باسم سليمان يكتب: هاتف أدونيس في البوابة نيوز 2023
باسم سليمان يكتب: هاتف أدونيس:
عندما جاءني (الهاتف) من أدونيس، قلت في نفسي، ها هو كبير واد عبقر! تخيّلت لحظتها ما قاله التراث عن زهير بن أبي سلمى وابنه كعب: (تحرك كعب وهو يتكلّم الشعر، فكان زهير ينهاه مخافة أن يكون لم يستحكم في شعره. وعندما لم يتوقّف كعب عن ذلك، أردفه زهير خلفه على الناقة وبدأ في امتحانه في أوصاف الناقة والنعامة على عادة شعراء الجاهلية، يقول زهير البيت وعلى كعب أن يجاريه. قال زهير: وإنّي لتعديني على الهم جسرة/ تخب بواصل صروم وتعتق. وبعد قوله ذلك صرخ بابنه: أجز يا لكع، فقال كعب: كبنيانة القرني موضع رحلها/ وآثار نشعيها من الدّف أبلق. وظلّ يمتحنه حتى أجاز له قول الشعر مطلقًا) وزعمت بأن أدونيس، سيقول لي: أجز يا لكع!
في بداية الثمانينات شعر أبي مدرس الفلسفة بأنّ (الكلمة) خائنة، فصبّ جام غضبه الكسيح على مكتبته، فتركها نهبًا ليد طفل ممسوس بالإبحار والطيران، وأذكر تمامًا اسم أدونيس على غلاف أحد الكتب لم أعد أتذكّر عنوانه، لكن مازلت أشعر بيدي تمزّق الصفحات لأصنع منها طيارات ورقية وقوارب و طواحين هواء وقد ذكرت شيئًا من ذلك في روايتي: (جريمة في مسرح القباني). ودارت الأيام لأعيد شراء الكتب التي مزّقتها وخاصة كتب أدونيس.
قال عنترة يومًا: “هل غادر الشعراء من متردم!” ضجرًا من الشعراء الأقدمين الذين سبقوه في قول كل شيء وهذا المقول ينطبق على شعر أدونيس أيضًا، فهل تركَ أدونيس شيئًا لنا لنقوله؟ لكن أدونيس قال: “عش ألقًا، ابتكر قصيدة وامض، زد سعة الأرض”. إنّها دعوة لكل شاعر أن يبتكر أرضه والأحرى جسده/ قصيدته، فبالجسد تعاش التجربة الوجودية، ولا يوجد جسد يشبه آخر ومن هنا تزداد سعة الأرض، ويصبح قول عنترة نافلًا. هذه الزاوية المستقيمة، هي مدار الحديث الذي جرى بيني وبين أدونيس، فعندما طلب منّي أن أختار القصائد من مجموع دواويني بسبب أن آخر ديوان لي: (خالٍ كصفر تهبّ فيه ريح الأعداد) كان قد صدر عن سلسلة الإبداع في مصر، وليس من إنتاج جديد لي حاليًّا، تصوّرت أن أدونيس من سيختار ويحكم، لكنّه أومأ لي على لسان زهير: أجز يا ناقد!
إذن، أدونيس لم يملِ عليّ، بل كان حريصًا على أن أستخرج أرضي/ قصيدتي الذاتية من العمق، وكأنّ أدونيس يؤكّد على رفض الأبوة الثقافية، التي ألبست له عنوة، وسلّمنا بها اِتباعًا. ولذلك سألته مستدركًا: يقول مارتن هيدغر: “المفكّر الكبير يجب أن يرتكب أخطاء كبيرة” ويذكر نيكوس كازانتزاكي في: (تقرير إلى غريكو) عن شاب رفض طلب انتسابه لأحد الأديرة في سيناء لأنّه كان بلا أخطاء، فطريق القداسة وفق كازانتزاكي يجب أن يكون مليئًا بالمعاصي، فما هي أخطاء أدونيس؟ يجيب أدونيس: “صحيح! وهي لا للمحو بل للتأمل! وما أكثر أخطاء أدونيس وما أكبرها!”
كشفت لي تجربة انتقاء قصائد الديوان: (رأسي البسط، جسدي المقام، أنا كسر بين الأرقام) سوء فهم نحو أبي، لم أستطع أن أجد له جوابًا، بأنّه كيف سمح لي أن أدمّر المكتبة! والآن وأنا أختار من مجموع دواويني القصائد التي سيتضمّنها الديوان الذي سيصدر عن سلسلة تحوّلات برعاية أدونيس، حلّت عقدة سوء الفهم تلك!
أظن بأنّ سلسلة تحولات أشبه بالمنارة، وكثيرًا ما يصنع نورها الوامض البحر والبحارة والميناء والسفن والنوارس والأمواج والشطآن.
باسم سليمان

باسم سليمان's Blog
- باسم سليمان's profile
- 24 followers
