أشيعة أم شيوعيون؟! : عبـــــــدالله خلــــــــيفة
#عبدالله_خليفة اختلطت التسميتان في الزمن القديم، كان الكثير من الشيعة في المشرق العربي مضطهدون، وكان الشيوعيون يبحثون عن المضطهدين في العمال والنساء والفقراء عموماً، فتغلغلوا بينهم، وفي ذلك الوقت كان الاتحاد السوفيتي وكانت الثورات الوطنية وصعود العمال ولم تكن ثمة طائفية سياسية معارضة، فكان الشيوعيون فصيل من فصائل التوحيد لا التفريق بين ملل الإسلام المختلفة!
فحين كان الشيوعيون أقرب لفكرهم والشيعة أقرب لمذهبهم توحد المختلفون!
وقد اختلطت الأسماء حيناً فمن يُعتقل وهو شيوعي يقول بأنه شيعي، وهو يحرض على هذا الأساس بين الجمهور، ويتناول رموزاً إسلامية مضطهدة ويعبر بها عن كفاح العمال الحديث!
كانت شعارات عامة تصلح لكل زمان ومكان وهو خيال الفقراء في النضال الوطني وفي الحصول على ظروف جيدة، وهو تقليد قديم بين أهل المنطقة فطالما ركبوا شعارات تحديثية قادمة من أمكنة أخرى ودمجوا بها معاناتهم.
وكانت الشيوعية قوة تغيير وطنية كاسحة كبرى في زمن الاستعمار القديم، فهناك مليارات من البشر في الشرق والغرب وراءها، ولم تتتفهم بأنها مرحلة معينة في تطور الرأسماليات الوطنية الشرقية الدكتاكتورية، وإن إزالة الطبقات وسيادة العمال ما هي سوى أحلام مستقبلية بعيدة.
ولهذا فإن إختلاط هذه الأحلام بالأديان والمذاهب هو أمر عادي في تاريخ الشرق، وكم اختلطت المذاهب الإسلامية بالمانوية والزرادشتية والأرسطية وغيرها وانتجت ظواهر جديدة معارضة وخيالات و.
لكن الأديان والمذاهب تبقى أدياناً ومذاهباً لها مساراتها الخاصة، وإن الظواهر الهجينة التي تنتمي لأجهزة معرفة وكيانات فكرية مختلفة تتفارق آجلاً أم عاجلاً.
وكان خطأ الأوائل هو عدم فهم الأديان والتيارات الفلسفية معاً، فكلٌ له مساره المختلف، وإذا كان ثمة توحدٌ في أشياء ومبادئ معينة فهو يرجعُ لمعاناة البشر عبر العصور والأوطان.
لكن أهل الأرياف الشيعة وخاصة العمال الطليعيين والمثقفين المتنورين وجدوا في المذهب الشيوعي عزفاً على المعاناة وقهر الناس وإستغلالهم، وهو ما كان قوياً عارماً في مذهبهم على المستوى الشعبي لا على مستوى رجال الدين!
وبسبب مستوى معرفتهم الشعاري في المذاهب والفلسفات تبنوا الجانبين!
وكان أغلب هؤلاء محرضين وسيظلون في درجة التحريض طوال حياتهم وهي الدرجة الأولى الدنيا في فهم الفكر الحديث وإذا استمر المرء عليها انتهى منه.
التحريض يتطلب لتجاوزه القراءة العميقة والدرس والفتوى النظرية فيما بعد، وهي عملية مقاربة لفهم النص الديني، الذي يتطلب هذه الدرجات بشكل متصاعد.
وفي سنوات الستينيات خاصة من القرن الماضي تداخلت الأوساط النخبوية من الجانبين الشيعي والشيوعي، فلم تجد في الاختلافات الفكرية كوجود الإله ونفيه أو في الإيمان بيوم القيامة والكتب السماوية، عقبات للعمل المشترك والإيمان المشترك!
كانت محن الناس العاديين وكانت الظروف المشتركة لهؤلاء القياديين العماليين والمثقفين تدفعهم لتجاوز الاختلافات الفكرية.
كما ان الجانبين لا يتغلغلان بشكل عميق في المصطلحات الماركسية أو المذهبية. لكن كانت القيادة بين هذا الخليط تعود للشوعيين بطبيعة الحال فوراءهم دولة كبرى هي الاتحاد السوفيتي وكانوا قادرين على إرسال بعثات دراسية والتصدي في المراكز القيادية للمؤتمرات التي تعقد في أمكنة مختلفة في الكرة الأرضية!
لكن تفارق الجانبين حدث مع تضاؤل الاتحاد السوفيتي خاصة الذي لم يعد قادراً على البذل المادي في سباق التسلح وفي الإنهاك الأمريكي له وفي الصرف الواسع على حركات التحرر.
فقد برز المركزُ الإيراني الشيعي، كقائد عارم للطائفة، ودفع الخصام مع الحركات التقدمية والقومية والإنسانية إلى أبعد مداه، في مشروعه لاستثمار الطائفة العالمية الشيعية لمشروعه القومي الإيراني السياسي.
إن عدم تناغم المركز الإيراني مع الحركات التقدمية العالمية لكونه اعتمد النصوصية الدينية العتيقة، واستبعد جوهر المذهب الشيعي النضالي، وعبر هذه النصوصية وتأجيج العداء لغيرها حاول تكريس سيطرته على ملايين الشيعة في العالم.
وهكذا حدث الانفصال الحاسم بين الشيعة والشيوعية، وخاصة في المراكز السياسية الدينية المحافظة، بينما واصل بعض التقدميين العيش في زمن التحالف القديم، والخلط بين المنهجين، لكون مستوياتهم الفكرية لم تتطور، ليس عبر تكريس العداء للمذاهب الإسلامية، بل لعدم فهمها، ولضرورة فرز المتعصبين والاستغلاليين لتلك المذاهب في مشروعاتهم لسرقة الجماهير المؤمنة، وللتحالف مع الإنسانيين والمناضلين فيها لصالح الجمهور.
وهذه الأسس هي العلمانية والعقلانية والديمقراطية، فلم يعد ممكناً الخلط بين المذاهب والحركات السياسية، ولم يعد ممكناً مزج المبادئ الذي لا يقوم به سوى الأميون والمتخلفون الفكريون.
فالمذهبية السياسية الدينية شيء والماركسية والقومية والليبرالية أشياء أخرى، تتقارب في أعمالها السياسية وتتصارع لكنها لا تذوب في بعضها البعض.
من يرد العودة إلى مذاهبه فليعد ولكن الخلطة الهجينة الفكرية لا تصلح للعصر.


