أليس لليلِ الخليج من آخر؟
كتب : عبـــــــدالله خلـــــــيفة
اضأتْ شعلُ النفطِ السماءَ وبزتْ النجوم!
وقربها أكواخٌ بلا قناديل!
جاءتْ بواخرٌ عظيمةٌ وملأتْ بطونَها من الزيتِ وسفنُ الخليج الخشبية محاصرةٌ بين الفنادق والعمارات التي بُنيت على عجل ونستْ سفنَ التاريخ والصيادين والغاصة في نقع المياه الأخيرة!
في جميع الخرائط البشرية الرؤوسُ مجذوبةٌ تحدقُ في هذه المنطقة السعيدة بثرواتِها الطائلة وتحاول أن تأتي وتحصل على فرص عيش، ثم تُفاجئ بالناس تهرب والمدمرات تطلقُ حممها والمشردون المواطنون والعاملون المهاجرون تائهون عند قناة السويس أو لاجئون غارقون في القوارب عند سواحل إستراليا!
مسافرو الخليج السعداء يتم إبتزازهم في المطارات والفنادق وربما حتى في الصحارى التي عبروها فهم في عرف اللصوص والمبتزون في المطارات والفنادق وحتى على أسنة الحدود الصدئة في بعض البلاد العربية الشقيقة غير الرفيقة أصحاب ثروة هائلة يجب أن يدفعوا ضريبة ومكوساً من الآبار التي تتدفق في منازلهم وقرب وسائدهم.
لو أنهم يطالعون البلد الأخضر ذا الآبار التي لا تعد كيف أنه مشغول بتسمين لصوص كل بضعة عقود يحرقون نفطه وغازه على شكل سحب سوداء ممطرة بالأوبئة، ويحيل الغزاة بلده إلى مكان دائم للفقر.
البواخر تشفط النفط وعلى السواحل قرى ذات بيوت ضامرة وحقول ناضبة، وترى بلداناً ذات شباب لا يظهر سوى في ليل السهرات لينام حتى الظهيرة في اليوم التالي، وشباب بلدان أخرى يصحو منذ الفجر ليشتغل في معامل ويحصل على فتات الأجر.
كل عشر سنين ونحو ذلك في عد مستمر دائم، الخليج موعود مع حرب ما، إذا نضبت خزائنٌ في الغرب وضعوا مناظيرهم التجارية الدقيقة على البقعة ذات اللهب المشتعل في الليل، وحركوا دمى هنا أو هناك، وظهرت أسلحة، وجاءت أساطيل، وصرخ سياسيون، وهدد رجالُ دين، وهربت جموع، وهاجم رعاعٌ سفارات أجنبية، أو قام دكتاتور أرعن بغزو، فأعتدلت بعدها البنوكُ والشركاتُ المصاصة للدماء وشبعت.
لم يجد أهلُ الخليج ساسيهم يجتمعون كلهم ويعقدون صلحاً أبدياً وعلاقات صداقة ويخططون لتوزيع الثروات والشركات والبضائع والمناجم ويؤسسون سوقاً إسلامية ووحدة إقتصادية ويبعدون الطامعين والمستفزين عن هذه الخريطة.
مسائلٌ رثة من الإرث تُستحضر ويتم الصراع حولها كخلافٍ دامٍ مخيف حول لون شعرة أهي سوداء أم بيضاء، وأي جوابٍ بعدهُ مذبحة. فلنترحمْ على ضحايا حرب داحس والغبراء فقد تصارعوا حول أفراس جميلة!
العالمُ يغزوهم ويأخذُ نفطَهم وغازهم ويبني مصانع ويوحد ولايات متفرقة وينتشل محيطات وغابات بشرية من الفقر ويقيم ثورات علمية تقنية، وهم لا يزالون يتصارعون حول تسمية بحر، وأي مذهب له الغلبة، وكيف يثأرون لمعارك ماتت منذ قرون وذابت عظام فرسانها وبقيت الرؤوس والأيدي تحفرُ عن شعيراتها ودودها.
حارتان تتصارعان وهما متداخلتان تمازج عيشهما وأطفالهما وثقافتهما ومصائدهما وأزقتهما، وأية مشاجرة بين أولاد مراهقين تُطلقُ النساءُ بعدها، وتَندلعُ النيران، وتمتدُ للفضائيات، ويُمنع دخول أي من سكان الحارة الأخرى، وربما يُذبحُ(المقتحم الشرير العدو)المتجرىء على دخول الحارة النقية، وأهل الحارة يعيشون في نفس الضنك وخيوطُ النفطِ الكثيفة اللزجة تتسللُ من بين أصابعهم وضفتيهم، ولغتيهم ومذهبيهم وقراهم الرثة وغفلتهم الطويلة.
حين يتشاجرون وتسيل الدماء وتُحرق الأزقةُ وتُوضعُ القنابلُ على الحدود الملتهبة وتُستباح جزرُ النفطِ ليُحرق في الهواء وترتفع أسعارهُ لخدمة الناقلات والموانئ البعيدة والبورصات المثقلة بالأرباح، يلجأون لدولٍ بعيدة من أجل الصلح، أو يذهبون لقارات يفتونها في دمائهم، ويُحضرون غرباء يسألونهم عن الحلال والحرام، وعن الصواب والخطأ، وعن الحدود ونقاطها الشائكة المتداخلة في حياتهم وأحيائهم وسلالاتهم، ويريدون من الانتهازيين وتجار الحروب والطامعين في آبارهم ومناجمهم التي غفلوا عنها ورقدوا قرب حشراتها وأكتشفها الغرباءُ بأجهزتهم وأقمارهم وعيون أطماعهم النافذة، أن يبينوا لهم خريطة الطريق ليخرجوا من العداء، ويعيشوا في تبات ونبات وصبيان وبنات!
متعصبون جداً لدينهم وأي إساءة من قريب أو غريب لن يجد أجزاء من جسمه سليمة بعدها أو من سنوات عمره باقية له، لكنهم يتجاهلون كلمة كثيرة الورود في كتابهم المقدس وأساس نشؤهم وتطورهم ورفعتهم ومجدهم الغابر، كلما جاءت أزورتْ أعينُهم عنها، وتلكأتْ ألسنتُهم في ترديدها، وأنشأوا المدارسَ الفلسفية لتحريفها، وكتبوا الكتبَ النظرية الفقهية لإبدالها، وهي كلمة (الوحدة)!


