باسم سليمان.. أعاد خلق الحروف من جديد في ديوانه “رأسي البسط وجسدي المقام، أنا كسر بين الأرقام” في البوابة نيوز الصادر عن مشروع تحولات برعاية أدونيس 2023

بقلم: تامر أفندي
في إحدى كتاباته عن قصيدة النثر قال الشاعر الكبير أدونيس: “هناك محاولات نثرية تنم عن موهبة حقيقية ولكن هذه المحاولات النثرية لم تخلق نظامها بعد، كنت أول من شجع قصيدة النثر وأول من كتب عنها لكن حتى الآن ما نسميه بقصيدة النثر لا تزال مضطربة وعائمة ولا هوية لها”. كان هذا الحوار قبل أن ينتقي من بين المعروض عليه أربع دواوين شعرية لينشرهم من خلال مشروع” تحولات” الذي دشنه بالتعاون مع الكاتب الصحفي عبد الرحيم علي، رئيس مركز دراسات الشرق الأوسط بباريس، وكأنه أراد أن يقول:” هناك جيل من الشباب يفجر ينابيع أخرى للشعر غير تلك التي تدفقت، قفزوا بالحرف إلى جنان أخرى، تعريف ما يسطرون تخطى مسمى ما يقال عنه قصيدة النثر، جيل خلق مفردات خاصة به أعاد معها تذوق الشعر وساهم في عودتها للمنافسة بعدما قيل أن هذا عصر الرواية،.
لدى قراءتي الأولى لديوان “رأسي البسط، جسدي المقام، أنا كسر بين الأرقام.. للشاعر السوري باسم سليمان، أدركت أنني أمام حالة متفردة، اخذني عنوان الديوان لبحر من الخيالات لا تنتهي، عنوان يفتح الشهية للعقل أن يأكل لحكم الطريق الشهي من الصفر “اللاشئ” وصولا إلى الواحد الصحيح!
رأسي البسط، جسدي المقام، أنا كسر بين الأرقام.. عنوان مختلف لوصف جديد لي كإنسان كان يرى نفسه رقما صحيحا في حسبة الأيام!
أي كسر إذن أنا وأي كسر هو.. أي انتقاص يتعين علي أن أجده حتى أعادل رقما صحيحا؟ وأي خطوات كانت في جعبتي حتى صرت على ما أنا عليه الآن.
شمرت عن ساعدي وأنا أتحسس حروف “باسم” ذلك الصديق الذي حدثته عن بعد برغم أنه شرح حالاتي وحالتنا كجراح ماهر كشف عن مواطن الداء بلغة لم يسبقه لها أحد وكأنه أعاد خلق الحروف من جديد.
افتتح “باسم” ديوانه بتعريف مغاير للقمر لم نعهده عكس رؤيته للأشياء حوله إذ كتب:
ما القمر إلا قطعة نقد
سقطت من مال الله
ارميه مقامرا
أهو حضور أم غياب
فيأتي نقشه وجهك!
عهد صديقنا إلى ذكر تواريخ قصائده أسفل كل مقطوعة شعرية يعزفها متفردا وكأنه يدون لأمر ما بعث في نفسه هذا الخيال، ما دفعني لتفنيد صفحته الخاصة أفتش في صوره ومنشوراته علني أعيش معه ولادة كل كلمة، اتكئت معه على ظله وهو يرقب الماء يجري إلى غيمه، في غبش الأفق لا أنكر أنني توهت منه حتى أخبرني أنه لا يجتمع طيفان، حينما سألته عن منهجه في التفكير، قال لي:
إنني لا أفكر، بل أنظر
وبين الفكر والنظر
مسافة من قمر
لا أنكر أنني وقعت في عشق “باسم” رغم أنني لم أراه إلا على الصفحات ومن بين أبياته حاولت أيجاد تعريفا له، وكلما اقتربت ابتعدت، فلا تعريف ثابت يمكن حصره:

في غيابك
أنا رغيف يابس يتكسر ما إن يمسه النظر
لا يصلح لسندوتشات الذاكرة

أنا سلمك
فلا تحمليني
بالعرض أو الطول
بل
احضنيني
كإطفائي ينقذ النار
من الماء
…..
أنا الموت الهارب إلى حبل غسيلك، سأطعم
الغسالة بنطال الجينز، حيث استقرت يدك

بخفة رغم صعوبة الحرف والتقاط الصورة وضع الجسد على طاولة التشريح الشعرية، بداية من قصيدته الأولى حتى سال من الجسد العاري أمام مرآة الحقيقة المداد كنزيف تحسست الكلمات وندبات الجسد التي خلفها في حتى وصلت إلى قصيدته الأخيرة التي اختار عنوانها عنوانا لديوانه.

لديّ فتقٌ
في منتصف وأسفل يمين بطني
كأنّه نصيحةٌ
كي تصيبَ الهدف برصاصة
يقول الطبيب: تحتاج إلى شبكة
كي نرتق الفتق.
لكن ليس في بطني سمكٌ
يصلح لمعجزة.
عندما خدّرت
نمتُ بلا أحلامٍ أو كوابيسْ
واستفقتُ على رتقٍ محجوب بقطب
خيوطها جُدلت من أمعاء خروف
حديث الولادة
وتساءلت أهو هدم لمعتقد سائد بتقديس الجسد؟ أم لحظة مواجهة بين روح أعاقها هذا الجسد عن التحليق، فأرادت الخلاص بتعظيم تكوينه وتسفيهه في آن واحد، باستباق تشييعه لتصبح الروح حرة غير مقيدة الأوابد.
أكانت تلك الروح لجسد آخر تستطيع التماهي فيه فتشكله حيث شاءت؟ ثمة اغتصاب حدث فأجبر النقيضين على التعايش رغما عن التنافر، قلت ذلك قبل أن أصل إلى وصفه الذي أكد حدسي هذا:

أفكّر أن أهدي روحي جسدًا آخر
ولربما أعطي جسدي روحًا آخر
أحيانًا أشعر أنّ روحي يحتلّ جسمي
أو أنّ جسمي اغتصب روحي العابر.
اي حيرة هذه التي تصبح رغما عنا حياة نتحسسها بأطيط نعالنا حتى نمر وتمر دون قصد ولا سبيل، فقط مرغمين أن نمضي ننتظر حلا من السماء للخلاص مما وضعتنا فيه الأقدار.
لجسدي ظلّ في النهار
ولروحي شبح في الليل
يا الله اكسف الشمس
واخسف القمر
حتى أجد يقيني.
بين كسر الأرقام ومن على صفحات الديوان لملمت دمعي المسكوب بين شجن وحب وكتبت تلك الكلمات إلى صديقي البعيد القريب “ربما تلاقينا من قبل أو كنت أنا الذي لم أستطع أن أكتبه”

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on May 31, 2023 08:57
No comments have been added yet.


باسم سليمان's Blog

باسم سليمان
باسم سليمان isn't a Goodreads Author (yet), but they do have a blog, so here are some recent posts imported from their feed.
Follow باسم سليمان's blog with rss.