عبـــــــدالله خلــــــــيفة : الرعب من الحب
 الرعب من الحب
الرعب من الحبالاصطدامات بين طريقتي التفكير المحافظ والتفكير التقدمي حتمية وطبيعية، ويجب عدم الفزع منها.
وإذا كانت تدور حول العلاقات الأسرية وعمليات التحرر فهي تمثل منطقة الصدام التاريخية الاجتماعية الطويلة الأمد، فالمحافظون يعملون على استقرار العلاقات الاجتماعية الماضية في مجال الأسرة، ويكافحون بشدة أية قفزة نحو تفكيك وهدم هذه العلاقات المستقرة، ويعتقدون بأن الأسرة على النمط الغربي، وأن الحريات المفتوحة التي يدعو لها التقدميون، هي كلها دمار للمجتمع لأنها تقضي على خلية الصمود الإسلامي فيه وهي الأسرة المحافظة.
علينا أولاً أن نحترم هذا الفهم ونقدره، ففيه جانب هام لأن أسرة متماسكة متحابة، وكذلك تنامي علاقات صحية داخلها، هو كذلك هدف التحديثيين، فهم لا يريدون تخريب الأسرة وإشاعة قيم الأنحلال، لكنهم يرفضون عمليات التقييد الحادة والتربية السيئة المحابية لاستبداد الذكور وأضطهاد النساء، حيث يحدث انقسام أخلاقي أكبر هو نتاج مقولة أن الذكور يستطيعون فعل ما يشاؤون في حين أن الإناث لا يحق لهن أي نوع من الحرية، حتى لقد غدت الأسرة (المحافظة) وهي الهدف السامي لدى الجميع منخورة وتجري فيها عمليات خراب داخلية عميقة دون أن يتم ملاحظة ذلك!
وعلينا أن نعترف كذلك بأن (أغلب) التحديثيين هم محافظون، وإن قالوا بأنهم مع التحديث وحرية المرأة. ومصداق ذلك بأنهم يعاملون زوجاتهم وبناتهم بنفس أسلوب المحافظين الذين ينتقدونهم، فهم يقمعون نساءهم، ويظهرون في التجمعات العامة بدون زوجاتهم وبناتهم، وربما يمنعهونهن كذلك من التطور الخاص، ويفضلون إنزوائهن في البيوت!
فهناك في الواقع رعب عام من تحرر المرأة، وهي حالة موضوعية لها علاقة بتعقيد التطور، فالتطور الاقتصادي كبير في حين أن التطور الاجتماعي شديد البطء. وهذا التطور الاقتصادي يُحدث حالات حادة من التفكك ومن الأصطدام بين الشرائع والقيم، كما أنه يقود الكثير من القوى العاملة إلى الفقر وبالتالي إلى دفع بناتهم إلى العمل، مع الخوف من تلوثهن في هذه الأوساط الجديدة الغريبة غير المسيطر عليها وطنياً وأخلاقياً.
كما أن النساء يمتلكن فوق قوة عملهن قوى سحرية أخرى قادرة على القفز فوق قيم العمل والصبر والتضحية، ولكن هذا القفز لا يؤدي سوى إلى تفكك العائلات، وأستشراء الأنانية، وإلى قيم أخرى مبتذلة.
إن الذكور يلعبون من جهات متضادة دور تقييد الأسرة ودور تفسخها كذلك، فهم كآباء يتشددون لكنهم لايتشددون بنفس القوة إذا كان الأمر يتعلق بغير عوائلهم. وهذه الحالة الأخيرة تزداد مع عوالم الأغراء والحرية والاختلاط، وبالتالي تجد الذكور المحافظين والتحدثيين هم المتواجدون في التجمعات العامة، على تباين أصنافها، وهم كلهم يقلصون من تواجد النساء، ربما لوجود رؤية مشتركة لدى الجميع بأن الغريزة هي المسيطرة عليهم، أما القشور الدينية والتحديثية فهي طلاء خارجي.
إن هذا واقع موضوعي لا يمكن تجاوزه بسهولة، ويحتاج لسنوات طويلة من تأصل قيم اجتماعية مشتركة، تجمع بين الجذور الدينية الأخلاقية الرفيعة وقيم الحضارة الحديثة المساواتية والتحررية، وهو أمر يحتاج إلى مد الجسور بين هذه التيارات التي تسعى لتطور المجتمع، كل من زاويته.



