحافة العالمية المبهورة بالأحداث بطرق مسئولة هادئة دقيقة، محددين الأهداف غير منحرفين لصراعات جانبية وكلمات شخصية وكأنهم تعلموا في معاهد وزارات الخارجية.
هؤلاء يصنعون الجمهور الفاعل في التاريخ، أما الغوغاء فتظهرُ بأسلوبٍ مختلف. تظهرُ من خلال عمل العصابات السياسية، حيث (الطليعة) تُقربُ الحثالةَ وتعتمد على الخداع، والانتهازية، وتستنفرُ في الجمهور غرائزه ووحشيته، ولا شك إن نهايات مثل هذه المعارك الاجتماعية السياسية مليئة بالدماء والخسائر البشرية والمادية، والفشل الروحي.
إن تقاربَ العصابات السياسية مع الحثالة نتجَ من غياب الأهداف السياسية العقلانية ومن مقاربة لمناطق التخلف والفقر الشعبية وإستنفارها بشكل غير بنائي نظراً لفقدان برامج تطوير هذه المناطق الشعبية ورفع مستوى حياة الشغيلة، من قبل جهاتٍ عدة، فتغدو مناطقُ العوزِ مناطقَ التحريض والرافعة السياسية لخلق التمردات المطلوبة من العصابات السياسية.
ومن هنا فإن الانفجارات الحادة هي من مسئوليةٍ مشتركة على من أهملوا مناطق الفقر الشعبية، وهي الجهات الحكومية والرساميل الخاصة والقوى السياسية الاجتماعية.
ويكفي تنظيم مجموعات صغيرة من مناطق العوز والأحباط ليكون في يد العصابات السياسية متفجرات بشرية.
أحياءُ الفئات الوسطى تغدو غالباً مراكز لإنتاج أجيال جديدة أكثر مواكبة للديمقراطية الاجتماعية العالمية بعد أن كرسَّ الأهل قراءة التراث الديمقراطي السابق وأمهات كتب الفكر والأدب وتشكلت في هذه الأسر قيم تقدير العقلانية والبحث والشك، فيما العشوائيات السكنية والأحياء العتيقة والأرياف المهملة والبوادي تعطينا قوى سياسية مضادة، حيث النصوصية والطاعة الصماء وإستخدام العنف والقوة في التربية، ورفض التفكير الخاص والمساواة الاجتماعية والجنسية ورفض التساؤلات وغياب الإرث الثقافي الإنساني، وفيما نرى شباب الثورة الديمقراطي الإنساني يرفض العنف، نطالعُ في مناطق البؤس الاجتماعي الثقافي تصاعد الإرهابيين والقواعديين والمغامرين.
وفيما يتوجه التاريخ للصعود وتجاوز الأخطاء وخلق تقدم أمة نرى في الأمكنة الأخرى تفتت الشعوب وحشود الضحايا وفقدان الأهداف الأولية البناءة.

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on July 11, 2023 22:42
No comments have been added yet.