سُعار الفضائح

حين كنت طالبة في الكلية، ربما في عام 2008 او 2007 لم أعد أذكر، انتشر فيديو بين هواتفنا، وقتها لم نكن نستخدم إلا النقل بالبلوتوث، ولم يكن قد وصلنا الفيسبوك أو أي وسيلة تواصل مباشر كما هو الحال الآن.
مصوّر الفيديو شابّ، أراد فضح فتاة مارس معها ما مارسه، صورها وهي ترتدي ثيابها، وأصرّ على ذكر اسمها والقسم الذي تدرس به في الكلية، بدت على ملامحها المفاجأة بالطبع وحاولت منعه لكن دون جدوى.
تحدث هذه الأمور في أي مجتمع مهما كان محافظًا... وهي نتاج عدة أسباب متشابكة ومترابطة ليس هذا محلّ تحليلها وتفسيرها، فعلاقات الحب بتفاوت درجاتها موجودة منذ خلق الإنسان، والحب في حدّ ذاته غير محرّم والزواج وعاؤه الطبيعي لمن استطاع، إلا أن نتائجه غير الأخلاقية من التمادي والانجرار وراء الشهوة تحدث حتى في أكثر الأزمنة الإنسانية ارتباطًا بالأخلاق والدين؛ غير أن ضعف الإنسان تجاهها هو ما جعل المشرّع يضع لقصاصها شروطًا تكاد تكون تعجيزية اللهم إلا لمن جاهر وأصرّ عليها، وأن يكون فيها زنا بالمعنى الفعلي للوَطء، لا بالمعنى المجازي كزنا اللسان أو الأذن.
عودة للفيديو، أنا لا أعلم ما حدث للبنت، فلم تكن ثمّة وسائل تواصل اجتماعي ولهاث وراء القصص والترند والفضائح، سألت عنها في قسمها فقيل لي أنها متغيبة منذ فترة، ولا أحد يعلم عنها شيئًا، من الوارد جدًّا أن تكون قد قُتلتْ... مازلتُ أتذكرها بين الحين والآخر وأفكر في الدافع الذي جعل ذاك الوغد يصورها.
تبدو قصة الشرف الكامن بين فخذي النساء مادة خصبة ومثيرة جدا للتداول، رغم أن هؤلاء الذين يتداولونه بلعاب يسيل وادّعاء مقزز بالورع قد وقعوا فيما هو أسوأ وأثقل: القذف والتشهير. وكأنهم في منأًى عن الوقوع في الخطأ، وكأنهم لا يعرفون أن في بعض الذنوب ابتلاءات يبتلى بها الصالح والمسيء على حدّ سواء. والوغد كان يعرف أن الفيديو الذي صوره لا يُفوّت، وسيجد من ينقله لهاتفه ويريه لغيره مرفقا مشاهدته في كل مرة بدعاء: الستر يا رب!
مع منصات ومواقع التواصل الاجتماعي ازدادت حالة اللهاث والجري وراء أي قصة تحقق ترندًا (إن صحّ التعبير)، لا يُستثنى هنا المعلم والمربي ومدير المدرسة، لا يُستثنى صاحب أعلى الشهادات وأدناها، حالة اللهاث والهذيان هذه جعلتْ كل حادثة بسيطة كانت تنتهي في مكانها توضع تحت مجهر مُكبّر، يدفع ثمنها الطائش لحظة طيشه (والطيش علامة شائعة من علامات المراهقة لعل الأخصائية الاجتماعية لا تعلم)، ويندفع وراءها أب او اخ (أو حتى أمّ) يعاني من القهر ويحمل غيظًا وغلًّا ضد كلّ شيء في الحياة، فلا يجد غير ابنته أو ابنه كي يتنفّس بركان الغضب فيه. بالنسبة للبنات فالأمر أسهل، إذ يتلاشى الخوف من القصاص تحت بند "جرائم الشرف"، هكذا دون بيّنة دون حجة دون شهود، دون داعٍ حتى! فإلى أين يقودنا المجتمع المحافظ بالضبط إن لم يكن إلى شرع الله؟
حين كنت تلميذة في الثانوية وقد كانت مدرستي مختلطة (ذكورًا وإناثًا)، حدث أن ضبطتْ إحدى الأخصائيات حالة انفراد في مكان مشبوه بين فتى وفتاة يدرسان معنا، كلنا عرفناهما، ولكن الأمر توقف عند مكتب الأخصائية، واكتفوا بتشديد الرقابة في الأماكن المعزولة من الساحة، وبتنبيهنا وتوبيخنا جميعًا، وتذكيرنا بأننا زملاء وإخوة وأخوات وألا ينبغي للصبي أن يفعل ما لا يرضاه لأخته، وأن ينبغي للبنت الالتفات نحو ما هو أهمّ؛ مستقبلها ودراستها وألا تستعجل الأمور.
وعلى العموم، انتهت علاقة البنت بالفتى مع نهاية العام الدراسي دون أي تدخلات خارجية، وهذا ما يحدث مع كل هذا النوع من العلاقات تقريبا في تلك المرحلة من العمر... لم يكن ثمة قضية شرف! ولا تشهير ولا قذف... ولم يذهب فكرنا لأبعد من كونها "طيشًا" سيداويه الزمن. وهل منا من لم يمرّ بلحظة طيش؟ لِمَ أُمرنا بالستر؟ لِمَ يتيح لنا الله الفرصة للتوبة مرارا وتكرارا لو كانت الأخطاء لا تُغتفر؟ لِمَ نصرّ على تغييب رحمة الله؟
لا أجد جوابًا إلا وباء الإشاعة، سعار الفضيحة، الشماتة المغلفة بالشفقة... أما أسباب هذه الحالة العجيبة فلم أجد لها تفسيرًا بعد.
Published on July 12, 2022 10:14
No comments have been added yet.