مراجعة كتاب الطريق إلى القرآن لإبراهيم السكران

الطريق إلى القرآن الطريق إلى القرآن by إبراهيم عمر السكران

My rating: 3 of 5 stars


... "الطريق إلى القرآن" عنوان يحمل الكثير، أو أن هذا ما توقعته أنا من الكتاب ولم أجده. يقول الكاتب في مدخل الكتاب: "وفي هذه الرسالة القصيرة التي بين يديك حصيلة خطرات وتباريح حول واقع القرآن في حياتنا، وآثاره المبهرة الحسية والمعنوية."، ولكنني لم أجد لا تلك الخطرات ولا ذلك الواقع إلا في فصلين اثنين من أصل عشرة، وما غير ذلك إلا تكرار حتى مل التكرار نفسه. نفس الأمثلة بنفس المضمون بنفس الطريقة التي سيقت بها وإن اختلفت بعض الألفاظ هنا وهناك.
... وإلى جانب ذلك التكرار بعض المآخذ التي كثيرا ما يقع فيها الكُتَّاب وقد يتجاهلها القارئ، ولكن ذلك العنوان "الطريق إلى القرآن" الذي جذبني منذ البداية إلى الكتاب يحول بيني وبين تجاهلها، ومنها التشبيه الذي يقول فيه: "حين تكون في غرفتك _مثلا_ ويصدح صوت القارئ من جهازك المحمول، أو حين تكون في سيارتك في لحظات انتظار، ويتحول صوت الإذاعة إلى عرض آيات مسجلة من الحرم الشريف، تشعر أن سكونا غريبا يتهادى رويدا رويدا فيما حولك، كأنما كنت في مصنع يرتطم دوي عجلاته ومحركاته ثم توقف كل شيء مرة واحدة، كأنما توقف التيار الكهربائي عن هذا المصنع مرة واحدة فخيم الصمت وخفتت الأنوار وساد الهدوء المكان" ص٩-١٠، وشتان بين سكون نابع من القلب يغشى ما حوله سكونا وطمأنينة، وسكون يتسلل من الخارج إلى القلب يبث فيه حيرة وتوتر، وشتان بين سكون يدفع إلى الحركة، وسكون يوقفها ولا تقوم بعده إلا قلقلة.
... وأيضا المثال الذي ضربه عن المراهق المتذمر من والده وأمه، ولا يستجيب مهما طالت المناقشات والمجادلات، ولكن موقفه هذا يتغير كليا بمجرد تذكيره بقوله تعالى في بر الوالدين، وهذا صحيح مئة بالمئة بل يزيد، ولكني أعود إلى العنوان مرة أخرى "الطريق إلى القرآن" وأتخيل القارئ الذي ربما ما زال على بداية الطريق أو ربما لم يهتد إليه بعد، أتخيله ينتظر أن يخبره الكاتب بعد هذا المثل عن الوسيلة التي تجعله هو كذاك المراهق يهتز لقول الله، فلا يجد إلا المزيد من الأمثلة عن أولو العلم والنبيين والذين يخشون ربهم، وحين تطرق الكاتب إلى ذلك القارئ المسكين قال عنه: "وفي مقابل ذلك كله، حين ترى بعض أهل الأهواء يسمع آيات القرآن ولا يتأثر بها، ولا يخضع لمضامينها، ولا ينفعل وجدانه بها، بل ربما استمتع بالكتب الفكرية والحوارات الفكرية وتلذذ بها وقضى فيها غالب عمره، وهو هاجر لكتاب الله يمر به الشهر والشهران والثلاثة وهو لم يجلس مع كتاب ربه يتأمله ويتدبره ويبحث عن مراد الله من عباده، إذا رأيت ذلك كله...." ماذا أفعل؟ يكمل قوله: "فاحمد الله يا أخي الكريم على العافية، وتذكر قول الله سبحانه: "فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ"."، فالطريق إلى القرآن موجه لمن وصل بالفعل إلى نهاية الطريق وليس لمن ما زالت قدماه تتعثران من حين إلى آخر بعراقيل الدنيا. فليته أسماه "طريق مع القرآن".
... والمأخذ الأخير في قوله: "وأنا شخصيا إذا التقيت بشخصية غربية متميزة في الفكر أو القانون أو غيرها من العلوم أجاهد نفسي مجاهدة على احترام تميزه، لأنني كلما رأيتهم في غاية الجهل بالله سبحانه وتعالى، امتلأت نفسي إزراء بهم.... أي تخلف وانحطاط معرفي يعيشه هؤلاء الجهلة بالعلم الإلهي!" ص٥٤-٥٥، وأذكر هنا قول خالد بن الوليد رضي الله عنه: "لما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة في عمرة القضية، تغيبتُ ولم أشهد دخوله، فكان أخي الوليد بن الوليد قد دخل مع النبي صلى الله عليه وسلم في عمرة القضية، فطلبني فلم يجدني، وكتب إليَّ كتاباً فإذا فيه: بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد: فإني لم أر أعجب من ذهاب رأيك عن الإسلام، وعقلك عقلك!! ومِثْلُ الإسلام يَجْهَلُهُ أحد؟! وقد سألني رسول الله صلى الله عليه وسلم عنك، فقال: أين خالد؟ فقلت: يأتي الله به، فقال: ما مِثْلُهُ جهل الإسلام، ولو كان جعل نِكَايَتَهُ وَجِدَّهُ المسلمين على المشركين كان خيرا له ولقدمناه على غيره، فاستدرك يا أخي ما قد فاتك، وقد فاتتك مواطن صالحة، فلما جاءني كتابه نشطت للخروج وزادني رغبة في الإسلام" رواه البيهقي، والأمثلة كثيرة عن من كان ذو علم وقوة وفي الوقت ذاته ذو عداء بل أشد عداء للإسلام، والإسلام يخاطبه بلين ومودة، فلا يصح إذًا أن أجد كتابا عنوانه "الطريق إلى القرآن" وأجد الحديث فيه في أكثر من موضع غير الموضع الذي ذكرت، أجده مصبوغا بالسخرية والازدراء لأناس لم يكتب الله لهم الهداية بعد، وقد يهديهم فتحسن هدايتهم. كيف سأستمع إليك وأنت تحدثني بازدراء؟ أم أن الكتاب موجه لفئة معينة نسيت دار النشر أن تذكرها على الغلاف!
... ولكي نعطي كل ذي حق حقه، وجب التنويه إلى الفصلين الوحيدين في الكتاب الذين وجدت فيهما "الطريق إلى القرآن" وهما "كل المنهج في أم الكتاب" ص٦١، و "الحبل الناظم في كتاب الله" ص٧٩. ففي الفصل الأول يأخذنا الكاتب في رحلة مع أكثر سورة نقرأها يوميا، نقرأها سبعة عشر مرة على أقل تقدير، وهي سورة الفاتحة، فيظهر إلينا أشياء ربما وردت على خاطرنا فسهونا عنها، بل ربما أنها لم ترد من الأساس، ومنها أن تلك السورة العظيمة التي جعلها الله ركنا من أركان الصلاة تبدأ بحمد الله؛ ليلفت أنظارنا ويذكرنا دائما أن ذلك هو غاية كل غاية، بل هو الغاية، يقول الكاتب: "تأمل كيف بدأت هذه السورة بثلاث آيات كلها ثناء على الله، تعظيمه جل وعلا بربوبيته للعالمين، ثم تعظيمه جل وعلا بكمال رحمته، ثم تعظيمه جل وعلا بملكه لليوم الآخر. القارئ يحمد الله بربوبيته للعالمين، ورب العالمين يجيبه فيقول: "حمدني عبدي"، ثم يواصل القارئ فيثني على الله بكمال رحمته، ورب العالمين يقول: "أثنى علي عبدي"، فإذا بلغ القارئ الآية الثالثة فأثنى على الله بملكه لليوم الآخر قال الله: "مجدني عبدي". .... إن الله يتحدث عنا ونحن نقرأ الفاتحة. هل تتصور؟!" ص٦٢.
... ثم يكمل الكاتب مع السورة ليوضح لنا البلاغة في تقديم لفظ "إياك" على الفعل "نعبد"، وإفراد الاستعانة "وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ" رغم أنها مشمولة في العبادة "إِيَّاكَ نَعْبُدُ" لتكون تنبيها مستمرا لنا على بدأ كل عمل بالاستعانة، وأنه لا يقوم عمل بدون الاستعانة بالله حتى العبادة، ويكمل الكاتب إلى ختام السورة، ذلك الدعاء الذي اختاره الله لنا ليكون ختاما للسورة، وختاما لكل عمل، وختاما للحياة كلها، ذلك الدعاء الذي اختاره الله "اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ" لكي نتلوه ونحن في أكثر الأوقات هداية، نتلوه ونحن نصلي، فيستنكر أحدنا أن يُذَكَّرَ به وهو في موضع معصية، ويختم الكاتب الفصل مع ختام السورة ويقول: "ثم تختتم هذه السورة برسم أسباب الافتراق الكبرى وآثارها، حيث يقع الصراط المستقيم بين طريقين، طريق المغضوب عليهم، وهم الذين حصلوا العلم وأهملوا العمل، وطريق الضالين، وهم الذين اجتهدوا في العمل بلا علم، وأهل الصراط المستقيم جمعوا العلم والعمل.".
... وفي الفصل الثاني "الحبل الناظم في كتاب الله" يأخذنا الكاتب في رحلة طويلة يعرض فيها أمثلة من مناطق متفرقة من القرآن، وكيف أن كل تلك الآيات مع اختلاف مواقفها تُختم بذكر الله، وكيف أن ذلك الذكر هو الأساس لعمارة النفوس، يقول الكاتب: "وهكذا يريد القرآن _من مفتتحه إلى مختتمه_ أن تكون قلوب العباد، وهذه مجرد نماذج ومنتخبات التقطتها من أجزاء القرآن، وتركت أضعاف أضعافها لئلا يطول الحديث وينتشر الموضوع، ويستطيع متدبر القرآن أن يلاحظ هذه القضية وهي عمارة النفوس بالله في كل آية من كتاب الله، فما من آية من آيات القرآن إلا وفي جوفها معارج تسري بالقلوب إلى مقلب القلوب."، فليته اكتفى بهاذين الفصلين الذين كانا حقا "الطريق إلى القرآن".
... وفي الختام وجب التنويه أني لا أنكر للكاتب مجهوده الذي وضعه في الكتاب، ونيته التي دفعته إلى كتابته، وأن تلك المآخذ كما سبق وقلت كانت ليتغافل عنها لو أنها وجدت في كتاب آخر، وتحت عنوان آخر غير ذلك العنوان.






View all my reviews
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on February 11, 2022 08:40
No comments have been added yet.