فائضُ القيمةِ وإعادةُ الإنتاجِ السياسية عالمياً
كتب: عبـــــــدالله خلـــــــيفة
مصادرُ الثروةِ هي المصانعُ والمناجمُ وغيرها من أسسِ إنتاجِ الثروة، والذي يتجسدُ مالياً عبرَ فائضِ القيمة، ويتوزعُ حسب أصحابِ المُلكية الخاصة والعامة.
لا يستطيع صاحبُ المصنع سوى أن يعيدَ الإنتاجَ كما هو أو أن يوسعَهُ بهذه الدرجةِ أو تلك، عبر إعادةِ جزءٍ من فائض القيمة لتطوير المصنع.
وفي بدايةِ الثورةِ الصناعيةِ كان الأمرُ متروكاً لصاحبِ المصنع يقررُ الأجورَ وساعاتَ العمل والتصرفَ بفائضِ القيمة كما يريد، لكن تطورات الحياة الاجتماعية والسياسية أحدثتْ تدخلاتٍ في هذا التصرفِ الشخصي الحر في فائض القيمة، عبرَ إحداث الضرائب على أصحاب الثروات، تقوم بها الحكوماتُ لإعادةِ توزيع فائض القيمة بأشكالٍ إجتماعية وسياسية تقررها هي أو الأحزاب والنقابات التي راحتْ تتدخلُ في العملية السياسية وتشارك في السلطات رسم سياسات المجتمعات.
هذا أدى في الغرب إلى النفوذِ المتصاعدِ للأحزاب الاشتراكية، لجعلِ فائض القيمة موجهاً لإعادةٍ موسعةٍ للإنتاج حسب الخطط السياسية المختلفة، بحيث غدتْ بعضُ الخدمات العامة مرصودة بشكل دقيق وهي التطوير العلمي للإنتاج، ومواكبة التعليم للإنتاج، وتغيير حياة الطبقات المُنتجة وبطبيعة الحال هناك أهداف أخرى هي ما يقررهُ أصحابُ الأعمالِ كتطويرِ الجيوش والهيمنة على المستعمرات وفيما بعد على تعاظم الصرف على البذخ الاجتماعي ورفاهية الطبقات الخاصة، وغير ذلك من تباين في الأهداف بين القوى الاجتماعية السياسية. وبين البرنامجين الأول والثاني تشتغل الأحزابُ اليساريةُ أو الأحزابُ اليمينية؛ الأولى توسعُ القواعدَ الاجتماعيةَ الماديةَ والفكريةَ لتطور الإنتاج، والأخرى توسعُ الأسواقَ الخارجية وتجلبُ الموادَ الخام، أو تبذرُ المالَ العام في الحروب التي غدت أكبرَ هوةٍ لبلع فوائض القيم أو في الفلل الفاخرة فيما بعد.
في الدولِ المُسماة إشتراكية في الشرق تم الاستيلاء (السياسي) على فائض القيمة، وراحت الأحزابُ الحاكمةُ تقررُ كيفيةَ توجيه فائض القيمة، عبر تسريع أشكال التنمية الصناعية والتعليمية والاقتصادية المغايرة عن التطور الغربي، مع غياب الديمقراطية والصحافة الحرة ورقابة العمال، مما عبرَ عن هيكليةٍ رأسماليةٍ حكوميةٍ مُجسدةٍ لسيطرةٍ القوميات خاصة الروسية والصينية، وبقية القوميات الصغيرة التي برزتْ كدول مستقلة فأنشأتْ حكوماتَ الفسادِ الرأسمالية حالياً والتجارة بالأسلحة.
ولا تزالُ أشكالُ توزيعِ فائضِ القيمة تتمُ بأشكالٍ سياسية بيروقراطية في الأغلبية الكاسحة من دول الشرق، ولهذا تتوجه الكثير من الموارد للصناعات العسكرية والنخب العسكرية والسياسية، أو للبحث عن أفضل الأرباح في البنوك والأعمال في الغرب أو الشرق، فيما أتجه البعضُ القليل لترك البرلمانات والصراعات السياسية تقرر كيفية الخطط الاقتصادية وتوزيع الفائض على الإنتاج والمنتجين.
وهذه مسألة صعبة في حالة الجوع إلى الاحصائيات الحقيقية وندرة البحوث الدقيقة، والتلاعب بالأرقام، مما يستوجبُ شبكةً كبيرةً من الباحثين والمدققين والمفكرين لجعلِ الفوائضِ محددة أولاً ثم متجهة للخطط الاجتماعية العامة.
وفيما نرى الدول العريقة في الديمقراطية كفرنسا وبريطانيا تعاني من إقتصادياتها ولكنها تنمو بمعدلات محدودة معقولة، نظراً لمشاركة الأحزاب العمالية والليبرالية في الرقابة والتدخل البرلماني السياسي وفي توجيه الخطط الحكومية نحو مصالح الجمهور العامل، فإن الولايات المتحدة تفتقدُ أحزاباً عمالية وإشتراكيةً مؤثرةً ومعبرةً عن قوى المنتجين ومساهمة في الهيئات الحكومية بوجهات النظر الشعبية هذه.
ولهذا فإن المديونية على الولايات المتحدة هائلة، حيث كُرستْ الفوائضُ عبرَ العقود من أجلِ العسكرة الواسعة والتدخل في القارات المتعددة وصناعة الحروب المكلفة. أو وُجهت نحو البذخ والتكالب على المساكن الفاخرة أو تحولها لقروض متفاقمة الأرباح، مما أدى إلى إقتصادٍ هائل ومثقلٍ بأعباءِ الاستغلال غير المتكافئ للفوائض، ومهلكٍ لقوى الإنتاج الحقيقية.
وثمة فوائضٌ تأتي كذلك من الدول النامية الثرية في بعض الأحيان والتي تدفعها مثل هذه السياسة نحو إعادات إنتاج غير دقيقة ومتضخمة وتؤدي لزعزعة الهياكل الاقتصادية.
وكما هو الشأن في روسيا والصين فإن الولايات المتحدة يقررُ فيها تقسيمَ فائضِ القيمة الهام القوى العسكرية، وهو تعبيرٌ عن كون الأمم(الشمولية) المتنازعة على التحكم في العالم والسيادة على الأسواق لا تريد زوال هيمنتها السياسية، وفي أوربا الغربية تقومُ التجربةُ الديمقراطية بالجمع بين الميراث الديمقراطي والتوحد القاري ورؤية المصالح القومية لأوربا الغربية التي غدت متقاربة وتساعد بعضها بعضاً وتنتشل المتخلف عن التجربة التنموية المتراكمة.
فيما نحن في الجزيرة العربية لدينا فوائض قيمة كبيرة ولكن أغلبها للبذخ وإنشاء هياكل إقتصادية فضفاضة وإغناء دول أخرى وعمالات غير عربية، فهي سياسات لا تتبصر المستقبل ولا تخطط للأجيال.


